الإمارات تحتفي بيوم قطر الوطني.. تعاون ثقافي يحفظ إرثا وتراثا حضاريا
تشارك الإمارات شقيقتها قطر الاحتفال بيومها الوطني، في ظل تعاون ثقافي متنام يحفظ الإرث والتراث الحضاري المشترك.
يحل الاحتفال فيما تشارك الإمارات في فعاليات النسخة الخامسة عشرة من مهرجان كتارا للمحامل التقليدية، التي تعكس إرث التراث البحري الإنساني الذي تتقاسمه دولة قطر مع شقيقتها الإمارات وعدد من الدول.
أيضا يحل الاحتفال باليوم الوطني القطري فيما تتواصل فعاليات معرض "من الحجارة: أدوات صنعت عصور ما قبل التاريخ في قطر" الذي تنظمه هيئة الشارقة للمتاحف بمتحف الشارقة للآثار، بالتعاون مع متاحف قطر، والذي يقدم تجربة علمية وثقافية تُظهر القواسم الحضارية المشتركة التي ربطت مجتمعات الخليج منذ آلاف السنين.
نماذج من فعاليات عدة تمت خلال العام الجاري تعزز علاقات الأخوة التاريخية وتحفظ الإرث والتراث الحضاري المشترك وتثري المشهد الثقافي في البلدين والمنطقة.
شعارات ودلالات
تحتفل قطر بيومها الوطني، الخميس، الذي يوافق 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام.
ويعود هذا التاريخ إلى ذكرى تولي الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني مؤسس قطر، الحكم عام 1878م.
ويعكس الاحتفال بهذه المناسبة الاعتزاز بتاريخ قطر ومسيرة تطورها منذ المؤسس وصولا لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي يتولى الحكم منذ عام 2013 .
يتم الاحتفال بتلك المناسبة هذا العام تحت شعار "بكم تعلو ومنكم تنتظر" المقتبس من كلمة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني التي قدمها للشباب أثناء زيارته لجامعة قطر عام 2016 "الإنسان هو أهم لبنات بناء الوطن، وأعظم استثماراته، فيكم استثمرت قطر وبكم تعلو ومنكم تنتظر"، حيث يجسد الشعار رؤية قطر بأن بناء الإنسان هو أعظم استثمار لترسيخ نهضته واستدامة عطائه.
وتحتفل الإمارات بتلك المناسبة تحت شعار "الإمارات ــ قطر.. كل عام وأنتم بخير"، إذ تشهد الإمارات مجموعة من الفعاليات المرتبطة بالمناسبة، والتي تعبر عن أواصر الأخوة والتاريخ المشترك بين البلدين.

درب الساعي
وتوظف قطر الاحتفال باليوم الوطني، ليكون مناسبة مهمة يتعرف خلالها المواطنون على تاريخهم وإرثهم الوطني العريق من خلال إقامة فعاليات في مواقع مختلفة من الدولة، لتعكس أهمية وقيمة هذه المناسبة الوطنية الكبيرة.
وتعد فعاليات "درب الساعي" أحد أبرز مظاهر الاحتفال باليوم الوطني لدولة قطر، حيث تعكس روح الانتماء والولاء للوطن، وتجسد القيم الراسخة التي قامت عليها الدولة منذ تأسيسها.
وتقام تلك الفعاليات التي تنظمها وزارة الثقافة القطرية خلال الفترة من 10 وحتى 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري في المقر الدائم لدرب الساعي بمنطقة أم صلال.
ويقدم هذا الحدث الثقافي تجربة متكاملة تعكس أصالة التراث القطري، وتبرز قيم الولاء والانتماء التي حملها الآباء وورثها الأبناء جيلا بعد جيل، عبر سلسلة واسعة من الفعاليات الثقافية والتراثية والفنية.
من أبرز تلك الفعاليات، فعالية المقطر والتي تمثل البيوت المتقاربة محاكاة لحياة البادية، وتحتضن جلسات القصيد والألغاز الشعرية التي تهدف إلى تنمية مهارات النشء وتعريفهم بلهجات القبائل وطرق الصحراء ومعالمها، وتضم الفعالية عدة بيوت تراثية مثل بيت الصقور والقنص، وبيت السدو والغزل وحرف النساء، وبيت صناعة الألبان.
أما فعالية العزبة فتتيح للأطفال تعلم ركوب الهجن وشد الذلول، وتقدم نموذجا حيا للحياة التي عاشها الأجداد خلال الترحال وتمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم.
ويحتضن درب الساعي جانبا مميزا من التراث البحري من خلال فعالية البدع التي تجسد البيئة البحرية التقليدية عبر مجلس البدع وبيت المطوع والمقهى الشعبي ومجلس النوخذة والنهام والطواش، وترافقها ألعاب تراثية بحرية ومسابقات ثقافية، بالإضافة إلى متحف متخصص يوثق التراث البحري القطري.

التراث البحري
وفي إطار التعاون المشترك بين الإمارات وقطر في الحفاظ على التراث البحري، جاءت المشاركة الإماراتية البارزة في فعاليات النسخة الخامسة عشرة من مهرجان كتارا للمحامل التقليدية، التي تقام تحت رعاية أمير قطر خلال الفترة من 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وتختتم 18 ديسمبر بالتزامن مع اليوم الوطني لقطر، مرسخة الدور الريادي الذي يضطلع به المهرجان في صون التراث وتعزيز حضوره في وجدان الأجيال.
ويعد مهرجان كتارا للمحامل التقليدية حدثا مميزا يسلط الضوء على التراث البحري القطري والخليجي، ويعكس الاهتمام الكبير بالحفاظ على هذه الفنون البحرية التقليدية.
ويقدّم المهرجان برنامجًا ثريًا وحافلًا بالعروض الشعبية والورش الحيّة والمعروضات المتخصصة التي تستعرض أدوات الملاحة وصناعة السفن القديمة، بالإضافة إلى استعراضات المحامل بأنواعها التي تعدّ رموزًا خالدة من ذاكرة الخليج. بالإضافة إلى سلسلة واسعة من الأنشطة التي تشمل مسابقات التجديف والصيد، ومعارض تراثية متخصصة، إلى جانب مسابقات بحرية متنوعة تُقام على شاطئ كتارا، إضافة إلى الأسواق الشعبية للحرف اليدوية التي تبرز مهارة الحرفيين وأصالة المهنة.
مشاركة إماراتية بارزة في المهرجان تبرز عمق العلاقات بين البلدين وتسهم في إثراء الفعاليات وفتح آفاق جديدة للتبادل الثقافي بين البلدين.

صون التراث الإنساني
أيضا على صعيد التعاون بين البلدين في صون التراث الإنساني وإيصاله للأجيال القادمة، افتتح الشيخ ماجد بن سلطان بن صقر القاسمي، رئيس دائرة شؤون الضواحي في الشارقة، 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي معرض "من الحجارة: أدوات صنعت عصور ما قبل التاريخ في قطر" الذي تنظمه هيئة الشارقة للمتاحف بمتحف الشارقة للآثار، بالتعاون مع متاحف قطر.
يقدم المعرض الذي يستمر حتى 30 أبريل/ نيسان 2026 مجموعة مختارة من الأدوات الحجرية التي شكلت ملامح حياة الإنسان في حقب ما قبل التاريخ في دولة قطر، كاشفًا عن دورها في تطور الحضارة وسبل العيش وأساليب التكيف مع البيئة في تلك الأزمنة البعيدة.
يفتح المعرض أبوابه أمام الزوار لاكتشاف كنوز أثرية فريدة تنقلهم إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تكشف القطع المعروضة عن ملامح الحياة الأولى للإنسان في الخليج العربي، فمن رؤوس السهام الدقيقة والمكاشط الصوانية التي استخدمت عبر مراحل متعددة من العصر الحجري، إلى الاكتشاف اللافت لقبر عثر فيه على جمل مدفون إلى جانب صاحبه يعود إلى القرون الأخيرة ما قبل الإسلام.
وتقدم المجموعة المعروضة البالغ عددها ما يقارب 110 قطع أثرية تجربة استثنائية تكشف أسرار الماضي وتتيح الغوص في تفاصيل دقيقة من حياة الأسلاف.
ويشكل المعرض محطة فريدة للزوار والباحثين لاكتشاف التاريخ البشري في العصرين الحجري القديم والحديث والقرون الأخيرة قبل الإسلام في منطقة الخليج العربي، مسلطًا الضوء على الجهود العلمية لعلماء الآثار والمنقبين في قطر وما أسفرت عنه أبحاثهم من معطيات أساسية لفهم طبيعة الحياة الإنسانية في تلك الأزمنة السحيقة، بما يعمّق إدراكنا لمسار التطور الحضاري.
يرافق المعرض مجموعة من الفعاليات المصاحبة التي تهدف إلى إشراك الجمهور في تجربة تعليمية وتفاعلية شيقة تعزز ارتباطهم بمضمون الحدث وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة لفهم تاريخ الإنسان القديم.

تعزيز العلاقات الثقافية
في إطار تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين الشقيقين، زار الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة الإماراتي، فعاليات النسخة الثانية من مهرجان "فريج الفن والتصميم" في "درب الساعي" بالعاصمة القطرية الدوحة نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وقام القاسمي، يرافقه الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة القطري، بجولة داخل أقسام وأجنحة المهرجان، اطلع خلالها على أحدث الإبداعات الفنية والتصاميم المبتكرة، إضافة إلى عدد من الفعاليات والأنشطة المصاحبة، مشيدًا بالجهود المبذولة لجعل المهرجان منصة تحتفي بالإبداع وتدعم المواهب الشابة في مختلف مجالات الفنون البصرية والتصميم.
وأكد الشيخ سالم بن خالد القاسمي، أن العلاقات الثقافية بين دولة الإمارات ودولة قطر تشهد تعاونًا مستمرًا في مجالات الفنون والتراث والإبداع، بما يعكس التزام البلدين بدعم الحراك الثقافي الخليجي وتعزيز مكانته عالميًا، مشيرًا إلى أن مثل هذه المهرجانات تساهم في استدامة الحراك الفني بالمنطقة.

أيضا زار الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، معرض كتارا الدولي للصيد والصقور"سهيل 2025"، المتخصص في مجال معدات الصيد ولوازم الصقّارة والتجهيزات المرتبطة برياضة القنص، وذلك على هامش زيارته إلى الدوحة سبتمبر/ إيلول الماضي.
وتفقّد ولي عهد دبي ، يرافقه الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني، رئيس اللجنة الأولمبية القطرية، جانباً من المعرض الدولي، حيث اطلع على ما تقدمه نخبة من الشركات العالمية والمؤسسات القطرية الرائدة، عبر النسخة التاسعة للمعرض، من أحدث التقنيات والابتكارات ومنتجات الحرف اليدوية المرتبطة بالصيد والقنص والتخييم.
وأثنى الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم على المعرض وفكرته التي تحتفي بجانب مهم من جوانب الثقافة الخليجية المرتبط بالصحراء والرياضات الصحراوية، منوهاً بقيمة الحدث كملتقى يسهم في إحياء عادات وتقاليد يتشارك أهل الخليج في الاحتفاء بها، ونوه بأثر المعرض في تعزيز ارتباط الأجيال الجديدة بموروثهم المجتمعي العريق.

تبادل الخبرات
وفي إطار تبادل الخبرات المشتركة، أجرى وفد من بيت الحكمة في الشارقة زيارة لدولة قطر سبتمبر/ إيلول الماضي بحث خلالها آفاق ومجالات التعاون مع عدد من المؤسسات الثقافية القطرية من بينها متحف الفن الإسلامي ومكتبة قطر الوطنية.
تأتي الزيارة ضمن الجولة الثقافية المعرفية التي ترأستها مروة العقروبي المدير التنفيذي لبيت الحكمة في إطار المساعي لتبادل الخبرات مع المؤسسات الفاعلة في المشهد المعرفي العربي عبر الحوارات المباشرة واستكشاف البرامج المشتركة والاطلاع على أحدث التجارب في إدارة المتاحف والمكتبات والمبادرات الثقافية المجتمعية بما يتماشى مع رؤية إمارة الشارقة في تبني وتشجيع الانفتاح على التجارب الرائدة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
زيارات وفعاليات وتعاون يجسد العلاقات الأﺧﻮﻳﺔ المتينة التي تجمع الإمارات وقطر، ويدعم روابط تاريخية مستندة إلى الإرث الثقافي والاجتماعي المشترك، ويسهم في تعزيز التنمية والازدهار في قطاعات عديدة في البلدين، لا سيما المجالات الثقافية والإبداعية.