يسرني أن ألتقي بشعب يعيش الحاضر ونظره يتطلع إلى المستقبل على تلك الأرض التي تسعى لأن تكون نموذجا للتعايش والأخوة الإنسانية.
"يسرني أن ألتقي بشعب يعيش الحاضر ونظره يتطلع إلى المستقبل على تلك الأرض التي تسعى لأن تكون نموذجا للتعايش والأخوة الإنسانية واللقاء بين مختلف الحضارات والثقافات، حيث يجد فيها الكثيرون مكانا آمنا للعمل والعيش بحرية، تحترم الاختلاف".. بهذه الكلمات خاطب الحبر الأعظم بابا الفاتيكان قداسة البابا فرنسيس شعب الإمارات قبيل زيارته التاريخية لها في فبراير الماضي، وهكذا يراها كشعب، نموذجا ملهما للتسامح والرقي، وهكذا يصفها كدولة "أرض الازدهار والسلام، دار التعايش واللقاء".
لذا لم يكن غريبا أن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الوحيدة عربيا ومن بين دول قليلة جدا شرق أوسطيا، التي تحظى بإشادة وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي حول وضع الحريات الدينية في العالم الذي صدر قبل أيام قليلة، التقرير يعني بالرصد السنوي لوضع الحرية الدينية والاضطهاد الديني في كافة دول العالم، ويستند إلى معلومات أولية جمعتها السفارات الأمريكية حول العالم من الحكومات المحلية ومجموعات دينية ومنظمات غير حكومية وصحفيين ومراقبي حقوق الإنسان وأكاديميين وغيرهم، ويتولى مسؤولية إصداره "مكتب الحرية الدينية الدولية" بوزارة الخارجية الأمريكية والذي أنشئ في صيف عام 1998، وتحدد الوزارة على أساس هذا التقرير ما تسميه بـ"الدول التي تثير قلقا خاصا "بسبب انتهاكاتها المنهجية والمستمرة" للحرية الدينية، والتي قد تتعرض لعقوبات أمريكية، من ضمنها عقوبات اقتصادية.
كل هذه المؤشرات تجعل الإمارات عن حق "عاصمة عالمية للسلام والتسامح"، وتجعل ما يرد من إشادات بها في التقارير الدولية المعنية بالحريات الدينية مجرد إقرار بحق أصبح ساطعا واعتراف بحقيقة لم يعد بالإمكان إنكارها وإنصاف لجهود لم يعد هناك مجال لتناسيها.
فيما يتعلق بالإمارات كان منطقيا أن تكون جهودها في تشجيع الحرية الدينية محل تقدير من القائمين على إعداد التقرير وإصداره وعلى رأسهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي أشاد بالإمارات لدورها في ملف الحريات الدينية وذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم الجمعة الماضي لإطلاق التقرير السنوي لعام 2018.
التقرير الذي رسم صورة قاتمة عن وضع حرية المعتقد والعبادة في نحو 200 دولة من بينها حلفاء بارزين لواشنطن، تعاطى إيجابا وإنصافا مع القيم التي رسختها دولة الإمارات على أرض الواقع، سواء فيما يتعلق بتعزيز فضيلة التسامح وقبول الآخر، أو في ضمان حرية الاعتقاد والممارسة الدينية، فأوضح التقرير أن الإمارات تكفل حرية الممارسة الدينية بموجب الدستور الذي يتيح حرية العبادة لغير المسلمين، كما ينص على أن الجميع سواء أمام القانون، فيما يحرم القانون الإساءة إلى كافة الديانات، كما يحرم التفريق أو عدم المساواة على أساس ديني ويجرم إثارة الكراهية الدينية وازدراء الأديان، وتمنع الحكومة نشر النصوص التي تشجع على التطرف، كما أكد التقرير على أن هناك قدرا كبيرا من التسامح داخل المجتمع الإماراتي تجاه الأقليات الدينية، مستشهدا بالعديد من المؤشرات أبرزها وجود معبدين هندوسيين وآخر سيخي في دبي، موضحا أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خصص قطعة أرض في الوثبة من أجل بناء معبد هندوسي، من المقرر الانتهاء منه بحلول عام 2020، ومن بين المؤشرات البارزة التي أوردها التقرير كقرينة على الحرية الدينية في الإمارات هو أن حكومتها تسمح للمدارس بتقديم دروس مصممة خصيصا لتناسب الخلفيات الدينية للطلاب، ما أورده تقرير الحريات الدينية بشأن الإمارات هو في الواقع ترسيخ لحقيقة أن الإمارات أضحت نموذجا مثاليا للمجتمع المتعدد الذي تتعايش على أرضه جميع الديانات والجنسيات والأعراق في انسجام كامل ووئام تام وسلام دون أي منغصات، ففي الإمارات تلتقي حضارات الشرق والغرب وتتعانق جميع الديانات وتتعايش جميع المذاهب والملل والأعراق، وأثبتت الإمارات أنها من أفضل الدول التي تبنت سياسات فعالة وناجحة لإدارة التنوع والاختلاف الموجود على أراضيها وبين قاطنيها بشكل أصبحت معه مثالا يحتذى في كيفية جعل التنوع بين السكان مصدرا للقوة لا سببا للخلاف، فلا يلحظ الزائر للإمارات وجود أي فارق أو تمييز أتباع ديانة معينة على أتباع غيرها أو مذهبا بعينه على ما عداه، فالجميع أمام القانون سواء، والفضل في ذلك يعود إلى ما اتبعته الإمارات من سياسات في هذا الشأن ترجمت في كثير من القوانين والقرارات والإجراءات التي آتت أكلها ورسخت نهجا في إدارة التنوع أصبح مسجلا باسم الإمارات.
ولعل ما ميز تجربة الإمارات هنا هو أنها انطلقت في تعاملها مع قضية التسامح لا باعتبارها مسألة ثانوية أو رفاهية ثقافية وسياسية، بل باعتبارها أساسا لنهضتها ومرتكزا لسلامة وترابط نسيجها المجتمعي، لذا ربما كانت الإمارات هي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها وزارة ووزير للتسامح، وجعلت من عام 2019 عاما للتسامح، وتبنّت رسميا برنامجا وطنيا متكاملا للتسامح، وهناك أيضا برنامج المسؤولية التسامحية للمؤسسات، الذي يعد البرنامج الأول على مستوى العالم، ويهدف إلى نشر قيم التسامح في الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، وذلك من خلال الالتزام بمعايير ومؤشرات محددة تعزز التسامح والتعايش وتروج له، وتنبذ الكراهية والعنصرية والتفرقة على أساس الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو العرق، ومن بين المبادرات الطموحة أيضا المزمع إطلاقها الميثاق الإماراتي في التسامح والتعايش والسلام، وهو بمثابة مجموعة من المواثيق المرتبطة بالمواطن والمقيم والمعلم والطالب والموظف، والتي تهدف إلى تعزيز التسامح والتعايش وقبول الآخر واحترام التنوع الثقافي، ونبذ العنف والتطرف والعنصرية، بالإضافة إلى إنشاء مركز الإمارات للتسامح، الذي سيعنى بإعداد الدراسات والبحوث المختصة، التي ترتكز على تأصيل وتعزيز التسامح واحترام الآخرين وضمان استمراريته في المجتمع، بالتوازي مع رصد كل أشكال العصبية والكراهية والتطرف وعدم قبول الآخر، فضلا عن دور المركز في توفير المحتوى العلمي والثقافي حول التسامح وأفضل ممارساته في حياتنا اليومية، كما صارت الإمارات أكثر دول المنطقة امتلاكا لمؤسسات وهيئات تسعى لنشر قيم التسامح والتعايش، وأكثرها استضافة لأحداث وفعاليات تنشد تعزيز هذه الفضائل.
كل هذه المؤشرات تجعل الإمارات عن حق "عاصمة عالمية للسلام والتسامح"، وتجعل ما يرد من إشادات بها في التقارير الدولية المعنية بالحريات الدينية مجرد إقرار بحق أصبح ساطعا واعتراف بحقيقة لم يعد بالإمكان إنكارها وإنصاف لجهود لم يعد هناك مجال لتناسيها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة