بوتين قال إن دولة الإمارات العربية المتحدة شريك وثيق لنا منذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط، واليوم سنوقّع على إعلان الشراكة الاستراتيجية
في اللقاء الذي جمع أول يونيو/حزيران الجاري بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في الكرملين، قال بوتين إن "دولة الإمارات العربية المتحدة شريك وثيق لنا منذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط، واليوم سنوقّع على إعلان الشراكة الاستراتيجية، لتكون خطوة أخرى في سبيل تعزيز العلاقات بيننا"، وفي ذلك اعتراف بالدور المحوري للإمارات في المنطقة، المستند إلى أمرين؛ الأول منجزي تاريخي، كرّسه الشيخ زايد منذ نشأة دولة الإمارات في ديسمبر 1971، يظهر في علاقات دولية حملت مصداقية والتزاما ومسؤولية، ونتيجة لذاك شهدت العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات وروسيا تعاونا مثمرا امتد ـ ولا يزال ـ لأكثر من 45 عاما، ما دفع البلدين إلى تعزيز العلاقات على جميع الأصعدة في الوقت الحاضر.
والأمر الثاني: الحفاظ على مواقف الإمارات ذات الطابع السيادي في جميع المسائل، بما فيها تلك التي تشكل خلافات أو تتطلب تحالفات، ولوضوح رؤية الإمارات للقضايا المشتركة مع روسيا أو مع غيرها ظلت العلاقة مميزة بين البلدين، وأسهمت في تطويرها الزيارات المتبادلة بين قياديي الدولتين، ولأنها قائمة على أسس متينة فقد تميزت بالتعاون الوثيق في مختلف المجالات، منها: السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية.
القراءة المتعمقة تنتهي بنا إلى القول إن إعلان الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا الاتحادية، يدفع إلى طرح صيغة جديدة للتعاون بين البلدين، وهذه الصيغة لها تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي، والأكثر من هذا الدخول في فضاء العلاقات التي تقيمها إيران بحيث لا تظل حكراً عليها
وعلى الرغم من أن العلاقة بين البلدين تركز على التبادل التجاري، فإنها تولي اهتماما خاصا بشؤون المنطقة، خاصة من الجانب الإماراتي، وهو ما بدا جليا في قول الشيخ محمد بن زايد في زيارته الأخيرة إلى موسكو "إن علاقات البلدين الصديقين مهمة، ونسعى إلى تطويرها.. منذ أن تقابلنا العام الماضي هناك تطورات كثيرة في الشرق الأوسط، والإمارات تسعى دائما مع أصدقائها والمجتمع الدولي كي ترى مستقبلا واعدا في الشرق الأوسط"، وعلينا النظر إلى هذا القول من زاويتين: الأولى تشمل رؤية الشيخ محمد بن زايد القائمة على قاعدة تصدير أفكار إيجابية من المنطقة العربية إلى العالم انطلاقا من الإمارات، وعبر استراتيجية دائمة تبعث الأمل في الدول العربية، حتى لا يتم النظر إليها بشكل دائم على أنها مصدرة للإرهاب.
وتؤكد الزاوية الثانية أن الشراكة الاستراتيجية الثنائية أو التعاون في أي مجال بين البلدين، لا يتم بمعزل عن أحداث المنطقة، وهذا يتطلّب موقفا إماراتيّا من مجمل الأحداث الجارية، وروسيا ترى أن الإمارات شريك مهم تقتضي العلاقات والمصلحة الدخول معه في حوار دائم والتشاور معه، وهو ما جاء في قول الرئيس بوتين عند لقائه الشيخ محمد بن زايد، فقد قال "نرحب بكم في موسكو، وسبق أن التقينا معكم قبل سنة، ومن ذلك الحين شهدت المنطقة والعالم تطورات سريعة، وأنا سعيد بهذه الفرصة لأناقش معكم فرص تعزيز العلاقات والتطورات في المنطقة".
من ناحية أخرى، هناك وعي إماراتي بالدور المحوري لجمهورية روسيا الاتحادية باعتبارها دولة كبرى على النحو الذي ذكره الشيخ محمد بن زايد في تحقيق الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي، وهذا يتطلب استمرار التنسيق والتشاور معها بشأن قضايا المنطقة، خاصة مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف باعتبارها تشكل تهديدا عالميا يستهدف الكل دون استثناء، وهذا يتطلب مزيدا من التنسيق والتعاون الدولي والإقليمي لمواجهة خطرها على الأمن والاستقرار العالميين، وللدولتين موقف ثابت من تلك الظاهرة.
ويكشف إعلان الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وروسيا، في عدد من المجالات، منها: السياسي والأمني والتجاري والاقتصادي والثقافي، إضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية، وما سيترتب عليه من تعزيز الحوار والمشاورات حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية الرئيسة ذات الاهتمام السياسي المتبادل عن جملة من الأمور، لعل أهمها: توسيع الإمارات علاقاتها على المستوى الدولي، والانتقال من التكتيك المرحلي إلى الاستراتيجية، والتنوع في العلاقات الدولية بحيث لا تظل مقصورة على الجانب الأمريكي مثلاً، خاصة أن هذه الشراكة الاستراتيجية قد تتحول مع الوقت إلى نوع من التحالف أو التنسيق في المواقف باتجاه القضايا الكبرى، وهو ما تضمنه إعلان الشراكة بين البلدين، إذ شمل إجراء المشاورات بشكل منتظم بين وزيري خارجية البلدين، بغرض تنسيق المواقف حول القضايا ذات الاهتمام المتبادل.
القراءة المتعمقة تنتهي بنا إلى القول إن إعلان الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا الاتحادية، يدفع إلى طرح صيغة جديدة للتعاون بين البلدين، وهذه الصيغة لها تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي، والأكثر من هذا الدخول في فضاء العلاقات التي تقيمها إيران بحيث لا تظل حكراً عليها، وهذا يعني التغير في ثلاثة أمور: الأول: الموقف من العلاقات الدولية، وكيفية تنظيمها بما يحقق الأهداف القومية دون أن يُخل ذلك بمصالح الدولة الوطنية ومصالحها الخاصة، والثاني: إعادة النظر في العلاقات الدولية مع روسيا تحديدا، بحيث لا تظل مرهونة بمجال واحد، إنما متعددة، وتنتهي في مجملها إلى تحقيق كل الأهداف المرسومة، والثالث: تغيير نمط العلاقات الراهنة بحيث لا تظل أسيرة ما تحقق في الماضي، ولا هي محكومة بالفعل السياسي في الحاضر، وإنها تحقق في حركيتها وتوجهها نتائج مستقبلية يتم التأسيس لها في الوقت الحاضر.
كما أن هذا الإعلان الاستراتيجي، يأتي في ظل تغير في الوطن العربي والعالم، وفي أجواء حروب متفرقة من العالم، هي أشدّ وطأة في منطقتنا على ما يبدو، وفي وجود روسي علني عسكري ومدني في منطقتنا، ليُبَيِّن لنا جميعا الوعي الإماراتي بمستقبل المنطقة، ونضوج رؤيتها في التعامل مع الفاعلين الأساسيين في المنطقة والعالم، وهي في كل ذلك تستفيد من علاقتها بروسيا، التي لم تتأثر بالمد والجزر والتوتر مع دول عربية كثيرة، كما لم تكن تابعة لها، وإنما طوّرت تلك العلاقة للتحوّل اليوم إلى شراكة استراتيجية.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة