حصلت الإمارات بجدارة وتفوق كبيرين على المركز الأول ضمن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث الأمان وفقا لمؤشر "غالوب".
من أهمّ الدلائل والمؤشرات على الانسجام بين الدولة كمؤسساتٍ إداريّةٍ والشعب هو الأمان، الذي لا يمكنُ له أنْ يبلغ المستويات العالمية ما لم يتحقّقُ شرطٌ رئيسٌ من شروطه، وهو الإيمان المطلق من الشعب بالدولة التي ينتمي إليها حكومةً ومؤسساتٍ، والذي يوازيه إيمان تلك المؤسسات بأن لا عملَ لها سوى خدمة مواطنيها ورعاية شؤونهم على كافة الأصعدةِ، الأمر الذي يجعل استحقاق بلدٍ من البلدان لصفة الأمان ليسَ سهلاً، لما يتطلبه من مسيرةٍ طويلةٍ من التعاضد بين الشعب والحكومة، بالإضافة إلى إرساء هذا المفهوم وتحويله إلى وقائع ملموسةً بدءاً من الثقافة المجتمعية وانتهاءً بالسلطة وسيادة القانون والنمو الاقتصادي المستمر بالصعود، ووفق هذه المعادلات نرى الإمارات اليوم تتربع في المركز الأول في الشرق الأوسط وشمالِ أفريقيا من حيثُ الأمان وفقاً لمؤشر القانون والنظام العالمي 2020 الذي أصدرته مؤسسة "غالوب" .
في حقيقة الأمر فإنّ بلوغَ هذه المرتبة ليس هيناً كما أسلفنا، فما الذي جعل الإمارات العربية المتحدة تتصدرُ هذا المؤشر؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال تتطلبُ التفصيل في أركان بناء الأمن والأمان الرئيسة، والتي يمكن الحديث عن أهمها باختصارٍ، وهي:
أولاً: الثقافة الشعبية: فالأمانُ ثقافةُ شعبٍ بالدرجة الأولى، ولعلّ من أهمّ ميزات الشعبِ الإماراتي التكوينية هي كونه عربيّاً أصيلاً مضيافاً، ينشأ ويترعرعُ على مجموعةٍ من الثوابت الاجتماعية التي لا يمكن بحالٍ أنْ يتخلى عنها كالكرم وإغاثة الملهوف والصدق وصون الأمانات، بالإضافةِ إلى سعي الدولة الإماراتية عبر أجهزتها الحكومية المختلفة إلى التأكيد على الأصالة العربية الإماراتية والعمل على صونها وإدخالها في منهج السياسة للدولة وبالتالي إلى المنهج الحياتي العامّ ككلٍ، بالإضافةِ إلى تكريس الصفة الإسلامية بمنهجها السمح والمتسامح القائمِ على قبول الآخر وصونِ دماء العباد وأموالهم وأعراضهم، الأمر الذي جعل البنية التحتية للأمان قائمة على أكمل وجه، مما يجعلنا أمام حقيقة مفادها بأنّ الأمانة ثقافةُ شعبٍ.
ثانياً: التنمية الاقتصادية: في واقع الأمر إنّ أولى الثغرات التي يُضرب منها الأمن والأمان هي الفقر والجوع والحرمان، ولكن منذ بزوغ شمس الإمارات على الساحة العربية والدولية على يد المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه- والإمارات تتطلع إلى جعل الدولة والمواطن الإماراتي في مصاف الدول والشعوب المتقدمة حضارياً واقتصادياً، ومن أهم جوانب هذه السياسة العمل على تنمية الاقتصاد وتنويع موارده، فالإمارات من أولى الدول النفطية التي وضعت نصب عينيها عدم الاعتماد على موارد الثروات الباطنية غير المتجددة، فاتجهت إلى إقامة العلاقات والشراكات الاقتصادية مع جميع دول العالم وبكافة المجالات التجارية والصناعية والعلمية والخدمية، وتأمين كل ما يلزم ذلك من بنى تحتية وإجراءات قانونية وتشريعية تسهم بتحقيق المرونة للاقتصاد الخلاق القائم على الابتكار واستشراف المستقبل، فتحولت الإمارات إلى قبلة الاقتصاد في الشرق الأوسط، حتى غدت الإمارات مركزاً رئيساً لانطلاق الفعاليات الاقتصادية العالمية من كبريات الشركات الدولية وبكافة المجالات، الأمر الذي ساهم بتوجيه أنظار كل قاطن على أرضها مواطناً كانَ أم مقيماً إلى التفكير بطرق البناء وإعمار البلاد وإسعاد العباد لا إلى إراقة الدماء والعبث بها.
ثالثاً: سيادة القانون: لا شكّ بأنّ الثقافة الاجتماعية والنماء الاقتصادي هما البنية التحتية للأمان إلا أنّ هذه البنية تحتاج إلى بنية فوقية متمثلة بسيادة القانون، فلا أمان دون قانون جامع مانع لا يستثني أحداً من سلطانه مهما بلغ من الرفعة والسمو، والذي لا يمكن له أن يُطبّق دون إرادةٍ سياسية جادةٍ من القائمين على أمر البلاد، وهذا ما يميز الإمارات العربية المتحدة، وهو ما يبرّر حجم العمالة الوافدة والشركات العالمية المساهمة في بناء الاقتصاد الإماراتي دون أدنى خشية من الفساد أو الظلم، وإنك لو زرت الإمارات وسألت أي مقيم عنها لأجابك بأنّ الإمارات هي بلده وإن كان يحمل جنسية مغايرة، بل لعلك تجد الكثير منهم من يصف نفسه بأنه إماراتي الهوى والولاء على الرغم من أنه من بلدٍ آخر، وكل هذا مرده إلى سيادة القانون الذي لا يميز بين إماراتي ومقيم في ردّ المظالمِ إلى أهلها وحساب المسيء أياً يكن.
لا شكّ بأنّ الأمان نعمةٌ وكنزٌ ثمينٌ لا يقدر بثمن، إلا أنّ هذا الكنز لا يوجد صدفةً كما أنّ هذه النعمة لا توهب بالمجان، بل إنه حصيلة التنشئة الاجتماعية وبناء المنظومة الدينية والثقافية والأخلاقية السليمة المشفوعة بجهد المؤسسات الحكومية الدؤوب في العمل على تكريسه والحفاظ عليه بموازاة نهضة اقتصادية سهر عليها ساسة البلاد لعقود طويلة تنظيراً وتطبيقاً، ومن ثم تكريس سيادة القانون حتى تنغرس هذه المثل بكل أجزائها في كيان الدولة والوعي الجمعي للمجتمع بكافة أطيافه ومكوناته، وهو ما وصلت إليه الإمارات الساعية إلى ما هو أبعد من ذلك، فكانت جديرةً بأن يكون عنوانها البلد الأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأمان والثالث على مستوى المعمورة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة