زايد، عملياً رحل عنا جسداً فقط، ولكن مآثره النبيلة وحكمته السياسية والإنسانية الرائعتين باقيتان.
حينما نستعيد أي ذكرى لمؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، فإنه تقع على عاتقنا، نحن مواطني الدولة، مسؤوليات كبيرة في مقدمتها المحافظة على القيم الوطنية والإنسانية التي آمن بها "رحمه الله" منذ أن استلم مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي باعتباره حاكماً لها يوم السادس من أغسطس عام 1966 والإخلاص في العمل من أجل بنائها –الدولة- دون كلل أو تقصير لأن تلك المبادئ هي التي أوصلت دولة الإمارات إلى مصاف الدول المرموقة في العالم.
ينفرد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كقائد عن باقي السياسيين في العالم بأنه الحاكم الوحيد الذي تتفق حوله الآراء بأنه شخصية نادرة في أسلوبها في الحكم، ويتفقون على صواب تفكيره وأعماله لأنه حكم بالعقل والقلب ولم يتعامل مع الإنسان في أي مكان في العالم بلغة المصالح وبالتالي نالت تجربته احترام العالم
زايد، عملياً رحل عنا جسداً فقط، ولكن مآثره النبيلة وحكمته السياسية والإنسانية الرائعتين باقيتان، ولا أشك أن قائدا مثله ستبقى سيرته خالدة، واستعادتها، رغم أنها لا تحتاج إلى تخصيص يوم أو مناسبة، وإنما إذا تم ذلك فهو من باب الاعتراف لجميل قدمته هذه الشخصية على هذا الشعب وذلك لبعدين. البعد الأول: يتعلق بتعبير شعب الإمارات لما يكنه من مشاعر الوفاء والتقدير على وضع أسس دولة ناجحة، حيث منذ تقلده الحكم في مدينة العين ممثلاً للحكم في المنطقة الشرقية في عام 1948 وشعب الإمارات شعر بتغيير في أسلوب عيشه لأنه كان هدف زايد الأساسي هو إسعاد شعبه.
البعد الثاني في استعادة سيرته في هذا اليوم: يتعلق بأن الصفات التي امتاز بها زايد سواء كقائد صاحب كاريزما سياسية شهد له الجميع من خلال المشاريع السياسية التي حققها للمنطقة وللإنسانية وأبهرت العالم. فالمغفور له من القادة الذين تستدل عليهم من إنجازاتهم الإنسانية والوطنية، وبالتالي مثله يرحل جسداً ولكن تبقى أعمالهم باقية وشاهدة لما أنجزوه في حياتهم وما صنعوه لشعبوهم وللإنسانية.
النقطة الجديرة هنا أن مسألة نقل تجربة زايد إلى مَن لم يعيشوا فترته وهي مسؤولية الأجيال التي عاشت عهده، والذين أعتبرهم أنهم أكثر حظاً ممن لم يروا إدارته للحكم وللأزمات، فهو لم يكن شخصية عادية سواءً في السياسة أو الإنسانية، وأجمع كل المراقبين الذين تابعوا حكمه على أنه كان يؤكد أولوية بناء الإنسان، باعتباره الثروة الحقيقية، بنفس القدر الذي كان يهتم ببناء الوطن الإماراتي، حتى حفر اسمه في ذاكرة العالم بأنه صاحب فلسفة بنيوية مختلفة وجديرة بالاستنساخ كما بقي في الذاكرة العربية بأنه حكيمها "فهو حكيم العرب"، لأنه حقق معجزات فشل غيره من قادة العرب ذوي المشاريع السياسية التي تتعدى حدود بلادهم، فنسيهم التاريخ.
السادس من أغسطس في دولة الإمارات، هو مرحلة انتقالية جديدة، وبالتالي يكون مهماً لدى كل إماراتي استذكاره مع بقية الأيام الخالدة فيها مثل الثاني من ديسمبر، الذي يوافق إعلان دولة الاتحاد، وكذلك 30 نوفمبر يوم الشهيد الإماراتي، لأنها تواريخ لها علاقة بصيرورة وطن وشعب من خلال "شخصية امتازت بعفويتها" لكنها بهرت المراقبين، فأصبحت بمواقفها المشهودة في تحقيق السلام والأمن العالميين فأصبحت شخصية عربية وعالمية لمكانتها بين السياسيين الخالدين في العالم.
لقد ترك بصمات لا يمكن محوها إلى الأبد، كما ترك أثرا كبيرا في دول العالم، ولهذا ورغم مرور أكثر من عقدين من الزمن على وفاته نستشعر نحن في دولة الإمارات -وأكاد أجزم في دول عديدة في العالم- وجوده معنا بفكره السياسي ومواقفه الإنسانية التي شكّلت اليوم منهاجاً عالمياً وفلسفة لبناء الدولة، ليأتي السياسيون إلى الإمارات من أجل الاقتداء بها.
وينفرد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كقائد عن باقي السياسيين في العالم بأنه الحاكم الوحيد الذي تتفق حوله الآراء بأنه شخصية نادرة في أسلوبها في الحكم، ويتفقون على صواب تفكيره وأعماله لأنه حكم بالعقل والقلب، ولم يتعامل مع الإنسان في أي مكان في العالم بلغة المصالح وبالتالي نالت تجربته احترام العالم.
يمكن وصف تجربة الشيخ زايد في بناء الدولة وفي التعامل مع السياسة الدولية بـ"المختلفة كلياً"، فهي اعتمدت على تجربته الخاصة من واقع طبيعة المجتمع الإماراتي وليس من خلال نقل نظريات سياسية لفلاسفة الرومان أو من تجارب الآخرين. وهي تجربة عميقة في رؤيتها الاستشرافية، لأنها أثبتت صوابها، مع أن البعض رأى فيها الفشل، كما أثبتت قابليتها للبقاء والاستمرارية حتى بعد رحيله، بل وحازت على إعجاب منتقديها فهو استطاع بناء دولة عصرية تخاطب العالم بدبلوماسية السلام والأمن، ولذا فإن استذكاره اليوم هو استذكار سيرة أحد الرجال الذين صنعوا التاريخ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة