عبر تاريخ طويل يقترب من مئة عام تمكنت المملكة من أن تثبت للعالم أنها جديرة في تقديم الخدمات للحجاج والزوار المسلمين
عبر تاريخ طويل يقترب من مئة عام تمكنت المملكة من أن تثبت للعالم أنها جديرة في تقديم الخدمات للحجاج والزوار المسلمين الذين يأتون من كل أنحاء العالم بقصد أداء مناسكهم الدينية في بقعة جغرافية مقدسة، هذه البقعة تقع ضمن جغرافيا المملكة العربية السعودية، وبقيت المملكة خلال هذه المدة الزمنية الطويلة محافظة على توازن شديد في أن تقدم أفضل ما لديها من أجل راحة وسلامة كل زائر يأتي إلى الأرض السعودية.
ولأن العمرة والحج مناسبتان دينيتان تخصان كل المسلمين في هذا الكون، بل مطلوب من كل مسلم أن يحج إلى البيت الحرام متى استطاع ذلك، ولأن الكثير من المسلمين لديهم الرغبة في القدوم للحج أو العمرة، فإن المملكة -وهي المسؤول التاريخي والجغرافي- تعمل على تسهيل قدوم تلك الفئات من الحجاج والمعتمرين، بل إن المملكة وعبر تاريخها الطويل لم تفكر في أن تجعل من هذه المناسبة استثماراً سياسياً أو اقتصادياً أو حتى عقدياً، فقد التزمت المملكة بأن تكون خادمة للحرمين الشريفين، وهكذا هو اسم ملوك المملكة العربية السعودية.
ما تحاول بعض الدول أن تمارسه إعلامياً، وتروج له من أن المملكة تعمل على تسييس الحج هو في الحقيقة يحتاج إلى الإثبات والأدلة التي عجزت دول أخرى عبر التاريخ عن إثباتها، فما بالك بدول جديدة تعتبر في سن المهد مقارنة بغيرها من الدول الإسلامية.
هنا يأتي السؤال المهم: ما الذي يدفع المملكة لتسييس الحج كما حاولت دول كثيرة أن تروج لذلك، وما الفائدة التي سوف تجنيها المملكة من تسييس الحج، وهي الدولة الأهم في العالم العربي سياسياً واقتصادياً وجغرافياً، كما أنها الدولة الأهم عالمياً في مجال الطاقة، وهي تمتلك أكبر احتياطات العالم من البترول؟ هذا السؤال مهم جداً؛ لأنه لا يمكن أن تجد دولة بكل هذه الميزات التي يتم تسخيرها من أجل خدمة الأماكن المقدسة، يمكنها أن تسعى أو حتى تفكر في تسييس الحج بقدر تفكيرها في خدمة الحجاج.
المملكة تنظر إلى الحج كونه متطلباً تاريخياً ارتبط بالساعات الأولى من نشأة المملكة، ليس من أجل الاستفادة من هذه المناسبة سياسياً أو اقتصادياً بل من أجل تسخير إمكانات المملكة السياسية والاقتصادية والبشرية من أجل خدمة الهدف الأسمى، حيث تسهيل العمرة والحج لكل قادر من خلال ترتيبات سياسية وتعاون مع جميع الدول الإسلامية وغير الإسلامية.
فكرة تسييس الحج نموذج تاريخي اعتادت المملكة على مواجهته، فكل من لديه خلاف سياسي أو اختلاف في وجهات النظر مع المملكة وعبر تاريخ طويل راح يتمسك بمناسبة الحج الدينية ليقول للعالم إن المملكة تسيّس الحج، بينما لم تستطع أي دولة أن تثبت أن حجاجها تمت إعادتهم من الأراضي السعودية، وهم حجاج أو معتمرون بسبب خلاف دولتهم مع المملكة، لقد خبرت المملكة هذه الظواهر الموسمية، وتعاملت معها بكل هدوء، لأن أحداً لم يستطع أن يجيب على سؤال واحد يقول: ما الفائدة التي يمكن أن تجنيها المملكة من تسييس الحج مع أي دولة في العالم سواء كانت بحجم إيران أو بحجم قطر؟
تسييس الحج فكرة يتبناها كل من يريد أن يختلف مع المملكة، لأن المملكة تاريخياً لا تختلف مع أحد، ولا ترغب في ذلك، وخاصة في قضية الحج أو العمرة؛ لأن ذلك مرتبط بالشعوب وبكل مسلم على هذه الأرض وليس بالدول، ولم تكن المملكة عبر التاريخ بحاجة لأن تستخدم الحج كورقة ضغط على الدول، لأنها ليست بحاجة إلى ذلك، ولن تكون بحاجة إلى ذلك في يوم من الأيام، فالمملكة تجد نفسها في خدمة الحرمين الشريفين وليس في شيء آخر، فمن تمنعه دولته من التوجه إلى المملكة لأداء الحج أو العمرة فليتأكد أن السبب في ذلك دولته وليس المملكة، والإثبات التاريخي واضح في هذا المجال.
إذا عدنا إلى التاريخ فسوف نجد الأمثلة كثيرة لدول حاولت أن تسيّس الحج، وتجعل من القضية موضوعاً للإعلام، ولكن الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي أنه لم تستطع أي دولة أن تتمكن من تمرير خداعها الإعلامي والسياسي حول تسييس الحج، لذلك تراجعت الكثير من الدول عن أفكارها، وتغيرت مواقفها، وأثبت لها الواقع والتاريخ أن المملكة لم ولن تكون بحاجة إلى تسييس شعيرة دينية تهم المسلمين كأفراد وليس كدول.
ما تحاول بعض الدول أن تمارسه إعلامياً، وتروج له من أن المملكة تعمل على تسييس الحج هو في الحقيقة يحتاج إلى الإثبات والأدلة التي عجزت دول أخرى عبر التاريخ عن إثباتها، فما بالك بدول جديدة تعتبر في سن المهد مقارنة بغيرها من الدول الإسلامية، لذلك فإن الترويج الإعلامي الذي تمارسه بعض الدول حول تسييس الحج ليس جديداً في تاريخ هذه المناسبة، ولكن الحقيقة الدائمة والتي تحدث كل عام أن كل ذلك يذوب بسرعة أمام ذلك الالتزام التاريخي من المملكة تجاه خدمة الحرمين الشريفين.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة