لن تخسر دولة الإمارات شيئاً عندما اختارت الصومال العودة إلى الفوضى، على العكس تماماً فإن الخاسر الأكبر من هذا هو الشعب الصومالي.
عندما تُبنى العلاقات بين الدول على الرحمة والإحسان والشعور بمدى حاجة دولة لمساعدة دولة شقيقة أخرى؛ لهي أقوى وأمتن أنواع العلاقات التي تحكم الدول فيما بينها، وهذا بالفعل النموذج الذي كان يجمع بين بلدين مسلمين شقيقين هما الإمارات والصومال.
ثمّة عناصر في الحكومة الصومالية تتوافق والمنهج القطري الأيديولوجي الإخواني، بعد تعيين مراسل الجزيرة سابقاً فهد ياسين مديراً لقصر الرئاسة والمباشرة بمهمته الموكلة إليه، عبر حرف مسار الدولة بمساندة المخابرات القطرية نحو مزيد من التشدد تجاه العرب لصالح تركيا وإيران عبر ممر قطر
خمسة وعشرون عاماً دفنتها الحكومة الصومالية في الرمال لحساب دول لها باع في تفكيك وتخريب الدول العربية، ولعلّ سوريا واليمن وليبيا ومصر نموذج لتدخلها في هذه البلدان ودعمها المتطرفين فيها.
عندما تدفع الإمارات من قوت شعبها نحو 300 مليون دولار للشعب الصومالي فهذا ليس بطراً على الإطلاق، ولكن قادة الإمارات يعملون وفق منهج الرحمة الذي أسّس له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" وجعل منه دستوراً تمشي عليه الأجيال من بعده.
سنوات طوال والإمارات تزج برجالها إلى بلد غير مستقر ولا آمنٍ لبناء جيش قوي قادر على التصدي للمتطرفين الذين أهلكوا الحرث والنّسل، وعملت طيلة السنوات التي خلت على دفع رواتب هؤلاء العسكر من خزينتها للحفاظ على هذا البلد من الحركات المتطرفة كحركة الشباب وغيرها، ولكن كلّ هذا لم يُنظر إليه من السلطات الصومالية الحالية على وجه التقدير، بل مضت هذه السلطات بالبلد وسلمت رقبته من جديد للإرهاب بشقيه العسكري على الأرض والسياسي الداعم له.
إذا كانت الإمارات قد حملت على عاتقها مساندة أشقائها الصوماليين، وهذا ليس مرحلياً وإنما منذ سنوات طويلة، فهذا يعني بالضرورة أنّه لا مصلحة شخصية للإمارات في الصومال لا من قريب ولا من بعيد، ولن تخسر دولة الإمارات شيئاً عندما اختارت الصومال العودة إلى الفوضى، على العكس تماماً فإن الخاسر الأكبر من هذا هو الشعب الصومالي الذي بالكاد يجد معظمه قوت يومه، وعلى مرأى العالم دون مقدرة المنظمات الدولية على سد حاجة هذا البلد الكبير، سواء على المستويين الصحي أو الغذائي خاصة وأنّ القراصنة في هذا البلد كانوا يستولون على جميع المساعدات القادمة إليه، وتقلص دورهم وتلاشت انتهاكاتهم منذ بدء الإمارات مساندة الصومال.
في الواقع ما أتت عليه السلطات الأمنية الصومالية مؤخراً من احتجاز طائرة خاصة على متنها جنود إماراتيون، والاستيلاء على أموال معروفة وجهتها وهي رواتب المتدربين الصوماليين، والتي تمّ أخذ الموافقة على نقلها من قائد الجيش الصومالي، لم يكن نابعاً من موقف داخلي للحكومة الصومالية تجاه الإمارات على الإطلاق، فهي تدرك حجم العطاء الذي قدمته أبوظبي لهذا البلد وإنّما بتحريض مباشر من قطر التي باتت تبحث عن ساحات قريبة وأخرى بعيدة لمنافسة دول المقاطعة وعلى رأسها الإمارات، خصوصاً أنّ ثمّة عناصر في الحكومة الصومالية تتوافق والمنهج القطري الأيديولوجي الإخواني بعد تعيين مراسل الجزيرة سابقاً فهد ياسين مديراً لقصر الرئاسة والمباشرة بمهمته الموكلة إليه، عبر حرف مسار الدولة بمساندة المخابرات القطرية نحو مزيد من التشدد تجاه العرب لصالح تركيا وإيران عبر ممر قطر، ما يؤكد ذلك هو زيارته الدوحة بعد يوم واحد من تعيينه، فالرجل يملك مفاتيح خزائن المال المتجه من الحكومة القطرية إلى المتنفذين في جمهورية الصومال.
في استعراض بسيط لتاريخ مدير القصر الرئاسي الجديد في الصومال يتضح أنّ الرجل، وخلال فترة عمله مراسلاً ثم مديراً لمكتب "قناة الجزيرة"، انتهج سياسة القناة المتهمة من الغرب أولاً قبل العرب بالترويج للجماعات المتطرفة، والحصول على لقاءات خاصة مع هذه التنظيمات وقياداتها، ولعلّ أبرزها لقاؤه مع الشيخ حسن عبد الله حسي المعروف بالشيخ حسن تركي المطلوب أمريكياً وهو أبرز قيادات المحاكم الإسلامية في الصومال والتي عاثت في الأرض فساداً.
بعد كل هذا وفي ميزان الربح والخسارة تبقى الإمارات الدولة التي تساند أشقاءها أينما كانوا، ومن دون مقابل وهذا ما رسّخ له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، وهي ستكون فرحة في حال وصلت الصومال إلى الاستقرار والعافية من التنظيمات المتطرفة وهذا لا يزعجها على الإطلاق، بل عملت عليه من خلال دعمها للصومال عسكرياً ومالياً لسنوات طوال.
شتان ما بين المشروع الإماراتي في الصومال القائم على تنمية الصومال، والدفع به نحو مصاف الدول الآمنة المستقرة والانتقال به من حالة الفوضى إلى الاستقرار، وبين المشروع القطري الذي يعمل على اختطاف هذا البلد الفقير وجعله أداة جديدة تُضاف لتنظيمات وفصائل ممتدة من سوريا إلى اليمن والعراق وليبيا، تلعب بها السلطات القطرية وتحرِّكها حيثما احتاجت ابتزاز الآخرين.
نستطيع القول بأنّه صدق في السلطات الصومالية الحالية المثل القائل "اتق شر من أحسنت إليه"، إذ لم يقتصر الدعم الإماراتي للصومال على تدريب الجيش وإنّما في البنى التحتية لهذا البلد من بناء مستشفيات ومدارس ونقاط طبية، وهذا ما سيخسره الشعب الصومالي ويربحه المتطرفون بمباركة قادة الصومال الحاليين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة