اختتم البطل العائد رائد الفضاء الإماراتي "سلطان النيادي" مهمته غير العادية على متن محطة الفضاء الدولية، ليصبح أول عربي يقوم بمهمة فضائية طويلة الأمد، وأول عربي يسير في الفضاء لنحو 6 ساعات و30 دقيقة، ما شكل فصلًا مزدهرًا في تاريخ الإمارات لاستكشاف الفضاء.
نجاح مهمة النيادي لم يكن وليدة الصدفة، فدولة الإمارات تملك مشاريع علمية وطنية طموحة في مجالات علوم الفضاء، ابتعدت عن المهام الفردية لتصبح مركزًا استراتيجيًا لعلوم الفضاء والتكنولوجيا، وتسير وفقًا لخطط استراتيجية واضحة، لزيادة مساهمة قطاع الفضاء على الاقتصاد الوطني، تماشيًا مع الاستراتيجية الوطنية للفضاء للعام 2030.
وهو ما يفسر الإعلان مؤخرا عن التطلعات الإماراتية المستقبلية لاستكشاف حزام الكويكبات، واكتشاف الكواكب ما بعد المريخ، فلقد استثمرت الإمارات كجزء من خطتها العشرية، نحو 10 مليارات دولار في سبيل النهوض بقطاعها الفضائي.
وكما وضعت الاستثمار المناسب بدأت تحصد ثمرات الاستثمار، بوصول "هزاع المنصوري" أول رائد فضاء إماراتي إلى الفضاء عام 2019، ليمضي ثمانية أيام في محطة الفضاء الدولية، ثم وصول "مسبار الأمل" بنجاح إلى مدار الكوكب الأحمر؛المريخ عام 2021، لتصبح الإمارات الخامسة عالميًا وصولا إلى المريخ، بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند، والثانية تاريخيًا التي تحقق هذا الإنجاز من المحاولة الأولى.
إنجازات الإمارات في القطاع الفضائي، ونجاح رواد الفضاء الإماراتيّين في مختلف المهام طوال السنوات الماضية، سيشكل مصدر إلهام للشباب العربي والمنطقة بأكملها، للوصول إلى مجالات الكون العلمية، ما سيكون له الأثر الكبير في تعزيز النهضة العربية بقطاع الفضاء، وخروج مهام علمية مستقبلية لاستكشاف الفضاء، فلقد تمكن النيادي عبر تجربته العلمية على مدار ستة أشهر في محطة الفضاء الدولية من إجراء أكثر من 200 تجربة، في محطة فضائية تقع على ارتفاع 400 كيلومتر فوق سطح الأرض، وتقدم بيئة مختبرية مناسبة للبحث العلمي في العديد من المجالات.
عودة النيادي بسلام إلى الأرض، لم تحقق طموحات الإماراتيين وحسب، بل دفعت بطموحات العرب العلمية إلى الأمام، وأدخلت رائد الفضاء الإماراتي إلى كوكبة فضائية علمية محدودة من البشر، الذين نجحوا في القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، فلقد أصبح النيادي ضمن كوكبة من نحو 270 شخصا من رواد الفضاء في العالم، متمثلين من 21 دولة، استطاعوا الوصول إلى محطة الفضاء الدولية.
وما جعل رحلة النيادي إلى الفضاء مميزة هي ارتباطها بالعالم العربي، لاسيما ارتداؤه الزي الرسمي الإماراتي، وتهنئته للعالم الإسلامي بمناسبة عيد الأضحى من الفضاء، وترحيبه برائدي الفضاء السعوديين، ريانة برناوي وعلي القرني، واستقبالهما بالتمر والماء، كما أصبحنا نترقب صور المدن العربية من الفضاء، من خلال عدسة كاميرا سلطان النيادي، ما جعله سفير العرب (ولو رمزيًا) في الفضاء.
طموح زايد مستمر بهمة القيادة الإماراتية، وسواعد أبنائهم الإماراتيين، فإنجاز رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي يؤكد تميز وتأثير دولة الإمارات على الصعيدين الإقليمي والدولي، منذ إطلاقها برنامجها الوطني للفضاء عام 2017، فالطموحات الإمارتية في مجالات الفضاء ليس لها حدود، وتعكس رؤية وطنية صادقة، تؤمن في العلم والمستقبل والاستثمار في الشباب.
وبرغم دخول الإمارات حديثًا لعالم الفضاء، إلا أنها تمكنت من تحقيق خطوات متسارعة، وضعتها على مصاف الدول الأوائل التي تستثمر في العلوم الفضائية الكونية، وما تأسيس أول منطقة فضائية اقتصادية في "مدينة مصدر"، لتكون مقر الشركات والقدرات الوطنية في مجال الفضاء، إلا دليل على رؤية استراتيجية مستدامة، ستحقق أثرا كبيرًا على الاقتصاد الإماراتي خلال الخمسين المقبلة، وستجعل مناطق الفضاء الاقتصادية بيئة جذابة للشركات الوطنية والعالمية.
عاد البطل سلطان النيادي من الفضاء إلى سواحل فلوريدا، ثم سيعود قريبًا إلى الوطن، بعد ستة أشهر بعيدًا عن عائلته وأقربائه وأصدقائه، لتبدأ مرحلة جديدة سينقل بها تجربته القيمة وخبرته ومعرفته، ليتم البناء عليها والتعلم من دروسها المستفادة، للقيام بالمزيد من الاستكشافات الفضائية، فالتزام دولة الإمارات نحو قطاع الفضاء ثابت وراسخ، ومن شأنه اثراء شعوب العالم بعلوم الكون التي لم تكتشف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة