مثقفون إماراتيون وإسبان يناقشون التاريخ المشترك
الحوار الثقافي الإماراتي الإسباني يأتي في إطار فعاليات الاحتفاء بالشارقة ضيف شرف معرض "ليبر" الدولي للكتاب في مدريد.
استضافت جامعة "كومبلتنسي" الإسبانية وفداً من كتاب ومثقفي الإمارات خلال جلستين حواريتين.
حملت الجلسة الأولى عنوان "العرب في الأدب الإسباني والإسبان في الأدب العربي"، فيما جاءت الثانية بعنوان "التاريخ المشترك.. العرب في إسبانيا"، وذلك ضمن فعاليات الاحتفاء بالشارقة ضيف شرف معرض "ليبر" الدولي للكتاب بمدريد، بحضور نخبة من طلبة كلية اللسانيات واللغات الشرقية.
وشارك في الجلسة التي أدارتها الشاعرة شيخة المطيري، كل من المستعرب والباحث الإسباني فيرناندو دي أجريدا، والشاعر والباحث سلطان العميمي، والفنان والباحث المسرحي الدكتور حبيب غلوم، وتناولت ملامح من الأدب المشترك بين العرب والإسبان خلال القرون الماضية، وما تشهده العلاقات العربية الإسبانية اليوم على مستوى العمل الثقافي.
وجمعت الجلسة الثانية كلا من الدكتور والباحث المتخصص في الثقافة العربية خيرونيمو باييز، والكاتبة إيمان اليوسف، والقاصة صالحة عبير، والكاتبة بشرى عبد الله، إذ استعرضت أبرز العلامات التي شكلت ذاكرة الثقافة والفنون في إسبانيا وأوروبا، والدور الذي لعبه العرب في تحقيقها وانتشارها.
وتوقف الدكتور خيرونيمو باييز عند الثقافة الأندلسية بوصفها أبرز المحطات التاريخية التي شكلت العلاقات بين العرب وأوروبا، موضحاً أن تلك المرحلة جعلت العالمين العربي والإسباني يعرفان ويقرآن لكتاب وشعراء مثل ولادة بنت المستكفي، وابن زيدون، وفي الوقت نفسه يحملان في الذاكرة أعمال ثربانتس، ولوركا.
وقال: "إن الثقافة المتمازجة بين العرب والإسبان ظلت منذ القدم وحتى وقت قريب قائمة على جهود مفكرين وكتاب من أمثال طه حسين، إلا أنها اليوم تحتاج إلى إعادة عمل وتنشيط لتحقق أثرها على مختلف المستويات".
وأكد الشاعر سلطان العميمي أن تجربة الأندلس وما قدمته على المستوى الحضاري لم تكن نتاج العرب وحدهم، وإنما كانت نتاج التعايش والتسامح الذي كان في تلك المرحلة التاريخية، إذ ساهم المسلمون العرب إلى جانب المسيحيين، واليهود في تشكيل ملامح واضحة في الفن، والأدب، والفكر، والفلسفة، مستعرضاً مقابل ذلك علاقة التجربة الشعرية الشعبية الإماراتية بالشعر الأندلسي.
واستشهد العميمي بقصيدة أبي الحسن الششتري التي يقول في مطلعها "شويخ من أرض مكناس" ليؤكد دور الثقافة في تلاقي الشعوب وتحقيق وحدتها الإنسانية، إذ انتشرت القصيدة في المغرب العربي وبلاد الخليج بصورة عامة، والإمارات بصورة خاصة.
وتجاوز الدكتور حبيب غلوم في مداخلته دور التاريخ وما قدمه من شواهد ليضع سؤال العلاقة بين العرب والإسبان في الزمن المعاصر، موضحا أن كل ما يهم اليوم هو حجم العلاقات التي تجمع العرب بإسبانيا ومدى معرفتهم بأدائهم المعاصر.
وأضاف أن المفارقة في العلاقات العربية الإسبانية، هي أنها كانت أقوى في وقت كانت وسائل التواصل محدودة، أما اليوم ومع تسارع وتنامي وسائل الاتصال بصورة غير مسبوقة لم يعد ذاك التواصل موجودا، وتزايد جهل كل من الطرفين بالآخر.
وشهدت الجلسة الثانية التي أدارتها الشاعرة شيخة المطيري، مداخلة اعترف فيها المستعرب خيرونيمو باييز بأنه شعر بانتمائه للمكان حين زار مدينة فاس أكثر مما شعر به داخل إسبانيا.
وأوضح أن الإسبان لا يعرفون حجم الذاكرة والهوية التي تجمعهم مع العرب، لافتا إلى أن معرفته بالعرب كانت في سنوات شبابه غير واضحة ومشوشة، لكنه أدرك حقيقة التاريخ العربي بعد أن زار المغرب، واكتشف أن الكثير من التاريخ الإسباني مغيب ويختزل الحضور العربي فيه.
وتوقفت الكاتبة إيمان اليوسف عند الموشح في الأدب كنموذج حي لما امتازت به تجربة الأندلس من تعايش وتفاهم بين مختلف الطوائف والأعراق والثقافات.
ولفتت إلى أن اسم الموشح جاء من الوشاح المزين بسلكين من اللؤلؤ والأحجار الكريمة، وتم اختيار هذا الاسم لأنه يكشف التطور الذي جرى على القصيدة العربية المقفاة، حيث تم تغيير وزنها وقافيتها لتصبح صالحة للغناء.
وأشارت إلى أن الموشح كان يختتم بما يسمى "الخرجة"، وهي نص يجمع اللغة العربية والإسبانية بطريقة تبدو أن التقائهما استحدث لغة ثالثة.
وأضاءت الكاتبة صالحة عبيد على مشاهد من أثر الثقافة العربية في الإسبانية، إذ أشارت إلى دور ابن رشد في الفلسفة الإسبانية والأوروبية، وما أحدثه من تطور على مستوى العلاقة بين العلم واللاهوت، وكيف تأثر به الفيلسوف توما الأكويني.
وأكدت أن ما تركه العرب من أثر في الثقافة الإسبانية يظهر بصورة واضحة على صعيد الموسيقى مع تجربة استحداث الوتر الخامس للعود التي قادها الموسيقي زرياب، مستعرضة سلسلة من الأنماط الموسيقية التي استفادت من الغناء والموسيقى العربية مثل: الفادو، والتربادو.
واختتمت الكاتبة بشرى عبد الله الجلسة بالحديث عن المراحل الثلاث التي شكلت العلاقة بين العرب وإسبانيا، إذ أوضحت أن أولى المراحل كانت تأثيرا غير مباشر، وذلك من خلال الرحلات والبعثات.
أما المرحلة الثانية، فظهرت في الترجمة خلال الفترة من القرن 11 وحتى 13 الميلادي، حين نقل الإسبان مؤلفات العلوم والفكر والفلسفة عن اللغة العربية، والمرحلة الأخيرة كانت بالتأثير المباشر، من خلال حضور العرب في إسبانيا ونقل ثقافتهم.