ركزت مبادرات الإمارات مبكرًا في جميع المجالات على قضية الاستدامة برؤية علمية حكيمة، تقودها جملة قوانين ومعادلات دولية تعمل من خلالها.
ولعل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيّب الله ثراه- كان السبّاق في اتباع المنهج العلمي الصحيح، عبر تركيزه على الزراعة منذ قيام الاتحاد في أقسى الظروف المناخية الصعبة، وحزمه وإصراره على زراعة المناطق الصحراوية القاحلة، وابتكار الأساليب العلمية الذكية باستخدام الأفلاج وطرق الري والسقي البدائية منها وتطويرها بصورة طبيعية بما يتلاءم مع الأرض، ولعل ذلك وضع اللبنات الأولية للخطط والمبادرات، التي تقوم بها الإمارات لأنها تسير على نهجه القويم والمتجدد.
في مجال التغير المناخي كان ابتكار الإمارات يتركز في الاستدامة، التي تم إهمالها في كثير من الدول، وجعلها وسيلة لتحسين أصول عيش الإنسان في أفق الاستدامة الخلّاقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وكانت ولا تزال للإمارات الرؤية الصادقة والقويمة في بناء مدن مستدامة ابتكارية في مواردها وديمومتها، حيث يقل فيها استهلاك الأراضي والموارد الطبيعية والتخفيف من الإنفاق غير المُجدي.
المبادرات، التي قامت بها الإمارات، تستهدف التنمية بمعناها الواسع، لأنها تدرك أن تكاليف التغير المناخي غالية وضارة، ليس على المنطقة فقط، بل على العالم، لذلك مدت يدها إلى العالم من أجل وقف استنزاف الموارد الطبيعية وتدمير الطبيعة، وهي تعيش في مناخ صحراوي قاسٍ تدرك جيدًا ماذا يعني التغير المناخي وأبعاده الخطيرة على البشرية.
وللإمارات تجارب شتى في مجال الزراعة والاستدامة، ولعل اقتراحها للابتكار الزراعي في مؤتمر غلاسكو دليل على الرؤية المتقدمة لما سيؤول إليه عالمنا في المستقبل المنظور.
إن "مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ" خطوة متطورة في تنسيق الجهود والأبحاث في وجه تداعيات تغير المناخ على الحرارة والطقس، وبالتالي البيئة.
كما أن الإمارات تدرك أن القطاع الزراعي يسهم بنحو ربع انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، ويعد كذلك واحداً من أكثر القطاعات عرضةً لتأثيرات تغير المناخ.
إن هذه المبادرة تقع ضمن استراتيجة الإمارات في ميدان الابتكار العالمي لإنتاج الغذاء والاستثمار المبكر والشراكات الدولية، وهي استراتيجة واضحة المعالم، إضافة إلى ذلك، تعتمد هذه المبادرة على التعاون مع الولايات المتحدة في تبني التكنولوجيا الحديثة، التي تسعى لإدخالها في جميع مناحي الحياة، وهي جزء لا يتجزأ من تحديات الغذاء والمناخ ضمن سياسة وطنية داعمة للأمن الغذائي والانفتاح على المصادر والأبحاث.
لذلك تصبح هذه المبادرة ذات آفاق بعيدة المدى في طرح تصور استراتيجي لما يمكن أن تتبعه بلدان المنطقة في تطوير الابتكار الزراعي كخطوة أولية للحد من التغيير المناخي، الذي تعانيه البشرية، خصوصًا بعد الزيادة المطردة للسكان، التي تؤثر على استهلاك الموارد الطبيعية وضرورة تعويضها بحلول جديدة وسريعة، لذلك فهي رؤية مستقبلية رائدة في الاتجاه الصحيح للبيئات الصحراوية، مثلما هي الحال في دولة الإمارات.
ولعل مشاركة أكثر من 80 دولة في هذه المبادرة، وانتظار المزيد من الدول المرشحة، من شأنه أن يجعلها ذات أهمية بالغة في مستقبل الطاقة الجديدة واستغلال الموارد الطبيعية.
وتصل قيمة هذه المبادرة نحو 4 مليارات دولار، تُستخدم في تطوير أنظمة غذائية وزراعية ذكية على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، وهذا من شأنه أن يشكل طفرة في هذا المجال، ويقدم حلولًا تنموية في غاية الأهمية لعصرنا، ومعلوم أنها تسهم في الحد من التغير المناخي إذا ما علمنا أن تأثير الزراعة على تغير المناخ يبلغ 25% في تدمير البيئة، حسب تقديرات علماء البيئة.
من هنا تأتي أهمية تطبيق هذه المبادرة الإماراتية الأمريكية، لأنها ستعزز من الابتكار الزراعي وتوفر 2 مليار فرصة عمل كما هو متوقع في البيانات الرسمية المختصة في هذا الشأن.
ليست هذه المبادرة بجديدة على الإمارات، فهي سباقة في الريادة وطموحة في مشاريعها، التي تقع ضمن استراتيجية ذكية مخططة ستكون منارة مشعة لبلدان المنطقة، إذ تزداد أهميتها بتحقيقها مزيد من الحلول في دعم الزراعة والبيئة والمناخ، وهي عناصر مرتبطة معا وتتحكم في قضية تغير المناخ، لذلك ستجذب المبادرة مشاركة عدد كبير من الدول، خاصة أن أكبر دولة في العالم، وهي الولايات المتحدة، شريكة أساسية فيها، كما أن نتائجها ستعمل على انضمام مزيد من الدول، التي بحاجة إلى ابتكار أنظمة غذائية وزراعية ذكية تتلاءم مع متطلبات العصر وسكانها والتقنيات الحديثة.
ما لا شك فيه أن هذه المبادرة الابتكارية الخلاّقة قادرة على دعم الاستثمارات في هذا المجال للأعوام الخمسة المقبلة، والتي ستكون حاسمة في هذا الخيار الإيكيولوجي، وهذا من شأنه أن يحسن أوضاع الحياة من ناحية، ويحافظ على الطبيعة والتنوع البيولوجي ويخفف أضرار تغير المناخ لسكان كوكبنا من ناحية أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة