الإمارات وأمريكا.. تعاون بنّاء لخدمة البشرية ومواجهة التحديات
التعاون الإماراتي الأمريكي يشكل شراكة بنّاءة لمواجهة التحديات العالمية الملحة مثل تغير المناخ، ويعزز التعاون في مجالات تخدم البشرية، كاستكشاف الفضاء وتنمية الابتكارات التي تسهم في تحسين المستقبل.
يتعزز هذا التعاون خلال الزيارات المتبادلة والمباحثات المتواصلة وما يتمخض عنها من اتفاقيات ومذكرات تفاهم ترسم خارطة طريق لتعاون مستدام.
ويرتقب أن يشهد التعاون في تلك المجالات دفعة قوية مع الزيارة التي يبدأها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات لأمريكا، الإثنين.
ويبحث رئيس دولة الإمارات خلال الزيارة مع نظيره الأمريكي جو بايدن علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع دولة الإمارات والولايات المتحدة والتي تمتد إلى أكثر من 50 عاماً، وسبل تعزيز تعاونهما وشراكتهما الاستراتيجية في جميع المجالات خاصة الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والفضاء. إضافة إلى الطاقة المتجددة ومواجهة التغير المناخي وحلول الاستدامة وغيرها من الجوانب التي تخدم رؤية البلدين تجاه مستقبل أكثر تقدماً وازدهاراً للجميع.
التغير المناخي
وتتصدر أجندة مباحثات الزعيمين سبل مواجهة التغير المناخي وحلول الاستدامة، في وقت يجني فيه العالم ثمار مبادرات البلدين الملهمة في هذا الصدد.
ونجح البلدان في إطلاق مبادرات رائدة في هذا الصدد، من أبرزها مبادرة "الابتكار الزراعي للمناخ" الهادفة إلى مضاعفة الاستثمار في الزراعة الذكية مناخياً وابتكار النظم الغذائية ودعمها عالمياً، ومبادرة الشراكة الإماراتية - الأمريكية للاستثمار في الطاقة النظيفة.
وتم إطلاق مبادرة "الابتكار الزراعي للمناخ" عام 2021 بالتعاون بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، على هامش فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP26 في غلاسكو عام 2021.
وخلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) التي استضافته الإمارات ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت مبادرة "الابتكار الزراعي للمناخ" عن تضاعف حجم الاستثمارات لتحقيق أهداف المبادرة من 8 مليارات دولار في المؤتمر السابق COP27 إلى 17 مليار دولار، كما أعلنت زيادة عدد شركاء المبادرة إلى أكثر من 600 شريك حكومي وغير حكومي.
تمكين المرأة
أيضا تتعاون الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في ملف تمكين المرأة على الصعيد العالمي.
ضمن أحدث جهودهما في هذا الصدد، عقدت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتية للشؤون السياسية، ورينا أميري مبعوثة الولايات المتحدة الخاصة المعنية بالمرأة والفتاة الأفغانية وحقوق الإنسان، اجتماعا في الإمارات أغسطس/ آب الماضي لمناقشة وضع النساء والفتيات في أفغانستان.
وجددت دولة الإمارات والولايات المتحدة التزامهما بتعزيز وحماية حقوق النساء والفتيات، مؤكدتين أن هذه القضايا حاسمة من أجل أفغانستان مستدامة ومستقرة اقتصاديًا.
واتفق الجانبان أيضا على الحاجة الماسة إلى الدعم الجماعي وتوفير الموارد لتحسين حياة النساء والأطفال الأفغان، ولا سيما دعم التعليم والخدمات الصحية وسبل العيش وفرص ريادة الأعمال. كما ناقش الجانبان أهمية تقديم المساعدات الإنسانية لشعب أفغانستان من خلال مشاريع التنمية ودعم مشاريع إعادة الإعمار.
أيضا على صعيد ذي صلة، شهد الشهر نفسه صدور بيان مشترك من الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، وسويسرا، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة بشأن محادثات السلام المستدام في السودان التي استضافتها سويسرا في الشهر نفسه، أكد أهمية دمج وجهات نظر، وقيادة، وتوصيات المرأة السودانية في جهود السلام والإنسانية في السودان.
وأكد البيان الدور المحوري الذي تلعبه النساء في السودان كناشطات للسلام، وعاملات في المجال الإنساني، وخبيرات، مشددا على أن إدماج النساء أمر أساسي - ولا غنى عنه - لتحقيق السلام واستدامته في السودان، ودعا البيان إلى الإنصات إلى وجهات نظر النساء السودانيات وتوصياتهن.
وأكد البيان الالتزام بتعزيز هدف مشترك وهو معالجة الأزمة التي تعاني منها النساء والأطفال في السودان، فضلاً عن تعزيز أهدافهن وتلبية احتياجاتهن عبر المسارات المختلفة لهذه المحادثات، كما أكد الالتزام بتكثيف الجهود الدبلوماسية لحماية كافة المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، من جميع أشكال العنف، بما يشمل العنف الجنسي أثناء النزاع.
استكشاف الفضاء
التعاون الإماراتي الأمريكي يمتد لمجالات أخرى تصب في صالح البشرية جمعاء وعلى رأسها استكشاف الفضاء.
وتأتي زيارة رئيس دولة الإمارات لأمريكا، في الوقت الذي تواصل فيه الإمارات تعزيز ريادتها الإقليمية والعالمية في مجال علوم الفضاء واستكشافه، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ودشنت الإمارات العام 2024 بالإعلان عن انضمامها إلى مشروع تطوير وإنشاء محطة الفضاء القمرية بجانب الولايات المتحدة واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي، مؤكدة عزمها استكمال البناء على ما حققته من إنجازات في الأعوام الماضية في مجال استكشاف الفضاء.
ويجسد انضمام الإمارات إلى المشروع العالمي الأبرز في القرن الـ 21، مدى حرصها على تطوير وتفعيل آليات التعاون الدولي في مجال الفضاء بما يخدم البشرية ويعود عليها بالنفع والتقدم والازدهار.
ويعد المشروع، الأكثر تقدماً لعودة البشر إلى القمر بعد غياب تجاوز الخمسين عاما، للنزول على سطحه واتخاذه قاعدة لمهمات مستقبلية نحو المريخ، وستتولى الإمارات مسؤولية تشغيل وحدة معادلة الضغط الخاصة بالمحطة لمدة قد تصل إلى 15 عامًا قابلة للتمديد وستحصل على مقعد دائم، وإسهامات علمية في أكبر برنامج لاستكشاف القمر والفضاء، وستكون بين أوائل الدول التي ترسل رائد فضاء إلى القمر، كما ستكون لها الأولوية في الحصول على البيانات العلمية والهندسية المتقدمة التي ستحصل عليها المحطة، ما يعزز مسيرتها المعرفية.
أيضا شهد العام الجاري تعاون متنامي بين الإمارات وأمريكا في دراسة محاكاة الفضاء، حيث تشارك الإمارات في بحوث محاكاة مهمات الاستكشاف البشرية "هيرا" التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا".
وتمتد الدراسة على مدار 180 يومًا من العمل البحثي عبر 4 مراحل (45 يومًا لكل منها) على مدار العام الجاري، سيدرس خلالها أعضاء طاقم كل مهمة كيفية التكيف مع العزلة والحبس والظروف البعيدة عن الأرض قبل إرسال رواد فضاء في مهام طويلة الأمد.
وتمكنت دولة الإمارات من خلال التعاون مع وكالة ناسا والمؤسسات البحثية الأمريكية وصناعة الطيران من تطوير برنامج فضائي متميز حقق إنجازات ملحوظة في إطار زمني قصير نسبياً.
ففي عام 2021 انطلق مسبار الأمل المريخي الإماراتي بنجاح وتمكن من الدوران حول الكوكب الأحمر وساهم في تقديم تصور للغلاف الجوي لكوكب المريخ بصورة تعد الأكثر تفصيلاً على الإطلاق.
كذلك هناك تعاونا بين مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة ناسا في برامج رحلات الإنسان للفضاء، ففي عام 2019 أصبح هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي يشارك في مهمة فضائية قصيرة إلى محطة الفضاء الدولية (ISS) وتعاون خلالها مع وكالة ناسا لإجراء تجارب تعليمية وتوعوية.
كما شارك رائد فضاء إماراتي ثان وهو الدكتور سلطان بن سيف النيادي، وزير الدولة الإماراتي لشؤون الشباب، في الرحلة التي انطلقت عام 2023 إلى محطة الفضاء الدولية كجزء من مهمة Space X Crew-6 التابعة لوكالة ناسا التي تقود البحث العلمي لتعزيز المعرفة الإنسانية وتحسين الحياة على كوكب الأرض.
امتدت رحلة النيادي إلى ستة أشهر قضاها على متن محطة الفضاء الدولية، وكانت بمثابة أول مهمة فضائية طويلة الأمد في العالم العربي، وهو أول رائد فضاء عربي يقوم بمهام السير خارج المحطة الفضائية.
وفي مارس/ آذار الماضي، أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء، عن تخرج رائدي الفضاء نورا المطروشي ومحمد الملا من برنامج "ناسا لرواد الفضاء 2021"، خلال حفل أُقيم في مركز جونسون للفضاء في هيوستون، الولايات المتحدة الأمريكية.
جاءت هذه الخطوة المميزة بعد عامين من التدريبات بدأت في يناير/ كانون الثاني 2022، حيث أعدّت رائدي الفضاء الإماراتيين تماماً لخوض أي مهمات فضائية في المستقبل.
وحصل كل مرشح على شارة رائد فضاء في حفل التخرج، وهذه الشارة ترمز إلى استعدادهم للمهام الفضائية ومساهماتهم في الاستكشافات المستقبلية.
الاستثمار في الطاقة النظيفة
أيضا شكلت الشراكة الاستراتيجية الإماراتية الأمريكية في مجال نشر حلول الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، نموذجاً رائداً للشراكات البناءة والنوعية التي تدعم عملية الانتقال في قطاع الطاقة، بما يسهم في توفير الفرص الاقتصادية والحد من تداعيات تغير المناخ وبناء مستقبل أكثر استدامة.
وضمن المبادرات الرائدة في هذا الصدد، تم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إطلاق مبادرة الشراكة الإماراتية - الأمريكية للاستثمار في الطاقة النظيفة.
وبموجب تلك المبادرة، وقعت دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية شراكة استراتيجية لاستثمار 100 مليار دولار في تنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 غيغاواط في كل من دولة الإمارات والولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم بحلول عام 2035 ، وذلك بهدف تعزيز أمن الطاقة ونشر تطبيقات التكنولوجيا النظيفة ودعم العمل المناخي.
ويواصل الجانبان جهودهما للتنسيق والعمل معاً ضمن رؤية مشتركة لتسريع وضخ الاستثمار في التقنيات الجديدة للطاقة النظيفة في البلدين وحول العالم وفي الاقتصادات الناشئة، والذي من شأنه أن يسهم في تعزيز أمن الطاقة النظيفة للأجيال القادمة.
وتساهم مشاريع الإمارات الإستراتيجية في مجال الطاقة النظيفة في تحقيق هدف تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية، والذي يتطلب مضاعفة الجهود وتعزيز التعاون في مجالي الطاقة والعمل المناخي، ويعد أحد المحاور الرئيسية التي تم التركيز عليها ضمن مؤتمر الأطراف “COP28” .
وعززت "مصدر" إحدى شركات الطاقة النظيفة الأسرع نمواً في العالم حضورها في سوق الطاقة المتجددة بالولايات المتحدة الأمريكية، من خلال الاستحواذ على حصة 50% من محفظة مشاريع للطاقة النظيفة تشمل طاقة الشمس والرياح وبطاريات تخزين الطاقة بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ 1.6 غيغاواط.
وتضم المحفظة ثمانية مشاريع للطاقة المتجددة تشمل ثلاث محطات لطاقة الرياح على نطاق المرافق الخدمية في ولايتي نبراسكا وتكساس تصل قدرتها الإجمالية إلى 815 ميغاواط، وخمسة مشاريع للطاقة الشمسية الكهروضوئية في ولاية كاليفورنيا تم تزويد اثنين منها بنظام بطارية لتخزين الطاقة ويصل إجمالي طاقتها الإنتاجية إلى 689 ميغاواط من الطاقة الشمسية و75 ميغاواط من الطاقة التي يتم تخزينها ضمن نظام بطارية "ليثيوم أيون".
وقد وفرت المشاريع الثمانية أكثر من ألفي فرصة عمل في قطاع الطاقة النظيفة الأمريكي، و تساهم في تفادي إطلاق أكثر من ثلاثة ملايين طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
وكانت دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنتا في يناير/ كانون الثاني 2023 عن تخصيص 20 مليار دولار لتطوير مشاريع طاقة نظيفة بقدرة 15 غيغاواط في الولايات المتحدة قبل عام 2035، وذلك بقيادة شركة "مصدر" ومجموعة من المستثمرين الأمريكيين من القطاع الخاص في إطار الشراكة الاستراتيجية الإماراتية الأمريكية للاستثمار في الطاقة النظيفة.
كوب 28
أيضا على صعيد التعاون لمواجهة تداعيات التغير المناخي، شاركت أمريكا بفعالية في قمة المناخ "كوب 28" التي استضافتها الإمارات ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وعلى هامش القمة، بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع كامالا هاريس نائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أهمية مؤتمر "كوب 28" في بناء موقف دولي جماعي في مواجهة تغير المناخ بما يحقق المصلحة المشتركة لجميع شعوب العالم.
وتطرق الجانبان في هذا السياق إلى التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة في إطار المبادرات المشتركة بينهما في هذا الشأن.
وخلال المؤتمر، كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول التي انضمت الإمارات إلى الإطار العالمي للتمويل المناخي الذي أطلقته مجموعة من القادة العالميين في مؤتمر الأطراف COP28 لبناء وتعزيز الزخم الخاص بتحقيق هدف الإطار المتمثل في تطوير هيكل التمويل المناخي العالمي وتحفيز الفرص الاستثمارية للعمل المناخي.
وأشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالاتفاق الذي تم الإعلان عنه في ختام مؤتمر الأطراف COP28 الذي استضافته الإمارات، واصفاً إياه بالاتفاق التاريخي.