المحافظون البريطانيون.. من «سنوات الهيمنة» إلى «حرب البقاء»

«المحافظون» البريطاني اعتاد التباهي بكونه الحزب السياسي الأكثر نجاحًا في العالم، لكن يبدو أن الأمر لم يعد كذلك.
وبحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، فإن الحزب ينتمي لتيار يمين الوسط، حكم المملكة المتحدة لأكثر من 60 عامًا من أصل 100 عام مضت وذلك قبل إزاحته في عام 2024.
واليوم، يسعى الحزب للحفاظ على مكانته مرشحا قويا للسلطة، وهو ما دفعه لتبني سياسات على غرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما في ذلك الترحيل الجماعي وخفض الميزانية الحكومية.
«حرب بقاء»
أشارت الوكالة إلى أن المحافظين لا يُحاربون الحكومة التي يقودها حزب العمال منافسهم التقليدي فحسب، لكنهم يحاربون أيضا حزب الإصلاح في المملكة المتحدة بزعامة نايجل فاراج الذي يتصدر استطلاعات الرأي منذ أشهر.
وفي مايو/أيار الماضي، سحق حزب الإصلاح حزب المحافظين في الانتخابات المحلية، كما رحب حزب أقصى اليمين بسيل من الأعضاء والمسؤولين المنشقين عن حزب المحافظين.
ورغم أن زعيمة المحافظين كيمي بادينوك، أقرت بأن أمام الحزب "جبلا عليه تسلقه" لاستعادة أصوات الناخبين، إلا أنها أصرت في خطابها الختامي للمؤتمر السنوي للحزب اليوم الأربعاء على أن المحافظين هم "الحزب الوحيد القادر على تحقيق اقتصاد أقوى وحدود أقوى".
وكانت الحشود قليلة في قاعة مؤتمرات "مانشستر سنترال"، حيث استوعب المندوبون تراجع مكانة الحزب.
وقال نيل مكارثي، وهو عضو من شمال إنجلترا "الوضع ليس جيدًا في الوقت الحالي، ونحن ندرك ذلك.. يجب أن يكون هناك شغف، وعلينا أن نوصل رسالة مفادها أننا تغيرنا".
خطأ
لكن ألواح الشوكولاتة التي تحمل علامة حزب المحافظين والتي جرى توزيعها في المؤتمر ساهمت في زيادة التساؤلات حول كفاءة الحزب بعدما كُتب فيها اسم "بريطانيا بشكل خاطئ".
وبحسب الوكالة، فقد عانى المحافظون لسنوات من الاضطرابات بعضها من صنع أيديهم، وبعضها الآخر بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي حول العالم، فكانت الفوائد الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2020 والتي دافع عنها قادة الحزب الحاليون، بعيدة المنال.
ورغم أن رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون حقق فوزًا انتخابيًا ساحقًا عام 2019، إلا أن الحزب أطاح به عام 2022 بعد سلسلة من الفضائح الأخلاقية.
وتسببت خليفته، ليز تراس، في ارتفاع حاد في معدلات التضخم وأسعار الفائدة بسبب خطتها الكارثية لخفض الضرائب، والتي قوضت سمعة المحافظين في مجال الاستقرار الاقتصادي.
وفي عهد ريشي سوناك، استمرت الحكومة متعثرة حتى انتخابات يوليو/تموز 2024 التي شهدت أسوأ هزيمة للمحافظين على الإطلاق.
أما بادينوك التي تولت زعامة المحافظين العام الماضي فحولت الحزب نحو اليمين، وأعلنت سياسات تحمل الطابع المميز لشعار ترامب "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا".
وتقول بادينوك إنه في حال تولى الحزب السلطة فإن الحكومة المحافظة ستلغي أهداف خفض انبعاثات الكربون، وستُخفّض الهجرة القانونية بشكل حاد، وستُرحّل 150 ألف مهاجر غير شرعي سنويًا باستخدام قوة تشبه هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة.
وتقول بادينوك أيضا إن حكومتها المفترضة ستتخلص من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتحد من سلطة القضاة في عرقلة إرادة الحكومة.
قلق وتساؤلات
لكن هذه السياسات، تثير قلق جماعات الحريات المدنية كما أنها تشبه خطط نايجل فاراج للحكم مما دفع البعض إلى التساؤل عن الشيء الذي قد يميز المحافظين عن الإصلاح.
وللإجابة عن ذلك، تقول بادينوك إن الفارق هو السياسات المالية، فرفضت وعود فاراج بزيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية وتأميم صناعات رئيسية مثل الصلب، وأوضحت أن الحكومة المحافظة ستخفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية لتمويل خفض الضرائب على الشركات ومشتري المنازل.
واعتبرت جيل روتر، الزميلة البارزة في معهد الحكومة، إن محاولة بادينوك لدفع المحافظين إلى "الإصلاح باقتصاد أفضل" تهدد بـ"تضييق نطاق جاذبية" الحزب، وأضافت "ببساطة، إنها تُقصي الكثير من أنصار المحافظين".
وقالت إليزابيث رودس، من نوتسفورد شمال غرب إنجلترا: "لا أعتقد أن التوجه نحو اليمين هو الحل.. أعتقد أن حزب المحافظين كان دائمًا ائتلافًا، وإذا أردنا الفوز مجددًا، فعلينا أن نستمر على هذا النهج".
إقالة؟
من جهة أخرى، أثار ضعف شعبية بادينوك في استطلاعات الرأي وأدائها الضعيف في البرلمان تكهنات بإمكانية إقالتها قبل الانتخابات العامة 2029.
وفي حين أمضى النائب المحافظ روبرت جينريك، الذي خسر انتخابات القيادة لعام 2024 أمام بادينوك، الأشهر الماضية في بناء سمعته على الإنترنت فأصبح أحد أبرز الأصوات المناهضة للهجرة في الحزب.
ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقطع فيديو لجينريك قال فيه إنه "لم يرَ وجهاً أبيض آخر" في أحد أحياء برمنغهام، وأكد جينريك أنه لم يكن عنصرياً إنما كان يعبر عن قلقه بشأن "المجتمعات المُنعزلة".
وخلال مؤتمر الحزب، استقطب جينريك حشوداً غفيرة وقال إن المحافظين بحاجة إلى إظهار المزيد من "الحماس".
ورغم إصراره على الولاء لبادينوك، فإن جينريك لم يستبعد الترشح لزعامة الحزب مجددًا، أو إبرام تحالف انتخابي مع حزب الإصلاح لتوحيد اليمين، وهو ما ترفضه بادينوك.