الزيارات الدولية الأخيرة لمنطقة الخليج العربي، وبالتحديد السعودية والإمارات، كزيارة رئيس وزراء بريطانيا، تعكس حيوية تأثير منطقتنا على القرارات الدولية سياسيا واقتصاديا.
لم نتبيّن بعد نهاية للنزاع الروسي-الأوكراني، رغم الاتصالات الجارية، عربياً ودولياً، بغية وقف ما يجري بين الجانبين، فيما تداعيات النزاع تؤثر بالتأكيد على الأسرة الدولية، فالعالم كما يقولون بات في زمن العولمة قرية صغيرة، والنزاعات العسكرية بالطبع هي أسوأ الخيارات التي يلجأ إليها خصوم.. فهل يمكن أن نصدق نحن العرب أنه لا ناقة لنا بما يحدث في أوكرانيا ولا جمل؟ وهل يمكن لنا أن ننأى بأنفسنا عن هذا الصراع الدولي الذي لا يعرف أحد مآلاته؟
أظن أن التأثيرات تطال الجميع، بل بالعكس فإن الأحداث الجارية نقلت الحديث عن النزاع من ميدان المواجهة المباشرة إلى مناقشة تأثيراته الاقتصادية، وتحديدا
في مجال الطاقة وأمن الغذاء، اللذين تتضرر دول العالم كله من أي خلل بهما.
يمكن للعرب أن يكونوا أصحاب قرار حاسم في الموازنات الدولية، التي يُعاد رسمها حاليا على هامش الأزمة الأوكرانية، خاصة إذا ما تعمَّقنا في كُنه الشراكات السياسية والاقتصادية الجيدة، بل والممتازة للدول العربية، وتحديدا دول الخليج العربي، مع مختلف دول العالم، إذ إن عنصر الطاقة، الذي يميز بعض الدول العربية، لا يزال استراتيجيا وفعالا ومحركا لباقي العناصر في منظومة العلاقات الدولية.. ولنا في أوروبا هنا خير مثال، فرغم موقفها المباشر اليوم من الصراع في أوكرانيا، وحجم العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، وحتى الرياضية، التي فرضتها على روسيا، لا تزال تدفع يومياً قرابة المليار دولار لموسكو لاستيراد الطاقة منها، بحسب كلام وزيرة الخارجية البريطانية، وهذا يشرح أشكال التناقض الحاصل في عالم اليوم.
لكن لأن الملفات الدولية كلها مرتبطة بشكل أو بآخر، فإن كل دولة تبحث الآن عن مصالحها وما يربطها بالأزمة الأوكرانية من بعيد أو قريب.
لقد اخترعت الدول الكبرى لعبة المصالح تلك، لذا فهي تطرق الأبواب فورا إذا ما تعطلت أو تضررت آلاتها، وربما تنسى أنها لم تكن الحليف، الذي يثق به الجميع، فلا تزال أمريكا وأوروبا تشجبان وتدينان أفعال مليشيا الحوثي الإرهابية دون ردع لها أو تعاون حقيقي مع حليف لبحث استقرار الشرق الأوسط، فيما هذا الحليف والصديق والشريك صار أقدر في التعامل عبر تنويعه علاقاته وتوازناتها على المستوى الدولي، بعيدا عن القطبية الأحادية.
لعلنا نلاحظ ما يعبر به المواطن العربي في وسائل التواصل الاجتماعي عما يسمى "تخاذل الغرب"، الذي يسارع الآن لطرق أبواب السعوديين والإماراتيين عند الحاجة فقط، فيما يُرى ذلك التخاذل بوضوح في موقف أوروبا وأمريكا من دعم أوكرانيا، تلك التي دُفعت نحو مواجهة لم يكن لها أي لزوم إلا مصلحة الغرب، ممثلا في أمريكا وكبار أوروبا.
زيارة "جونسون" إلى السعودية والإمارات ربما استهدفت الحديث في أمر زيادة الطاقة الإنتاجية من النفط لتعويض غياب الحصة الروسية عبر سلاح العقوبات الغربي، لكن كانت الدولتان عند موقفهما بشأن زيادة الإنتاج، حتى قبل اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية، إذ أكدت السعودية والإمارات التزامهما باتفاق "أوبك بلس"، الذي ينص على زيادة شهرية بحدود 400 ألف برميل نفطٍ لا أكثر.. فالدولتان تتحملان مسؤولية استقرار سوق الطاقة العالمية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتحقيق استقرار سياسي لا يشهد تصعيدا وتصعيدا مضادا.. علاوة على دهشة طلب زيادة الإنتاج النفطي في هذا التوقيت، فقبل أسابيع كان العالم يتحدث عن مخاطر الاحتباس الحراري، وسلبيات التغير المناخي، لذا فليس منطقيا أن تندفع البشرية في اتجاه مخالف يحرق مزيدا من الوقود الأحفوري لمجرد حاجة البعض وضروراته لمعاقبة دولة ما، فيما هذا البعض لا يفكر أبدا بمصالح الآخرين.
عالم اليوم صار يتحدث للأسف عن حرب عالمية ثالثة، وربما حرب نووية كونية -لا قدر الله- وهو تدهور في مجريات العلاقات بين الدول الكبرى والصغرى.. وللأسف لا أحد يعرف كيف يتوقف هذا النزيف وتلتفت البشرية إلى التعاون والبناء الحقيقي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة