"إخوان أوكرانيا" والجماعة "الأم".. الاستثمار "الجشع" في بورصة الدم
انتظرت جماعة الإخوان المسلمين، شهرا لإبداء رأيها في العملية الروسية بأوكرانيا، في موقف ندد بموسكو، وبث سمه في منطقة صراع دامٍ.
تعود دراسة المركز التي تعيد "العين الإخبارية" نشرها، إلى البداية، مع إصدار جماعة الإخوان المسلمين (جبهة إبراهيم منير/ جبهة لندن)، بياناً مطولاً ضمن سلسلة الرسائل الأسبوعية التي تخصصها الجماعة للتوجيهات التربوية والشرعية لأعضائها، حول الحرب في أوكرانيا، حين دعا منير، القائم بأعمال المرشد العام، المجتمع الدولي إلى التدخل لإيقاف تلك "الحرب"، والبحث عن حل سلمي للصراع الذي وصفه بأنه أوشك على التحول لحرب عالمية ثالثة.
مثلت تلك الرسالة أول موقف رسمي تسجله الجماعة، منذ بدء الجيش الروسي عمليته في أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، بيد أنها سُبقت ببيانات ورسائل أخرى أصدرتها جمعيات وكيانات مرتبطة بالجماعة في أوروبا حول موقفها من تلك العملية.
ومن تلك البيانات الفرع الأوكراني للجماعة المسمى “مجلس مسلمي أوكرانيا/ منظمة الرائد”، الذي انحاز بشكل واضح إلى موقف كييف، معلناً “وقوفه- كمؤسسة أوكرانية- إلى صف بلاده، دفاعاً عن وحدتها وسيادتها وسلامة أراضيها.
ولا يُعد موقف جماعة الإخوان المسلمين وفروعها الأوروبية، أمراً مستغرباً بالنظر إلى الأدوار السابقة التي لعبتها الحركة في مناطق الصراعات والبؤر الملتهبة، سواء في أوروبا (كحالة البوسنة والهرسك)، أو في آسيا (أفغانستان)، حتى في إطار الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق كجمهورية الشيشان، التي دعم فيها الإخوان الجماعة الانفصالية، منذ تسعينيات القرن الماضي.
لكن المثير للاهتمام -تشير الدراسة- أنها المرة الأولى، تقريباً، التي تنخرط فيها الجماعة أو فروعها الخارجية في دعم دولة غير مسلمة في حربها مع دولة أخرى.
ضد روسيا أبدا
وذلك بناءً على تفاهمات عقدتها مع الولايات المتحدة ودول إقليمية أخرى، وهي التفاهمات التي ظلت سرية لفترة من الوقت، إلى أن كشفتها العديد من الشهادات والاعترافات التي سجلها قادة الإخوان وغيرهم.
وفي هذا الإطار، أوفدت الجماعة عام 1979، مجموعة من قادتها البارزين على رأسهم كمال السنانيري، القيادي البارز بالجماعة، صهر منظّرها سيد قطب، وأسامة بن لادن، الذي كان عضواً في الجماعة، حتى فصله منها، إلى ثمانينيات القرن العشرين، وعبد الله عزام الفلسطيني، إلى باكستان لتولي ما عُرف بملف الدعم والإغاثة الإنسانية وإدارته، وفقا لدراسة مركز تريندز.
وتسرد الدراسة نماذج كثيرة من انحياز الإخوان للخيارات الأمريكية، ودعم أي تمرد على روسيا، في جمهوريات الاتحاد السوفيتي.
"إخوان أوكرانيا"
ثم تعود الدراسة البحثية، إلى موقع "إخوان أوكرانيا"، وتشير إلى أن “منظمة الرائد” عمدت إلى توظيف الصراع الأوكراني- الروسي، الذي نشب منذ أزمة شبه جزيرة القرم في عام 2014، لتحقيق مصالحها الخاصة وإظهار نفسها كمنظمة أوكرانية وطنية لا ترتبط بأي جماعة ذات امتداد دولي.
ومع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في فبراير/ شباط الماضي، كثفت “منظمة الرائد” من أنشطتها الميدانية والدعائية، مركزةً على أعمال الإغاثة وتقديم الدعم للاجئين الأوكرانيين، والمواطنين الأجانب الذين فروا من مناطق القتال في شرق أوكرانيا.
بالإضافة إلى المشاركة في دعم قوات الجيش الأوكراني بالعتاد غير القتالي كالخوذات والدروع وغيرها، معلنةً وقوفها الكامل في صف كييف في مواجهة روسيا.
ونقلت “منظمة الرائد” مقر عملها الرئيسي، في الأسابيع الأولى للغزو الروسي، من العاصمة كييف إلى مركز محمد بن أسد في لفيف (غرب أوكرانيا)، حيث جرى تنسيق أعمال المنظمة وتسيير قوافل نقل اللاجئين إلى رومانيا والمشاركة في عمليات الإغاثة، قبيل عودة العمل للمقر الرئيسي في كييف، منتصف إبريل/ نيسان.
وفي السياق نفسه، انحازت فروع الإخوان الأوروبية إلى الجانب الأوكراني ضد روسيا، فوصف مجلس مسلمي أوروبا (اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا سابقاً)، العملية العسكرية الروسية بأنها “مأساة إنسانية واعتداء على دولة ذات سيادة سيكون له عواقب كارثية على مستقبل العلاقات الإقليمية وبين الشعوب من ناحية أخرى.
كما دان عدد من الجمعيات والمراكز الإسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان في دول: ألمانيا، وبريطانيا، ورومانيا وهولندا وإيطاليا وغيرها الغزو الروسي، ودعا إلى المشاركة في حملة الإغاثة وتقديم الدعم للاجئين والمهاجرين من أوكرانيا.
وأعلن اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا (الفرع الإيطالي لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا)، فتح أبواب مراكزه جميعها أمام اللاجئين الأوكرانيين، وعمل أعضائه في أنحاء إيطاليا على تنظيم مبادرات محلية لجمع الأغذية والأدوية للتبرع بها لأوكرانيا، بالتعاون مع المنظمات الكاثوليكية.
وشاركت الرابطة الإسلامية في رومانيا في عمليات إجلاء اللاجئين الأوكرانيين والمواطنين الأجانب الذين غادروا أوكرانيا وإيوائهم، وقدّم المركز الثقافي الإسلامي في بوخارست (عاصمة رومانيا) معونات لـ” منظمة الرائد” الأوكرانية، شملت مستلزمات إعاشة للاجئين، ونقلت تلك المعونات للمركز الثقافي الإسلامي التابع للمنظمة في مدينة تشيرنفتسي، على الحدود الأوكرانية – الرومانية.
بينما طالب طه عامر، رئيس هيئة العلماء والدعاء في ألمانيا، المرتبطة بالإخوان، المؤسسات الإسلامية/ الإخوانية في الدول التي تستقبل اللاجئين لإظهار بسالة في دعم الأوكرانيين.
اتفاق ظاهري
ولعل التعليقات التي أبداها المجلس الأوروبي للأئمة، وثيق الصلة بمجلس مسلمي أوروبا، على بيان إدانة العملية الروسية بأوكرانيا والمنشور على صفحة الأخير عبر موقع “فيسبوك” للتواصل الاجتماعي، والتي طالب فيها المجلس الأوروبي للأئمة من مجلس مسلمي أوروبا أن يكون حيادياً ولا ينحاز لمواقف الدول الأخرى من الصراع في أوكرانيا، لكيلا تتأثر الجاليات المسلمة في روسيا بهذا الموقف، دليل على تباين مواقف المؤسسات المرتبطة بالإخوان من الصراع الحالي.
ومن الواضح أن فروع جماعة الإخوان في أوروبا، حرصت على تأكيد تماهيها مع موقف الدول الأوروبية التي تنشط فيها، عبر رفض العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وإدانتها، والانخراط في الأعمال غير القتالية كعمليات الدعم اللوجيستي والإغاثة الإنسانية، وذلك لإظهار نفسها كحليف موثوق به للدول الغربية.
وهي بذلك تستغل فرصة متاحة لها كسب أرضية جديدة، وتخفيف حملة الضغط والتدقيق الذي تقوم بها أجهزة الأمن والاستخبارات ضد الإخوان في عدد من الدول الأوروبية.
وعلى المنوال نفسه، التزمت الجماعة الأم في مصر (إخوان مصر)، الصمت طوال شهر، منذ بدء العملية العسكرية الروسية، إلى أن أصدرت جبهة إبراهيم منير (جبهة لندن)، بياناً عنونته بـ “نداء إلى عقلاء العالم بإيقاف الحرب الروسية – الأوكرانية”.
ودعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمقرب من جماعة الإخوان، لبدء حوار بين روسيا وأوكرانيا قائم على روابط الجيرة ومصالح الطرفين، مطالبا الجمعيات والمؤسسات إلى توصيل المساعدات الإنسانية والغذائية والصحية إلى اللاجئين.
وحث الاتحاد (مقره في قطر) الدول التي لها علاقات مع الطرفين المتحاربين كتركيا وباكستان إلى القيام بجهود الوساطة من أجل إنهاء الحرب.
وربما، كان الموقف الذي اتخذته جماعة الإخوان وفروعها الأوروبية، أحد الأسباب التي دفعت المنصات الروسية الدعائية، المملوكة والمقربة من الحكومة الاتحادية في موسكو، إلى مهاجمة الجماعة، ملمحة إلى أنها تحالفت مع “كييف” ودعمت الكتائب الشيشانية التي تقاتل ضد روسيا مثل ” كتيبة الشيخ منصور”، و”كتيبة جوهر دودايف”.
فضلاً عن اتهامها أوكرانيا بتوظيف التكتيكات الدعائية المضللة نفسها للإخوان المسلمين في حربها مع روسيا.
ومن الملاحظ أيضاً، أن فرع الإخوان في روسيا / اتحاد المنظمات الإسلامية فرع روسيا، الذي تأسس في عام 2006، اختفى من المشهد بصورة تامة، قبيل بدء العملية العسكرية الروسية,
بينما جرى إيقاف النشر على النسخة الروسية للموقع منذ أشهر عدة، وتفسر الدراسة الخطوة بأنها بسبب ضغط من أجهزة الأمن الفيدرالية الروسية، نتيجة موقف جماعة الإخوان وفروعها الأوروبية، المتماهي مع الدول الغربية والمناهض لروسيا، فيما يتعلق بالصراع داخل أوكرانيا، لكن لا يمكن الجزم بذلك في الوقت الحالي.
أهداف الإخوان
نظرة تحليلية إلى طبيعة النشاط والانخراط الإخواني في الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا، تبين أن الجماعة تسعى إلى الاستثمار في الأزمة الحالية لإحراز أكبر مكاسب ممكنة في الوقت الحالي، وكذلك في المستقبل.
ومع أن المكاسب المرجوة يتوقع أن تصب في مصلحة التنظيم/ الفرع المحلي للإخوان “منظمة الرائد”، بالمقام الأول، فإنه يُرجح أن تنعكس المكاسب والإنجازات التي يحققها هذا الفرع على وضع الشبكة الإقليمية للحركة (إخوان أوروبا)، وكذلك على التنظيم الدولي لها.
1- تعزيز الوجود الإخواني في شرق أوروبا
تسعى جمعيات الإخوان وفروعه في أوروبا بشكل عام وفي شرق أوروبا بشكل خاص، لتعزيز حضورها في داخل القارة العجوز، وكسب أرضية جديدة للعمل مستفيدةً من الظروف التي خلقها الغزو الروسي لأوكرانيا، وتركيز العديد من تلك الدول وخاصة في شرق القارة على التصدي لما تصفه بالتهديد الروسي المحتمل، كما يحاول الفرع الأوكراني لجماعة الإخوان “منظمة الرائد” تعزيز حضوره في داخل البلاد في الوقت الحالي، مستفيداً من تركيز الأجهزة الأمنية والاستخبارية جهودها على مواجهة التدخل الروسي في البلاد.
وتهدف جماعة الإخوان إلى كسر القيود والحصار الأمني الذي فرض عليها في العديد من الدول الأوروبية، على مدار السنوات القليلة الماضية، وترويج أنها منسجمة مع القيم والمصالح الأوروبية للإفلات من حملات التدقيق الرسمية في أنشطتها، وكذلك إحراز نصر معنوي بكسر الجمود أو الفجوة النفسية التي وجدت بين بعض فروع الجماعة في أوروبا والمجتمعات المحلية، كي تعود من جديد إلى حالة الفاعلية والتغلغل والانتشار في داخل المجتمعات المسلمة في الغرب.
كما تحاول الجماعة توسيع شبكتها التنظيمية عبر التعاون مع جمعيات خيرية ومراكز إسلامية أجنبية تحت ستار العمل الإغاثي والإنساني، وفي هذا الإطار تعاونت “منظمة الرائد” بالفعل مع عدة منظمات إسلامية.
وبالإضافة إلى ما سبق، تعيد الجماعة تقديم قادتها ورموزها إلى المجتمعات الإسلامية المحلية في أوروبا، وترويج هؤلاء الرموز على أنهم قادة دينيون يُقتدى بهم، كما حصل مع القيادي الإخواني المصري جمال عبد الستار الذي استضافته “منظمة الرائد” لإعطاء محاضرة عبر تطبيق زوم، في الـ 23 من إبريل/ نيسان.
وبهذا تضمن الجماعة استمرار تأثيرها في هذه المجتمعات المسلمة، وترويج رموزها في الغرب.
وربما تهدف هذه الجهود إلى تهيئة مناخ مناسب لانتقال دعاة وقادة من جماعة الإخوان إلى شرق أوروبا، وأوكرانيا بشكل خاص، بعد أن تضع الحرب الدائرة أوزارها، وهو أمر غير مستبعد، على الإطلاق، بالنظر إلى أن العديد من قيادات الجماعة وشبابها قد انتقلوا بالفعل إلى أوكرانيا.
ومن هؤلاء القيادي الإخواني معتز عبد المولى، إمام جمعية الفجر التابعة لـ” منظمة الرائد” في مدينة بولتافا الأوكرانية، والموضوع على قائمة المطلوبين لدى الشرطة الدولية.
2- جمع التبرعات والمساعدات
استغلت “منظمة الرائد”، الفرع الأوكراني لجماعة الإخوان، الصراع الدائر في البلاد حالياً، في جمع التبرعات بحجة استخدامها في تنفيذ الأعمال الإغاثية.
وتدفقت التبرعات والمساعدات من دول أوروبية عدة منها هولندا، ورومانيا إلى “منظمة الرائد” التي تتولى توزيع هذه المساعدات، بناءً على رؤيتها الخاصة، في مدن أوكرانية عدة.
ويُحتمل أن يتم تخصيص جزء من حصيلة الأموال التي جمعت لصالح أعمال الإغاثة لدعم أنشطة الجماعة سواء في أوروبا أو خارجها، لا سيما أن الخبرة السابقة في التعامل معها تشير إلى أن الجماعة وظفت الأموال التي جمعتها في عمليات الإغاثة في العديد من الأنشطة التنظيمية.
3-تجنيد أعضاء جدد واستقطابهم
تركز جماعة الإخوان وفرعها الأوكراني، في الوقت الحالي، على استقطاب أعضاء جدد وتجنيدهم، وتكوين (تربية وتأهيل) أعضائها الحاليين، وتولي “منظمة الرائد” اهتماماً خاصاً بتجنيد النساء والأطفال، مستعينة بالوسائل الإخوانية التقليدية التي تشمل استقطابهم من خلال إشراكهم في أنشطة الجماعة، وتلقينهم أيديولوجيا الجماعة بشكل مباشر عن طريق الدروس واللقاءات الدورية.
وتلاحظ الدراسة في الختام أن جماعة الإخوان المسلمين وفروعها الأوروبية، لا سيما الفرع الأوكراني (منظمة الرائد)، استفادت من الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا، إذ وظفت الجماعة حالة السيولة التي عاشتها أوكرانيا والحشد الأوروبي لدعم نظام كييف، لكي تنتشر وتزيد من حضورها داخل شرق أوروبا.
وركزت فروع الإخوان الأوروبية على المشاركة في جمع التبرعات والمشاركة في عمليات الإغاثة الإنسانية، دون المشاركة في العمليات القتالية، واضطلع الفرع الأوكراني “منظمة الرائد” بالدور الأكبر في هذا الصدد، بيد أنه تلقى دعماً مؤزراً من جمعيات ومراكز الإخوان في دول أوروبا المختلفة، وهو ما يشير إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين تلك الجمعيات وبعضها، خاصةً أنها تعمل تحت مظلة موحدة من نسج التنظيم الدولي للإخوان.
وقد خدم الصراع في أوكرانيا، بصورة غير مباشرة، مصالح الفرع المحلي للإخوان “منظمة الرائد” وأسهم في توسيع نشاطها وإكسابها زخماً واهتماماً كبيرين خاصةً لإسهامها في الدور الإغاثي والإنساني والطبي، وهو الأمر الذي يُتوقع أن ينعكس على مستقبل الوجود الإخواني في البلاد ومنطقة شرق أوكرانيا بعد انتهاء الحرب الحالية، لاسيما أن المنظمة أصبحت تحظى بدعم وإشادة من قِبل السلطات الرسمية في كييف وفي مقدمتها رئيس الوزراء الأوكراني.
ويبدو أن الجماعة تواصل العمل لترسيخ وجودها في شرق أوروبا، خصوصاً في أوكرانيا، وتحويلها إلى أحد الملاذات الآمنة المحتملة، بعد انتهاء الصراع الروسي – الأوكراني.
هذا مع ملاحظة أنه لا يمكن الجزم بما إذا كان التعامل الأوكراني الرسمي المتراخي مع جماعة الإخوان وفرعها المحلي سيظل على وتيرته الحالية، في ظل حالة عدم الضبابية وعدم اليقين التي تسود الأوضاع في البلاد حالياً.