سيناريو الحرب بدون واشنطن.. أوكرانيا في اختبار «الصمود»

تجبر هجمات دونالد ترامب على أوكرانيا، الدول الأوروبية، على التفكير في السيناريو الصعب: توقف واشنطن عن تسليح كييف وكشف خطوط دفاعها.
لكن كلاً من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والمحللين العسكريين، يعتقدون أنه في حين أن فقدان الدعم الأمريكي سيكون ضربة كبيرة وسيؤثر على تسليم الأسلحة الرئيسية، إلا أن كييف المدعومة من حلفائها الأوروبيين ستكون قادرة على مواصلة القتال لعدة أشهر.
وتتسابق الحكومات لإظهار الدعم الدبلوماسي والعسكري لأوكرانيا بعد انتقادات ترامب، حيث كان أكثر من 12 زعيمًا في كييف، أمس الإثنين، وانضم إليهم العديد من الزعماء الآخرين افتراضيًا.
جاء ذلك فيما يعمل الاتحاد الأوروبي على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 20 مليار يورو على الأقل.
6 أشهر
في هذا السياق، قال وزير الخارجية الأوكراني السابق، دميترو كوليبا، لصحيفة ”بوليتيكو“، إن أقوى وسيلة ضغط يملكها ترامب على بلاده هي التهديد بعدم تسليم الأسلحة، قبل أن يضيف "لدينا، من وجهة نظري، ستة أشهر قبل أن نبدأ بالفعل في الشعور بنقص الأسلحة على خط المواجهة“.
ورغم هذا الحديث المطمئن، إلا أن هناك سبب للقلق من النوايا الأمريكية، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في الصحيفة.
ففي الشهر الذي انقضى منذ أن أدى ترامب اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة، قفز إلى محادثات السلام مع روسيا (دون استشارة الحلفاء)، وزعم أن أوكرانيا هي التي بدأت الحرب، ووصف زيلينسكي بـ"الديكتاتور" الذي خدع الولايات المتحدة، ويهدم عقوداً من السياسة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية الأمريكية تجاه حلفائها.
ولقد لاحظت أوروبا ذلك، إذ أعلن فريدريك ميرتس، مستشار ألمانيا المقبل، أنه يريد أن تحصل أوروبا على ”استقلالية“ كاملة عن الولايات المتحدة في مجال الدفاع.
ولا شك أن المساعدات الأمريكية مهمة للغاية. وبالعودة إلى الوراء، حين رفض الكونغرس الموافقة على تقديم المزيد من المساعدات لكييف قبل أكثر من عام، عانى الجيش الأوكراني من نقص في ذخيرة المدفعية والدفاع الجوي مما سمح لروسيا بتعزيز تفوقها على طول الخطوط الأمامية.
وعندما فقدت أوكرانيا السيطرة على مدينة أفدييفكا الاستراتيجية في فبراير/شباط من العام الماضي، ألقى زيلينسكي باللوم في هذه الانتكاسة على ”العجز“ في القذائف.
المال والبنادق والذخيرة
لذلك، لولا المساعدة الخارجية لسقطت أوكرانيا في يد روسيا منذ فترة طويلة.
وتخطط أوكرانيا لإنفاق 2.2 تريليون هريفنيا (50 مليار يورو)، أو حوالي 26% من ناتجها المحلي الإجمالي، على الدفاع والأمن العام المقبل.
ووفقًا لبيانات معهد كيل الاقتصادي في ألمانيا، أنفقت الولايات المتحدة 64 مليار يورو على الدعم العسكري لأوكرانيا بين فبراير/شباط 2022 ونهاية عام 2024، بينما ساهمت أوروبا - بما في ذلك المملكة المتحدة والنرويج - بما يقرب من 62 مليار يورو.
وذهبت معظم هذه الأموال إلى إمداد أوكرانيا بالأسلحة والذخيرة من المخزونات الغربية والإنتاج الجديد، على الرغم من أن هناك اهتمامًا متزايدًا بتوقيع الدول على عقود مباشرة مع شركات الدفاع الأوكرانية.
وشملت المعدات صواريخ َATACMSَ وَHIMARSَ من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى صواريخ كروز SCALP/Storm Shadow من المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا.
ومنذ بدء الحرب، حصلت أوكرانيا على دبابات ومدفعية وطائرات مقاتلة من الحقبة السوفياتية من دول حلف وارسو السابقة، ومقاتلات إف-16 أمريكية الصنع، ودبابات أبرامز وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت، بالإضافة إلى مدافع الهاوتزر البولندية المتنقلة، وطائرات ميراج الفرنسية، ودبابات ليوبارد الألمانية، وأنظمة الدفاع الجوي الفرنسية الإيطالية SAMP/T وغيرها.
كما زودت أوروبا، أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية العام الماضي، في جهد تعرض للتأخير لأشهر.
والهدف هذا العام هو تزويد أوكرانيا بمليون ونصف قذيفة أخرى، فيما أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 3 ملايين قذيفة مدفعية عيار 155 ملم إلى أوكرانيا.
وبمرور الوقت، أصبحت أوكرانيا رائدة عالميًا في إنتاج الطائرات بدون طيار، بدءًا من الطائرات بدون طيار الرخيصة ذات الرؤية الأولى التي تستخدم بأعداد هائلة على طول الخطوط الأمامية لمطاردة الجنود الروس والمدرعات والمركبات الروسية، إلى الأسلحة الأثقل والأطول مدى التي تضرب المصافي ومراكز القيادة والبنية التحتية الرئيسية في عمق روسيا.
حرب بدون واشنطن
ووفق "يوليتيكو"، فإن انسحاب الولايات المتحدة لن يكلف أوكرانيا حوالي نصف أسلحتها فحسب، بل سيحرمها أيضًا من العديد من أسلحتها ”الأكثر فعالية“، وفقًا لما ذكره بن باري، الزميل الأقدم لشؤون الحرب البرية في معهد "IISS".
ويمكن تبديل بعض الأنظمة الأمريكية مثل دبابات أبرامز بدبابات أوروبية، مثل دبابات ليوباردز. وفي الوقت نفسه، فإن طائرات ”إف-16“ كلها مقدمة من دول أوروبية وليس من الولايات المتحدة،
في حين هناك منافسون لنظام الدفاع الجوي باتريوت مثل ”سامب-تي“ و”إيريس-تي“ الألمانيتين و”ناسامس“ النرويجية.
لكن وزير الخارجية الليتواني، كيستوتيس بودريس قال لـ”بوليتيكو“، إن هناك ”أسلحة معينة، ومعدات معينة لا يمكن لأوروبا أن تحل محل الولايات المتحدة في تزويد أوكرانيا بها“، مشيرًا إلى أنظمة الدفاع الجوي وبعض الذخائر بعيدة المدى.
موضحا: ”سيستغرق الأمر منا بعض الوقت ونحن نعمل على ذلك... إنه تحدٍ لأنه لا توجد بدائل مباشرة، أو طرق مختصرة سريعة، ولكن يمكننا التدخل بالمال لمساعدة أوكرانيا على إنتاج المزيد بنفسها“.
في حين أن أوروبا زادت من إنفاقها الدفاعي في السنوات الأخيرة، وبذلت جهودًا لزيادة المشتريات والإنتاج المحلي من الذخيرة، فإن فقدان دعم الولايات المتحدة سيخلق فجوة.
وقالت النائبة الأوكرانية إيفانا كليمبوش: ”أمام الأوروبيين ستة أشهر كحد أقصى للتقدم لملء الفراغ“، مضيفةً أن الأوروبيين ”لا يملكون ما يملكه الأمريكيون“.
تصنيع محلي
في المقابل، ذكر زيلينسكي، الأسبوع الماضي، أن إنتاج أوكرانيا المحلي من الأسلحة يشهد نموًا قويًا، وهو الآن يصنع 30%، مما تحتاجه أوكرانيا، إلى حد كبير الطائرات بدون طيار وأنظمة الحرب الإلكترونية والمدفعية.
لكنه أقرّ بأن ذلك لا يزال غير كافٍ. وفي حين أن المزيد من الدول الأوروبية تتعاون مع كييف أكثر من أي وقت مضى لزيادة قدرتها المحلية، فإن العملية ستستغرق سنوات.
ورغم ذلك، وحتى لو تخلت واشنطن عن كييف، ستواصل أوكرانيا القتال، كما قال نيك رينولدز، زميل أبحاث الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن.
وأضاف: ”تواصل أوكرانيا السيطرة على خط المواجهة بوحداتها الخاصة، بالمعدات التي لديها، [وبينما] لا تزال تعتمد في نواحٍ كثيرة على الدعم الغربي للذخائر، فإنها تنتج أيضًا نسبة كبيرة بنفسها“.
ويصر زيلينسكي أيضًا على أن قواته ستصمد في مواقعها، بغض النظر عما يفعله ترامب.
وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من الوجه الشجاع، فإن أوكرانيا في حاجة ماسة إلى بقاء الولايات المتحدة.
إذ قال الرئيس الأوكراني في نداء مباشر لترامب خلال التجمع المباشر والافتراضي للقادة يوم الإثنين في كييف: ”بالنسبة لشعبنا، بالنسبة للحياة بشكل عام، من المهم جدًا أن يبقى الدعم الأمريكي، والمساعدة الأمريكية“.
aXA6IDMuMTM4LjExNi4xMzQg جزيرة ام اند امز