هكذا يرى بوتين الحرب.. وتلك خططه
قد لا تعكس كلمات الرؤساء ما يجول بعقولهم، بقدر ما تكشفه تصريحات الهامسين في آذانهم والمقربين منهم.
وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث منذ بداية العملية العسكرية لبلاده في أوكرانيا عن مواجهة حاسمة مع الغرب، إلا أن كلمات المقربين منه ربما تكشف بشكل أعمق ما يجول في عقل الرئيس.
بوتين يرى أن تحركه في أوكرانيا، على خلفية توسع الناتو، قضية وجودية لبلاده أمام قوة "غاشمة ومتغطرسة"، لكن الكلمات التي تصدر عن مقربين منه ربما تشير إلى الصورة التي يرسمها "القيصر" لمجريات المعارك في البلد السوفياتي السابق.
أحد أقرب رجال بوتين، نيكولاي باتروشيف، الأمين العام لمجلس الأمن الروسي، يقول صراحة إن بلاده تقاتل حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا وإن الغرب يحاول محو روسيا من الخريطة السياسية للعالم.
باتروشيف أحد أكثر المؤثرين في بوتين تشددا، بحسب دبلوماسيين، يرى أيضا أن "الأحداث في أوكرانيا ليست اشتباكا بين موسكو وكييف، هذه مواجهة عسكرية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي و(بين روسيا) والولايات المتحدة وبريطانيا بالأساس".
وأوضح باتروشيف في مقابلة مع صحيفة "أرجومينتي إي فاكتي" الروسية أن "خطط الغربيين هي مواصلة تمزيق روسيا ومحوها في نهاية المطاف من الخريطة السياسية للعالم".
هذه الرؤية التي يحملها المقربون من بوتين تدفع موسكو للاستعداد عبر إعادة إحياء سباق تسلح يمكن ملاحظة تداعياته في خطط كل من ألمانيا واليابان، البلدين اللذين وضعت خسارتهما للحرب العالمية الثانية نهاية لطموحاتهم العسكرية.
خطط روسيا
واليوم الثلاثاء، تعهد وزير الدفاع الروسي ببناء ترسانة أسلحة أشد قوة وتعزيز تكنولوجيا الطيران لتحسين قدرات تفادي الدفاعات الجوية وتطوير إنتاج الطائرات المسيرة بعد سلسلة من الخسائر في ساحة المعركة في أوكرانيا.
وكشفت الحرب على جانبي خطوط التماس حجم الثغرات في أنظمة الأسلحة التقليدية، وقدرة الدول على ضخ الذخائر للجبهات، لكن عمليات الجيش الأوكراني الأصغر حجما، المدعوم من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وتفوقه في عدد من الجولات في الخطط والمناورات على الجيش الذي كان في السابق قوة جبارة لقوة عظمى سابقة، يثير علامات استفهام عن مصير المعارك والمدة التي قد تستغرقها الحرب.
وتحول الصراع إلى حرب استنزاف طاحنة تسببت في مقتل وإصابة عشرات آلاف الجنود من الطرفين بالإضافة إلى مدنيين في أوكرانيا، ولا يوجد بصيص من أمل في نهاية للحرب، إذ يعيد الطرفان التسلح بأسرع ما بوسعهما.
وقال سيرجي شويجو وزير الدفاع الروسي متحدثا لكبار الجنرالات "نحتاج إلى القيام بشكل متواصل بالتحليل ووضع النظم لتجارب مجموعاتنا في أوكرانيا وسوريا، وعلى ذلك الأساس سنعد برامج تدريبية للأفراد وخططا للإمداد بالعتاد العسكري".
وأوضح أن بلاده سوف "تزيد من القدرات القتالية للقوات الجوية، سواء فيما يتعلق بعمل المقاتلات والقاذفات في المناطق التي توجد بها منظومات دفاع جوي حديثة، أو فيما يتعلق بالمسيرات".
وأردف "تتركز خططنا الفورية على توسيع ترساناتنا من الأسلحة الهجومية الحديثة. نحتاج إلى تعزيز منظومة الإدارة والاتصالات".
ضغط على الموازنة
لكن الخطط الروسية تصطدم بواقع اقتصادي مأزوم، انتقلت بموجبه البلاد من فائض في الميزانية إلى عجز العام الماضي، وفق ما أعلن مسؤولون الثلاثاء، فيما تعزّز السلطات الإنفاق الدفاعي في خضم العملية العسكرية في أوكرانيا.
وقال وزير المال أنتون سيلوانوف في اجتماع حكومي، إن العجز بلغ 3,3 تريليونات روبل (47 مليار دولار) أو 2,3 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح سيلوانوف أنه مقارنة بالعام 2021، ازداد الإنفاق الحكومي بأكثر من 6 تريليونات روبل، مشيرا إلى أن النفقات "كانت تهدف أساسا إلى مساعدة السكان".
وكانت موسكو قد خصصت دعما لعائلات الجنود في الساحة الأوكرانية، وكذلك الشركات التي تضررت جراء التعبئة العسكرية الجزئية التي أُعلنت في سبتمبر/ أيلول.
ومن المتوقع أن يصل العجز للعام 2023 إلى 2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقدّر محلّلون أن روسيا تخطط لإنفاق نحو ثلث ميزانيتها الإجمالية على الدفاع والأمن هذا العام.
أزمة الجيوش الحديثة
وكان تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قد كشف في وقت سابق ما يمكن وصفه بـ"عورة الجيوش الحديثة".
ويشكو مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية، من أن الجيش الأوكراني استخدم خلال يومين من القصف قذائف من عيار 155 ملم، يتطلب إنتاجها شهرا كاملا.
وبحسب وزيرة الجيش الأمريكي كريستين ورموت: "في الوقت الذي يجري فيه التخطيط لزيادة الإنتاج، لا تستطيع الصناعات الدفاعية الأمريكية في الوقت الحالي سوى إنتاج نحو 14000 قذيفة هاوتزر عيار 155 ملم شهريا، وهو ما استخدمته القوات الأوكرانية خلال يومين في جبهات القتال المحتدمة".
وأمام هذه الأزمة بدأت نقاشات موسعة في اجتماعات الناتو رفيعة المستوى، لتشجيع الأوروبيين على فتح مخزوناتهم بشكل كامل وبناء قدراتهم الصناعية الخاصة لتحمل المزيد من العبء عن كاهل الولايات المتحدة.
لكن هذا السلوك الأوروبي ربما يدفع روسيا أكثر فأكثر إلى إطلاق سباق تسلح جديد ويصب الزيت على نار وضع مشتعل أصلا يعاني من آثاره الاقتصادية العالم أجمع.