هل بدأت روسيا "عزل أوكرانيا"؟.. سر سلاح الملل
فرضت التطورات السياسية الأخيرة أسئلة عن مصير أوكرانيا وما تريده روسيا مع الوضع في الاعتبار تصريحات تحذيرية سابقة لبوريس جونسون.
ولا تحمل هذه الأسئلة إشارة إلى رغبة روسية في عزل أوكرانيا عن العالم أو قطع صلاتها مع الغرب الداعم لها؛ بل جعل العالم "يتململ" من هذه الحرب ويقتنع أنها صراع طويل الأمد وربما يتم نسيان القضية.
"رؤية تململ العالم من الحرب الروسية الأوكرانية يقف وراء التحذير منها رئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون الذي طالما كان أحد أبرز الداعمين لكييف.
موسكو عادت للعمل
شواهد كثيرة وتطورات سياسية عديدة تشير إلى أن حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "عادت للعمل" كالمعتاد، لتباشر ملفات أخرى وقضايا ذات اهتمام وطني أخرى غير الحرب الجارية في أوكرانيا.
وربما تصدر موسكو هذه الصورة باعتبارها رسالة للغرب مفادها أنها "لا تتأذى من العقوبات بل إن الغرب نفسه يتأذى" أو "أنها مستعدة لصراع طويل الأمد في مقابل الغرب وأوكرانيا نفسها التي ترغب في إنهائه قبل فصل الشتاء".
والرغبة الأوكرانية في إنهاء الحرب قبل فصل الشتاء هي مطلب قدمه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لزعماء دول مجموعة السبع خلال قمتهم الأخيرة في ألمانيا.
وقد بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "غير متعجل" في إنهاء الحرب، خاصة في جولته الخارجية الأولى منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا؛ حيث قال بوتين في تركمنستان، آواخر يونيو/حزيران الماضي، أنه ليس في عجلة من أمره لإنهاء الحرب.
بوتين أضاف حينها عن القتال: "العمل يسير بسلاسة وإيقاع، ليست هناك حاجة للحديث عن التوقيت"، مؤكدا أنه لن يتراجع".
ولم يذكر بوتين أوكرانيا أو مواجهته مع الغرب في خطابه الذي دام 8 دقائق في تركمانستان وهي علامة أخرى على كيفية توقع عودته إلى العمل كالمعتاد، وبدلاً من ذلك، تحدث عن الجهود الروسية لتحسين النقل والسياحة في المنطقة ومعالجة التلوث ومصايد الأسماك المستنفدة.
ثم سافر الرئيس الروسي مؤخرا إلى العاصمة الإيرانية طهران لحضور قمة ثلاثية مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيس والتركي رجب طيب أردوغان لبحث التطورات في الملف السوري.
وشملت الزيارة أيضا مباحثات بين بوتين وأردوغان محاولات لحلحلة الأزمة الخاصة بتصدير الحبوب، وتوج ذلك باتفاق قبل أيام يسمح باستئناف تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية ووضع ضوابط لذلك.
وكان نقص توريد الحبوب هو أول الأضرار المباشرة التي تعاني منها دول العالم بسبب الحرب في أوكرانيا، ما يعني أن حل هذه القضية من شأنه أن يقصر الصراع على أطرافه الأساسية.
وفي يونيو/حزيران الماضي، وصف الرئيس الأوكراني قارة أفريقيا بأنها "رهينة لحرب روسيا على بلاده".
وقال في خطاب أمام الاتحاد الأفريقي، إن الحرب منعت صادرات الحبوب الأوكرانية، ونقص الأسمدة المصدرة إلى القارة السمراء والعالم، مما عرّض ملايين الأشخاص لخطر الجوع.
رسائل لافروف
لكن بعد توقيع الاتفاق، جاءت جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى القارة الأفريقية والتي بدأها بمصر وشملت أوغندا وجمهورية الكونغو وإثيوبيا
فوزير الخارجية الذي زار مصر وتحدث في جامعة الدول العربية واختتم جولته بزيارة إثيوبيا وتحدث إلى الاتحاد الأفريقي، قدم في رسالته الأولى الشكر لتلك الدول على دعمها موقف بلاده وتفهمها لحقيقة ما يحدث في أوكرانيا.
وفى رسالته الثانية، طمأن هذه الدول بخصوص أزمة نقص الحبوب، وبرأ بلاده من مسألة عرقلة تصديرها واتهم الجانب الأوكراني بتعمد إحراق المحاصيل وتلغيم الموانئ لكى يجبر العالم النامي على الوقوف في صفه ودعمه ومعاداة روسيا.
وإذا ما تم حل أزمة تصدير الحبوب، فسيقل الضرر المباشر الواقع على الدول النامية والفقيرة، وسيسير ذلك العالم ويتابع شئونه.
انشغال الحلفاء
ولا تزال أوكرانيا معزولة بحلفائها عن العالم وما يحدث فيه، بل إن حتى الحلفاء بدأوا ينشغلون بشئونهم الوطنية الخاصة بما يهدد استمرار دعمهم لكييف في مواجهة روسيا.
أما بريطانيا وهي من أكبر الداعمين لكييف، فقيادتها منشغلة بالكامل حاليا في انتخابات زعامة حزب المحافظين، ولا توجد "حرب أوكرانيا ودعم كييف" على أولوية أجندة المرشحين، بل مسائل مثل السياسات الضريبية والتضخم والإقتصاد والبريكست هي في مقدمة الأولويات السياسية.
أما دعم أوكرانيا فيكاد يقتصر على اليمين في بريطانيا دون التيارات الأخرى ولو من ناحية الدعم العلني.
بينما الولايات المتحدة، الداعم الأهم، فإنها منشغلة بأمور كثيرة تتعلق بالتضخم الاقتصادي وشبح الركود والانقسام السياسي وانتخابات التجديد النصفي وانتخابات الرئاسة التي بدأ الحديث عنها من الآن.
ولا تفرض الحرب الأوكرانية نفسها كقضية انتخابية ذات أولوية للناخبين؛ حيث أن الأمريكيين أنفسهم لا يولون اهتماما بالأمر مثلما تولي قيادتهم، بحسب استطلاع أظهر لـ"سي إن إن" أن 3% فقط من الأمريكيين يولون اهتماما بالشئون الخارجية.
مجلة نيوزيك أكدت في تقرير لها الأربعاء أن الرئيس الأوكراني سعى في مقابلة مع الإعلامي البريطاني بيرس مورجان أمس الأول إلى إقناع الأمريكيين الذين يريدون وقف دعم بلادهم للحرب بالقول "إننا نحارب من أجل القيم ذاتها".
وأوروبا الداعم المتردد لأوكرانيا، فقادتها يعيشون في ترقب لمقصلة الغاز، حيث أن نقصه قد يظهر أثارا جلية بحلول الشتاء القادم، ربما تطيح بالقيادات السياسية، مثلما أطاحت الأزمة المالية ببعض القيادات الأوروبية.
ومن الآن فإن سياسة العقوبات الغربية على موسكو قد أضرت بشكل كبير بالمجتمعات الأوروبية وفاقمت من أزمة التضخم، بما دفع عدد من القادة الأوروبيين للتخلي معنويا عن دعم أوكرانيا.
هذا ما كشفه الرئيس زيلينسكي نفسه في يونيو/حزيران الماضي خلال حديث مع فايننشال تايمز، حيث قال إن دولاً أوروبية بدأت مفاوضات مع روسيا "بحثاً عن مصالحها بعد أن سئمت من العقوبات، فيما تؤكد تقارير عدة أن الأوضاع العالمية بدأت تسوء تدريجياً بفعل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، التي عرّضت مليارات الأشخاص حول العالم للتضخم والجوع".؟
والخلاصة أن روسيا تدرك جيدا أن أوكرانيا يتم دعمها من قبل حفنة من الحلفاء الذين أضعفتهم اقتصاديا وسياسيا العقوبات على موسكو، وقد يتوقفوا في وقت ما عن تقديم ذلك الدعم بسبب اعتراض شعوبهم التي تعانى من وطأة التضخم.
حتى أن الدعم والمساعدة التي يقدمونها لا ترقى إلى طلبات كييف، وربما تعمل موسكو لكى يدرك الرئيس زيلينسكي جيدا أنه يوما ما قد يجد نفسه في مواجهة الجيش الروسي، معزولا حتى عن حلفائه.
aXA6IDMuMTM2LjIyLjIwNCA= جزيرة ام اند امز