"زابوريجيا" الأوكرانية.. ورقة ضغط أم لعب بالنار؟
هل يقف العالم فعلا على شفا كارثة نووية جديدة شبيهة بـ"تشيرنوبل"، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى ورقة ضغط ضمن مناوشات سياسية محتدمة؟
ضربات استهدفت محطة زابوريجيا النووية التي تعتبر الأكبر في أوروبا، وفجرت سيلا من الاتهامات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا، وموجة واسعة من التنديد والتحذير أيضا.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حذر من "الانتحار النووي" في زابوريجيا، وشدد على ضرورة "إخراج السلاح والعسكريين من المحطة".
بدوره، دق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ناقوس الخطر ورفع منسوب المخاوف إلى أقصاها بتحذيره من خطر حصول كارثة "تشيرنوبل أخرى" في أوكرانيا.
ومع أنه أكد "بذل جهود لإنهاء الحرب عبر السبل الدبلوماسية"، إلا أن ذلك لم يفلح في تهدئة المخاوف المتفجرة منذ بدء قصف المحطة النووية الأوكرانية، والخاضعة منذ مارس/ آذار الماضي، للسيطرة الروسية.
وأدت الضربات إلى إلحاق أضرار بوحدة ضخ و"تدمير جزئي لإدارة الإطفاء المسؤولة عن أمن محطة الطاقة النووية"، وفق بيان سابق للاستخبارات العسكرية الأوكرانية اتهم روسيا بـ"التحضير لاستفزازات تحت العلم الأوكراني".
من جانبها، اتهمت روسيا القوات الأوكرانية بالوقوف وراء الضربات وقال فلاديمير روغوف، العضو في الإدارة العسكرية والمدنية الموالية لموسكو، إن "محطة زابوريجيا النووية تتعرض مجددا للقصف من جانب مسلحي زيلينسكي".
مخاطر محدودة
رغم الاتهامات المتبادلة والتحذيرات المتواترة من هنا وهناك، إلا أن خبراء يقللون من المخاوف ويعتبرون أن الحديث عن كارثة نووية أمر قد يكون مبالغا فيه.
ففي تلك المحطة حيث يرابط 500 جندي روسي و50 قطعة من المعدات الثقيلة، لا يبدو أن مستوى الخطر بلغ الدرجة التي تعكسها تصريحات المسؤولين.
فبحساب علمي، تظل مخاطر القصف محدودة، لأنه من الصعب أن تصل القذائف إلى مفاعلات محمية بنحو 10 أمتار من الخرسانة، وإن يظل هذا الطرح قابلا للاستبعاد في حال تعرضت المفاعلات لوابل من القصف.
لكن الاحتمال الأخير يظل بدوره غير وارد، لأنه لا يمكن لأي من الجانبين سواء الأوكراني أو الروسي، المجازفة بخطوات ستكلفهما فاتورة باهظة على كافة الأصعدة.
وحتى في حال استهداف مواقع تخزين الوقود المستنفد، فإن تسرب أي مادة مشعة لن يمكنه الانتقال لمسافة تتجاوز العشرين كيلو مترا، وهذا عامل إضافي لخفض المخاوف.
مأساة محلية
بعض الخبراء يذهبون للقول إن التحذير الصحيح ينبغي أن يكون من كارثة شبيهة بفوكوشيما وليس تشيرنوبل، أي أن المأساة قد تكون محلية وليست عالمية.
وفوكوشيما هي كارثة تطورت بعد زلزال اليابان الكبير في 11 مارس/ آذار 2011 ضمن مفاعل فوكوشيما 1 النووي، حيث أدت مشاكل التبريد إلى ارتفاع في ضغط المفاعل، تبعتها مشكلة في التحكم بالتنفيس نتج عنها زيادة في النشاط الإشعاعي.
ويبني الخبراء طرحهم على ضعف أنظمة تبريد محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية، حيث تستخدم بركة رش للتبريد، ما يعني رش الماء في الهواء الخارجي لخفض درجة حرارته، وهذا ما يجعل هذه الأجزاء أهدافا محتملة للقصف.
وفي حال استهداف أنظمة التبريد وانهيار المفاعل فإن احتمالا مماثلا لن يجعل الأضرار تتجاوز قطرا بنحو 60 كيلو مترا، أي أنها ستكون كارثة للسكان المحليين فقط، ولن تشمل الأضرار أوروبا المرعوبة.
ورقة ضغط
في ظل المخاطر المحدودة، لماذا تحذر إذن كل الأطراف من الكارثة النووية القادمة؟
بالنسبة لأوكرانيا، قد يساعد الخوف من كارثة جديدة في زيادة الدعم العسكري الأوروبي والغربي عموما، علاوة على الحصول على تعاطف شعبي في الداخل وحول العالم، ما يعتبر أحد أعمدة الحرب الإعلامية الضرورية في الصراعات بين الدول.
كييف تعول أيضا على هذه الورقة لترفع منسوب الضغط الدولي على موسكو، لأن الإيهام بكارثة نووية في الأفق سيدفع بلا عناء نحو اصطفاف أكبر ضد روسيا وإلى تحركات ملموسة تنهي أمد الحرب بأقل الخسائر بالنسبة لها.
وباللعب على وتر المخاوف، واستعادة حقبة مظلمة من تاريخ البشرية، سيكون بحوزة أوكرانيا سلاح فعال يمكن أن تشهره كلما اختلت موازين القوى على الأرض.
وتعتبر زابوريجيا الأكبر من بين أربع محطات للطاقة النووية في أوكرانيا، توفر مجتمعة حوالي نصف الكهرباء المحلية.
وتضم المحطة النووية 6 مفاعلات صممها الاتحاد السوفيتي السابق، يتم تبريدها بالماء وتهدئة نيوتروناتها أيضا بالماء، وتعمل باليورانيوم 235.
بدأ العمل بتشييدها في 1980 وجرى توصيل مفاعلها السادس بالشبكة في عام 1995، وتعد الأكبر في أوروبا والتاسعة على مستوى العالم.
وبحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمتلك كل وحدة من وحدات زابوريجيا الست سعة صافية تبلغ 950 ميجا وات كهربائية، أو ما مجموعه 5.7 جيجا وات كهربائية.