«صندوق الدفاع».. «جزرة أوروبية» لتوريد أسلحة أمريكا إلى أوكرانيا
قد يؤدي فتح صندوق الدفاع الأوروبي، البالغ قيمته 150 مليار يورو، أمام الشركات الأمريكية إلى إتمام صفقة أسلحة لأوكرانيا.
وبحسب تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، شهدت طبيعة التحالف عبر الأطلسي تحولاً جذرياً.
يحدث ذلك بعد 4 أجيال من الثقة طويلة الأمد والتعاون المفتوح القائم على المصالح المشتركة مثل احتواء السوفيات خلال الحرب الباردة، وتوسيع النظام الليبرالي، وهزيمة تنظيمي القاعدة وداعش، ومواجهة روسيا والصين.
لكن الآن، تلاشت هذه الثقة، وحلت المبادلات المرنة محل الشراكة القائمة على المصالح المشتركة.
كما أصبح التركيز منصبا على المساومات والصفقات الخاصة، مثل اتفاقية إطار التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وشراء الأسلحة الأمريكية من قبل الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) نيابة عن أوكرانيا.
واقعية أوروبا
واعتبر التحليل أن شراء أوروبا للأسلحة الأمريكية الصنع لتقديمها لأوكرانيا أفضل من عدم تسليم أي أسلحة أمريكية على الإطلاق، وبالمثل، فإن المبادلات ليست بنفس فعالية الشراكة، لكنها لا تزال أفضل من الانفصال.
وفي تعبير عن واقعية أوروبا الرصينة، قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس: "سواء أحببنا ذلك أم لا، سنظل معتمدين على الولايات المتحدة الأمريكية لفترة من الزمن"، ويظهر هذا الاعتماد بوضوح في المجال الأمني، سواء تعلق الأمر بدفاع أوكرانيا أو القارة بأكملها.
ومن هنا، يتعين على القادة الأوروبيين مواجهة الواقع والسعي إلى صفقات ذات منفعة متبادلة إذا كان لديهم أي أمل في الحفاظ على التزام واشنطن.
ومن الفرص المتاحة لتحقيق ذلك صندوق "العمل الأمني من أجل أوروبا" الذي تبلغ قيمته 150 مليار يورو (176 مليار دولار)، وهو صندوق دفاعي جديد تابع للاتحاد الأوروبي، ولا يمكن للشركات الأمريكية وغيرها من الشركات غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الاستفادة منه حاليًا.
وقد يكون فتح هذا الصندوق أمام شركات الدفاع الأمريكية وسيلة ضغط أوروبية لدفع واشنطن إلى إبرام صفقة أسلحة بقيمة 90 مليار دولار كانت تتفاوض عليها مع أوكرانيا.
وتشمل الصفقة صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى وأنظمة دفاع جوي إضافية من طراز "باتريوت"، والتي لا يمكن إلا للولايات المتحدة توفيرها.
ويوفر الصندوق الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي في مايو/أيار الماضي 150 مليار يورو كقروض طويلة الأجل لشراء الأسلحة من الدول الأعضاء.
وحتى الآن، تلقت المفوضية الأوروبية طلبات بقيمة إجمالية بلغت 127 مليار يورو (148 مليار دولار) من 18 دولة عضوًا، بما في ذلك فرنسا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا.
ويقيد البرنامج حصول الشركات غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل شركات الدفاع الأمريكية، على حد أقصى قدره 35% من تكاليف كل مشروع يموله الصندوق.
ومع ذلك يتم إعفاء الدول التي أبرمت شراكة أمنية ودفاعية مع الاتحاد الأوروبي من هذا الحد، شريطة أن توقع أيضًا اتفاقية فنية إضافية تحدد شروط مشاركتها في البرنامج.
وبالفعل، وقعت 6 دول، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، هذه الاتفاقية، ومن المتوقع أن تُنهي بريطانيا وكندا المفاوضات خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مما يضعهما في وضع أفضل من الولايات المتحدة.
أمريكا تحت الضوء
كشف مسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي أن التكتل سيكون منفتحًا على انضمام الولايات المتحدة أيضًا، لكن واشنطن لم تظهر أي اهتمام حتى الآن، إلا أنه يتعين على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إتمام هذه الصفقة.
ويمكن للإدارة الأمريكية تحقيق ذلك بجهد ضئيل، فواشنطن ملتزمة بالفعل بأمن أوروبا من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويمكنها استكمال الإجراءات الورقية الإضافية بسرعة وسيؤدي ذلك إلى إطلاق عشرات المليارات من التمويل الإضافي للشركات الأمريكية، ويمكن ربط ذلك بالمفاوضات مع أوكرانيا بشأن حزمة أسلحة أمريكية واسعة النطاق تمولها كييف وشركاؤها الأوروبيون.
ولن يشير منح واشنطن حق الوصول إلى أموال الصندوق إلى رغبة أوروبا في تعميق التعاون الدفاعي عبر الأطلسي فحسب، بل سيلبي أيضًا أهداف واشنطن لبيع المزيد من المعدات الدفاعية للأوروبيين وخفض العجز التجاري الأمريكي.
أمن أوروبا
بالنسبة لأوروبا، يظل الاهتمام الأمريكي المستدام بأمنها أمرًا أساسيًا، على الأقل في المدى القريب، حيث تكثف القارة، إنتاجها الدفاعي الخاص وتحاول سد فجوات القدرات والتكنولوجيا المختلفة.
ومع استمرار نقص الاستثمار، أشار أحد التقييمات التي أجراها المعهد الدولي للاستراتيجية إلى أن صناعة الدفاع الأوروبية ستواجه صعوبة في أن تحل محل القدرات الأمريكية خلال العقد القادم على الأقل.
ولذلك، يُعد الحفاظ على التزام واشنطن أمرًا بالغ الأهمية، وقد يكون صندوق "العمل الأمني من أجل أوروبا" بمثابة الجزرة الأوروبية لتحقيق ذلك، إلا أنه يواجه بعض المعارضة في أوروبا، فكالعادة، يحرص الفرنسيون على إبعاد الولايات المتحدة.
ويشير بعض المعارضين أيضًا إلى الشكوك المحيطة باستعداد الولايات المتحدة للدخول في شراكة أمنية ودفاعية مع الاتحاد الأوروبي.
ونظرًا لأن 23 من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي هي أيضًا أعضاء في حلف الناتو الذي لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة به، فإن إضفاء الطابع الرسمي على نوع من التعاون الدفاعي مع الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يكون تنازلًا كبيرًا لواشنطن.