معظم الوساطات التي دخلت على خط الأزمة القطرية تحاول أن تجد مَخرجاً لقطر يخفف عنها قرار المقاطعة، ولا تحاول أن تحل المشكلة الأساسية
معظم الوساطات التي دخلت على خط الأزمة القطرية تحاول أن تجد مَخرجاً لقطر يخفف عنها قرار المقاطعة، ولا تحاول أن تحل المشكلة الأساسية، وذلك خطأ استراتيجي لا تكتيكي في دور الوساطة ويهدمها من أساسها ويقوض فاعليتها.
إضافة إلى أن دول التحالف تتصدى للإرهاب بجدية تامة لتحمي المجتمع الدولي برمته لا لتحمي نفسها فقط، إلا أن الخلاف بين دول التحالف الرباعي وقطر يتجاوز وقف تمويل بعض الجماعات الإرهابية، والخلاف مع قطر قائم على أن قطر تعمل على «مشروع إسقاط دول التحالف الرباعي»، وتعمل على إسقاط أنظمتها، وتعمل على اغتيال زعمائها، وتعمل على تمويل ودعم كل من يعاديها، وتلك ليست هواجس لا أساس لها، بل هي تهمة مدعمة بالأدلة والبراهين، وليس اعتراف حاكم قطر بتلك الممارسات وطلبه السموحة وفتح صفحة جديدة وتعهد بوقفه وتوقيعه، إلا واحداً من عشرات بل مئات الأدلة.
ورغم ذلك فإن دول التحالف الرباعي لم تقم بأي عمل عدائي تجاه قطر، إنما استخدمت حقها السيادي بقطع أي نوع من أنواع العلاقة بينها وبين قطر، من أجل حماية نفسها والدفاع عن أمنها واستقرارها، إلا أن الوساطات التي مرت على الأزمة دارت حول عودة العلاقات إلى سابق عهدها ووقف المقاطعة دون ضمانات بتوقف المشروع القطري وإلغائه.
لهذا كانت الوساطة غير مجدية، خصوصا بعد كشْف حجم التورط القطري فيما تتعرض له دول التحالف من عمليات إرهابية خطيرة وصلت إلى حد الضلوع في محاولات اغتيال الزعماء، وإلى تشكيل خطورة على قواتنا المسلحة، سواء التي في اليمن حين ذهب ضحيتها شهداء من أبناء دول التحالف، أو في مصر حين ذهب ضحيتها شهداء من أبنائها.
على من يلعب دور الوسيط أن يوسع دائرة اهتماماته، ويأخذ مطالب الدول الأربع بجدية، ويعمل معنا على وقف المشروع القطري الذي تبناه الأمير السابق، وما زال قائماً يعمل عليه من خلف الستار، ويضمن تعهدات ابنه الكاذبة التي نكث بها أكثر من مرة.
الخلاف جذري إذن وضارب للعمق، وما لم تدرك الوساطات خطورة هذا المشروع القطري على منظومة مجلس التعاون برمتها، فإن منظومة المجلس فعلاً في خطر، إنما ليس بسبب المقاطعة بل بسبب المشروع القطري الذي ما زال قائما.ً
تقديرنا لأمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد تقدير عظيم، ولا نشك لحظة في إخلاصه ورغبته في رأب الصدع، خصوصاً أنه الباقي أطال الله في عمره، وأسبغ عليه ثوب الصحة والعافية من المؤسسين، وما زلنا متمسكين بوساطته ونأمل منها خيراً، ويعز علينا كشعوب خليجية مثلما يعز عليه أن نرى هذه المنظومة تتفكك، إنما لا أحد يملك ضمان حاكم قطر على إبعاد أبيه عن المشهد وإلغاء مشروعه، تلك معضلة رئيسية نتمنى من الوساطة الكويتية أن تضعها في حسبانها، لأننا نعول عليها كثيراً في الحفاظ على الأسس والمبادئ التي وضعها المؤسسون لهذه المنظومة، ولا أحد غير الوساطة الكويتية الباقية من الآباء المؤسسين قادر على أن يخير قطر بين الالتزام بها أو التخلي عن المجلس.
فلم يعد ممكنا الاستمرار بالترقيع بعد أن سقط لنا ضحايا ووصلنا إلى استحالة الثقة والائتمان على أرواح قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية بوجود ممثلين عن قطر في اجتماعاتنا!!
فإن كان لـ«مجلس التعاون» تلك الأهمية القصوى التي نشارك جميع الوساطات بتقديرنا لأهميتها، فإن التدخل في الأزمة القطرية يجب أن ينحصر في تقديم الوساطات «لضمانات» إلغاء قطر لمشروعها التخريبي.
أما الوساطات الأجنبية فتأتي لقطر وتعقد الصفقات وتتسلم المليارات، وتصرح بأنها ضد المقاطعة وتذهب، حتى أصبحت قطر سوقاً للابتزاز دون فائدة ترجى، فليست سوى مضيعة للوقت وهدر للمال القطري.
أما الوساطة الأمريكية فتحتاج أن تركز على مطلب الدول الأربع الأهم ألا وهو أن توقف قطر دعم الإرهاب نهائياً إذا أرادت المصالحة، ولا أدري ما الذي سيضيفه الجنرال زيني أو الدبلوماسي ليندر كينغ إن ظلا محتفظين بوجهة نظر من أرسلهم.
فحجة تيلرسون أن قطر تبذل جهداً «مرضياً» في الالتزام بعدم دعم الجماعات الإرهابية، وأن قرار المقاطعة إجراء مبالغ فيه، وأن المصالح الأمريكية تتضرر في «كثير» من إجراءات المقاطعة، أو حتى حجتها أنها بحاجة إلى الدور القطري وسيطاً مع الجماعات المقاتلة في سوريا واليمن وأفغانستان وليبيا، إذ بإمكان قطر أن تلعب دوراً في التفاهمات بين الجماعات المتقاتلة في تلك المناطق، فتلك حجة تخدم المصالح الأمريكية الممثلة في حاجتها للتفاوض على مساحات نفوذها هناك، حجة لا تعني لنا شيئاً ولا تقترب من أزمة قطر معنا.
الخلاصة من يهوّن من خطر «المشروع القطري» على أمن المنطقة واستقرارها، ويرى في مخاوف الدول الأربع مبالغة، لا يمكنه أن يلعب دور الوسيط، ولن يخدم الشعب القطري، بل لن يخدم قطر نفسها كدولة.
*نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة