"الأونكتاد" تدعم الصفقات الزرقاء بقوة.. مسألة بقاء
يهدد التلوث وتغير المناخ والاحتباس الحراري صحة هذه النظم البيئية في المحيطات والبحار والأنهار أي المكونات الرئيسية للاقتصاد الأزرق.
فمن المقدر أنه إذا استمر الاتجاه الحالي، فسيكون هناك بلاستيك أكثر من الأسماك في المحيط بحلول عام 2050، وهو سيناريو لا يمكن تصوره.
الاقتصاد الأزرق
يشير الاقتصاد الأزرق إلى استخدام الموارد الساحلية والبحرية لتحقيق النمو الاقتصادي وسبل العيش. وتُقدر الأمم المتحدة أن الاقتصاد الأزرق يولد ما بين 3 تريليونات و6 تريليونات دولار على مستوى العالم كل عام، بينما تدعم قطاعات مثل مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية حوالي 260 مليون وظيفة. لذا يُعد الحفاظ على الموارد البحرية والنظم البيئية واستعادتها أمرًا أساسيًا للتنمية، ونحن بحاجة إلى اقتصاد أزرق مستدام لتحقيق ذلك.
ووفقًا لتقرير منظمة التجارة والتنمية "الأونكتاد" الذي تم تقديمه في المنتدى التجاري الثالث للأمم المتحدة في جنيف يوم الاثنين 8 مايو 2023، تحت عنوان "التجارة والبيئة 2023"، يُمكن للمحيطات أن توفر للبلدان النامية ثروة من الفرص لخلق اقتصادات أكثر مرونة وابتكارًا. وفي ضوء ذلك، يحلل التقرير اقتصاد المحيطات في العالم ويقيّم مدى تأثير النشاط البشري والأزمات العالمية المتعددة بشكل كبير على قطاعات مثل صيد الأسماك والشحن البحري والسياحة الساحلية، والتي أصبحت تهدد سبل العيش والأمن الغذائي لنحو ثلاثة مليارات شخص، وبشكل خاص، هؤلاء الذين يعيشون بالقرب من المحيطات- ويعتمدون على المحيط كمصدر للدخل والغذاء.
- الاقتصاد الأزرق.. لاعب رئيسي لاستدامة الثروات والمناخ العالميين
- الزيودي: الاقتصاد الأزرق يسهم في إنتاج الإمارات بنسبة 68%
صفقة زرقاء عالمية
اتساقًا مع الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، الذي ينص على تعزيز الحياة تحت الماء، وحفظ النظم الإيكولوجية البحرية وحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدام؛ جاءت دعوة منظمة الأونكتاد لإنشاء 'صفقة زرقاء' لزيادة الدعم المالي للحفاظ على المحيطات واستخدام موارده على نحو مستدام. ووفقًا للأونكتاد، يعد التمويل جزءً مهمًا من أي صفقة زرقاء؛ حيث يطالبون البلدان 'بسد فجوة التمويل في المحيطات'.
هذا، ويُسلط التقرير الضوء أيضًا على قطاعين واعدين بشكل خاص للتنمية المستدامة: زراعة الأعشاب البحرية وبدائل البلاستيك، وهذا من شأنه أن يزيد من الأمن الاقتصادي للمجتمعات الساحلية والجزرية.
فيما يتعلق بزراعة الأعشاب المرجانية، فقد نما السوق العالمي للأعشاب البحرية بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال عقدين من الزمن؛ حيث ارتفع من نحو 4.5 مليار دولار في عام 2000 إلى نحو 16.5 مليار دولار في عام 2020. وتُشير الأونكتاد إلى أن الأعشاب البحرية يمكن أن تنمو بدون مياه عذبة أو أسمدة وتلتقط كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، ويمكن للعديد من البلدان النامية أن تستخدمها كبديل للبلاستيك.
فكل عام، يدخل 11 مليون طن من البلاستيك إلى المحيطات، مما يسفر عن الانخفاض في مخزون الأسماك بنحو 34٪. ومن جانبه، صرح "بيدرو مانويل مورينو"، نائب الأمين العام للأونكتاد، إن اقتصاد المحيط يتيح عديدا من الفرص ويجب تحقيق التوازن الصحيح بين الاستفادة من المحيط وحماية موارده.
هذا، وأشار التقرير إلى أن هناك العديد من المواد المستدامة الأخرى التي يمكن استخدامها لصنع نسخ صديقة للبيئة من المنتجات البلاستيكية التي نستهلكها يوميًا. فقد تداول العالم حوالي 388 مليار دولار في بدائل البلاستيك المصنوع من الوقود الأحفوري في عام 2020.
نوّع صادراتك
يدعو "تقرير التجارة والبيئة 2023" البلدان النامية إلى تنويع صادراتها والاستثمار في قطاعات وأنشطة المحيطات؛ فقد قُدرت الصادرات العالمية القائمة على اقتصاد المحيطات، بنحو 1.3 تريليون دولار خلال عام 2020، واحتل الاتحاد الأوروبي المركز الأول كأكبر المصدرين (459 مليار دولار)، يليه الصين (160 مليار دولار). ومن بين البلدان النامية، تأتي الهند (34 مليار دولار)، تركيا (19 مليار دولار) وتايلاند (17 مليار دولار).
آثار النشاط الاقتصادي على محيطاتنا
يساهم نشاط السياحة، على سبيل المثال، في تدهور السواحل؛ حيث أنه في كثير من الأحيان عندما يتم بناء قرى سياحية جديدة، يكون هناك استخدام مكثف للأراضي. وهذا يعني تدمير الموائل الساحلية مثل أشجار المانجروف. كما تُجدر الإشارة أيضًا، إلى تأثر الحياة البحرية بنشاط السياحة، ففي شرق إفريقيا على سبيل المثال، يهدد نشاط السياحة في المحيط الهندي الثدييات البحرية، ويؤدي بها إلى حافة الانقراض، وفي بعض المجتمعات، أدى صيد أنواع من الكائنات البحرية مثل دب البحر إلى القضاء عليه تمامًا.
كما لاحظ التقرير أيضًا أن نشاط صيد الأسماك، قد شهد خسائر كبيرة خلال جائحة كوفيد-19؛ والتي بلغت نحو 9.3٪. هذا، وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن أن تؤدي بعض تقنيات الصيد، مثل الصيد بشباك الجر في القاع، إلى إتلاف قاع البحر الحساس الذي يعد موطنًا لأنواع الشعاب المرجانية بطيئة النمو.
هذا، وألمح التقرير إلى خطورة الصيد الجائر، وآثاره المدمرة على النظم البيئية، واختلال التوازن في النظم الغذائية للمحيطات؛ حيث إن صيد الكثير من الأسماك بشكل أسرع من مستويات تجديدها الطبيعية، يهدد بدوره أيضًا الحياة البحرية.
ما هو دور الاقتصاد الأزرق في مستقبل مستدام؟
نحن نعلم أن المحيطات تلعب دورًا مهمًا في تنظيم درجة حرارة الأرض، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، ودعم التنوع البيولوجي وسبل العيش. لكننا بدأنا للتو في التعرف على مدى تأثير الاقتصاد الأزرق على تغير المناخ.
تشير التقديرات إلى أن اقتصاد المحيطات "الاقتصاد الأزرق" يمكن أن يحقق 21٪ من تخفيضات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري اللازمة للوفاء بهدف اتفاق باريس للحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050. كما تشير إلى زيادة كبيرة في إنتاج الغذاء المستدام من المحيطات (غالبًا ما يطلق عليه 'الغذاء الأزرق'، بما في ذلك مصايد الأسماك والأعشاب البحرية وتربية الأحياء المائية والأسماك وتربية الأحياء البحرية) والتي يمكن أن تُلبي متطلبات الأعداد المتزايدة من سكان العالم وتُقلل من الضغط على النظم الغذائية البرية.
هذا فضلًا عن أنه يمكن أيضًا توليد منافع مناخية إيجابية من خلال تمويل المحيطات (أو 'التمويل الأزرق') - الأدوات المالية والاستثمار المطلوب للوصول إلى اقتصاد محيطي مستدام - يمكن من خلال لكل دولار يُستثمر في العمل المحيطي أن يعود بفوائد بقيمة 5 دولارات.
وأخيرًا، يُوصي تقرير الأونكتاد بأن تدمج الحكومات هدف تعزيز اقتصاد الأزرق مع التنوع والاستدامة في استراتيجياتها للتعافي من الأزمات والجهود المبذولة للتخفيف من تداعيات تغير المناخ والتكيف معه، كما يدعو الحكومات والشركات إلى زيادة الإنفاق على البحث والتطوير R&D في القطاعات المستدامة الناشئة في اقتصاد المحيطات، فضلا عن الاستثمار في البلدان النامية؛ لتعزيز التكنولوجيا والمهارات والقدرات الإنتاجية، بحيث يمكن لكليهما الاستفادة من التنمية البحرية المستدامة.
نحو التوجه إلى اقتصاد أزرق: تجربة الإمارات الرائدة
أطلقت إمارة أم القيوين، إحدى الإمارات السبع لدولة الإمارات، «استراتيجية الاقتصاد الأزرق المستدام 2031»؛ في خطوة تسعى فيها الإمارة لزيادة جاذبيتها الاستثمارية مع تنمية ثرواتها الطبيعية والثقافية والبشرية.
وتغطي الاستراتيجية 8 قطاعات، هي: السياحة البيئية، الأسماك، المناطق الصناعية المستدامة، النقل البحري، البحث والتطوير، مصارف الكربون الأزرق، خدمات التنوع البيئي، القطاع الاجتماعي، وتُقدر القيمة المضافة للاستثمار في هذه القطاعات بنحو 5 مليارات درهم سنوياً. أما أبرز المشاريع التحويلية التي تتضمنها الاستراتيجية، فهي زيادة حجم المحميات الطبيعية في الإمارة، لتصل نسبتها إلى ما يقارب 20 في المائة من مساحتها الكلية، وتخصيص ثلاث مناطق حضرية محايدة كربونياً، وإطلاق مركز لإكثار وتصدير أشجار القرم عالمياً، وبرنامج مخصص لدعم تحويل الصناعات المحلية لنموذج صناعي صديق للبيئة.
كما تتضمن المشاريع إعلان شراكات رئيسية مع القطاع الخاص، وإطلاق مركز لدعم ريادة الأعمال في قطاع الاقتصاد الأزرق، وتوفير فرص استثمارية من خلال استقطاب أكثر من 100 شركة ومستثمر، وتوفير حزمة من السياسات والبرامج والتسهيلات الحكومية للشركات والمستثمرين في القطاع.
aXA6IDE4LjExOC4xMTkuMTI5IA==
جزيرة ام اند امز