"زواج السُّنة" يجلب انتقادات لوزيرة مصرية.. وخبراء: جانبها الصواب (خاص)
حذرت وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر مما سمته "زواج السُّنة"، في إشارة إلى زواج القاصرات دون السن القانونية ودون توثيق رسمي.
وقالت الوزيرة نيفين القباج في كلمتها أمام مجلس الشيوخ المصري: "رغم جهود الوزارة في مواجهة الزواج المبكر نجد ما يعرف بـ(زواج السنة) وهو نوع من الاتجار بالبشر".
وينتشر هذا النوع من الزواج في الريف وصعيد مصر، وفيه تتحايل الأسر الفقيرة على القانون الذي يجرم زواج القاصرات، ويكون الضمان الوحيد هو "شيك على بياض" أو قائمة منقولات الزوجة.
ويؤدي هذا الزواج إلى ظواهر اجتماعية سلبية، أبرزها عدم توثيق الزواج، وهو ما يترتب عليه عدم القدرة على تسجيل الأبناء حال الإنجاب، فضلًا عن ضياع حقوق الزوجة عند الطلاق لعدم وجود قسيمة.
وأثارت كلمة وزيرة التضامن الاجتماعي لغطًا في مصر، خاصة بعد تسميتها هذه الظاهرة بـ"زواج السنة"، وهو ما اعترض عليه رجال دين وأساتذة في علم الاجتماع، معتبرين أن المسمى جانبه الصواب.
"تشكيك في السنة"
ويرفض الشيخ السيد سليمان، أحد علماء الأزهر الشريف، إطلاق "زواج السنة" على هذه الظاهرة، ويقول: "إذا كانت الوزيرة تنسب هذا الزواج إلى سٌنة الرسول ثم تقول إنه زواج خاطئ فقولها يفهم منه أن سنة الرسول خاطئة".
وأضاف لـ"العين الإخبارية": "هناك قاعدة فقهية تقول (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة)، وقاعدة أخرى (يجوز للإمام أن يقيد المباح في حالة الضرورة إلى ذلك)، والفقهاء في هيئة كبار العلماء اتفقوا على ألا تتزوج الفتاة قبل 18 عامًا، وقالوا إن الزواج قبل ذلك فيه أضرار كثيرة، منها أن الفتاة لا تدرك معنى الحياة الزوجية، كما أن بنيانها الجسدي لم ينضج بالكامل".
وشدد "سليمان" على أنه "لا يجوز أن نقيس هذا الزمان على زمن النبوة أو الصحابة أو الصدر الأول من الإسلام، ففي زمن الصدر الأول كان سن الزواج من 9 أو 10 سنوات، وكان هذا عرفًا سائدًا، وكانت البنت تتحمل في هذه السن كل الأعباء، ثم تطورت الحياة وأصبح سن الـ10 سنوات لا تدرك معه البنت شيئًا في الحياة، واتفق العلماء على تكييف الإدراك بسن 18 سنة، وهي السن القانونية للزواج".
وأردف: "في حالة اختلاف الآراء، إذا اختار الإمام رأيا بعينه وُجب العمل به وترك ما سواه، وفي المسائل الخلافية التي تتعدد فيها الآراء يكون للحاكم مثل علماء الأزهر الشريف اختيار الرأي والعمل به وألا يعمل بما سواه، وسن 18 سنة هي السن القانونية المناسبة للزواج والتي تتفق مع مبادئ وأصول الشريعة الإسلامية".
واختتم: "ما قالته الوزيرة يصح إذا كانت تقصد زواج القاصرات، ولكن يجانبها الصواب في تسميته بزواج السنة، فإذا هي اعترفت بأن هذا زواج سنة فلا يجوز لها أن تخالف السنة، ويؤخذ على كلامها أن تطلق على هذا الزواج سنة وهو ليس كذلك، إنما هو زواج يخالف السنة ويخالف ما أجمع عليه علماء هذا العصر، والله أعلى وأعلم".
مصطلح غير دقيق
من جهتها، ترى الدكتورة سوسن الفايد، أستاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن تسمية "زواج السنة" غير دقيقة وتأتي دون أساس علمي، وترفض في الوقت نفسه اعتباره نوعًا من الاتجار بالبشر.
وتقول لـ"العين الإخبارية": "الزواج في المجتمع المصري يكون على سنة الله ورسوله، فلماذا نشكك في أن زواج السنة ليس سليمًا؟ وأنا أرى أن الوزيرة تدخل نفسها في منطقة خطأ، فما هو المرجع في هذه المسألة؟ كما أن الاتجار بالبشر لا علاقة له بزواج القاصرات، لأنه يتم بقبول الأهل وجميع الأطراف".
وترى "الفايد" أن الرهان في إنهاء ظاهرة زواج القاصرات على الوعي وإدراك الأخطاء المترتبة على الزواج المبكر بالنسة للأب والزوج والزوجة، داعية في الوقت نفسه إلى تقدير نسب نجاح أو فشل هذا الزواج، وتحديد فلسفته والغرض منه، كما دعت إلى ضرورة مراجعة القوانين لتجنب المفاهيم الخاطئة التي قد تشجع على التشكيك.
واعتبرت أستاذ علم النفس الاجتماعي أن "المسميات التي أطلقتها الوزيرة ليست دقيقة وغير علمية، وكان عليها من باب أولى أن تتحدث عن طرق توعية المجتمعات الريفية والشعبية بأضرار الزواج المبكر وزواج القاصرات"، داعية إلى تضافر جهود الوزارة مع منظمات المجتمع المدني ومجلس الأمومة والطفولة لنشر برامج توعوية.
واختتمت "الفايد" بالتحذير من "المصطلحات والمفاهيم المغلوطة وعدم إطلاق العنان للمفاهيم على عواهنه دون أساس علمي، بالإضافة إلى المراجعة قبل إطلاق الكلام لأنه مسؤولية، وفي رأيي متخذ القرار نفسه يحتاج إلى التوعية، لأن مثل هذه المسميات والاختراعات قد تؤدي للتشكيك في السنة، لأن الزواج التقليدي في عموم مصر هو زواج على سنة الله ورسوله".
التوعية بأضرار زواج القاصرات
بدورها، رفضت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع في مصر، وصف ظاهرة زواج القاصرات بـ"زواج السنة"، قائلة: "(الوزيرة دخّلت كل حاجة في بعضها) فنحن نعرف زواج القاصرات منذ الطفولة، ولكننا لم نسمع من قبل بزواج السنة، وزواج القاصرات هو زواج الفتيات دون سن الـ18، وقديمًا كان منتشرًا جدًا في الطبقات والمجتمعات الفقيرة، ولا يزال موجودًا إلى الآن ولكن بنسبة قليلة".
وأضافت لـ"العين الإخبارية": "عادة ما تلجأ الأسر الفقيرة إلى تزويج بناتها قبل إتمام السن القانونية للتخفف من عبء أحد أفرادها، والاستفادة من مهر البنت، وقديمًا كانت الفتيات القاصرات تستغل للخدمة في بيوت الطبقات العليا والمتوسطة، وقبل 4 عقود وأكثر كنا نشاهد إلى جانب كل سيدة فتاة قادمة من الصعيد أو الأرياف لمساعدتها في الأعمال المنزلية".
وتدعو "خضر" إلى ضرورة توعية الأسر والمجتمعات الفقيرة بأضرار زواج القاصرات والمشكلة السكانية والإنجاب المبكر، مختتمة: "أتمنى من المجلس القومي للأمومة والطفولة التعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي وإنتاج أعمال درامية تنشر الوعي بين الطبقات والأسر الفقيرة بأضرار هذه الظواهر، خاصة الزواج والإنجاب المبكرين".
aXA6IDE4LjExOC4zMC4xMzcg جزيرة ام اند امز