البطالة تهدد مستقبل شباب لبنان في غياب الرؤية الحكومية
صندوق النقد الدولي يقول إن 660 ألف لبناني عاطلون العمل، إضافة إلى 800 ألف سيدة ربة منزل من حاملي الشهادات دون عمل
لا تقل أزمة البطالة في لبنان أهمية عن كل الأزمات التي يعاني منها البلد في السنوات الأخيرة، في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي والعجز في الميزانية العامة، الذي وصل في عام 2018 إلى 11.5%.
وفي غياب أي إحصاءات رسمية دقيقة حول نسبة البطالة، حيث تتفاوت التقديرات بين 35% و60%، يكاد لا يخلو خطاب أي مسؤول لبناني من الإشارة إلى هذه المشكلة لكن دون طرح أي حلول لمكافحتها، فيما يحمل البعض المسؤولية إلى اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وهو ما يرى فيه الخبراء بعض المبالغة.
تعطيل الوظائف الحكومية وغلق الشركات الخاصة
ومع الاختلاف في مقاربة هذه الأزمة التي تهدد مستقبل شباب لبنان، فإن الأهم يبقى في تحذير الخبراء من تفاقمها في السنوات الأخيرة إذا لم يتم إيجاد حلول لها، خاصة بعدما بات خريجو الجامعات وحاملو الشهادات هم الأكثر عرضة للبطالة، وليس مبالغا القول إن هؤلاء يتسابقون على وظائف لا تتطلب أكثر من شهادة التاسع (المعروفة بالبريفية في لبنان)، وهذا ما تظهره بشكل أساسي لوائح المتقدمين على وظائف الجيش والقوى الأمنية.
ويحذّر الخبير والباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين من تزايد ظاهرة البطالة، مع تشديده على أن وضع خطة لمكافحة البطالة يجب أن تكون الأولوية بالنسبة إلى السلطة، قبل حتى الكهرباء والنفايات وغيرها.
ويستبعد في الوقت نفسه حصول أي خروقات إيجابية في هذا الإطار خلال المرحلة المقبلة، إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
ويقول شمس لـ"العين الإخبارية" إن عدد العاطلين عن العمل في صفوف الشباب اللبناني يقدر اليوم بـ35 ألفا، أي ما يقارب 25% من حجم القوى العاملة.
أسباب عدة تقف خلف ظاهرة البطالة في لبنان وفق شمس الدين، أهمها أن فرص العمل ليست مؤمنة لا في القطاع العام ولا الخاص الذي يعاني في السنوات الأخيرة من الأزمة الاقتصادية.
ويعاني لبنان من عجز مالي ووضع اقتصادي صعب، يجعله غير قادر على استيعاب وتوظيف المزيد من اليد العاملة، رغم حاجته إليها في بعض القطاعات، فإن الأزمة انعكست على المؤسسات والشركات الخاصة التي لم تعد قادرة على تمويل نفسها، ويعلن تباعا عن إقفال عدد منها، مشيرا إلى أن لبنان، بين القطاع الخاص والعام، يحتاج إلى 35 فرصة عمل في الوقت الذي لا يؤمن لديه أكثر من 7 آلاف.
وأشار شمس الدين إلى أن المرحلة المقبلة قد تكون أصعب، بعدما بات العمل في القطاع العام شبه مقفل، نتيجة قرارات الحكومة الأخيرة في موازنة عام 2019/2018، التي أقرت وقف التوظيف في الإدارات الرسمية، فيما من المتوقع أن تتعرض العديد من الشركات إلى الغلق في دولة تعتمد على التجارة والاستيراد بدل الصناعة التي من شأنها تأمين آلاف فرص العمل.
وأعلنت جمعية تجار بيروت قبل أشهر عن إقفال نحو 200 محل تجاري في العاصمة، بسبب الأزمة الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين ونقص في السيولة.
وحذرت الجمعية أن القطاع التجاري بات في دائرة الخطر، وأن استمرار الوضع الراهن قد يهدد باقي المؤسسات والمحال التجارية في بيروت.
لا أرقام رسمية لنسبة البطالة وتتراوح بين 36% و60%
وفي غياب الأرقام الدقيقة للبطالة، فإن الرئيس اللبناني ميشال عون قال العام الماضي إن أزمة البطالة وصلت إلى 45%، محملا النزوح السوري المسؤولية الأكبر، إلى جانب تسببه في تدهور الوضع الاقتصادي.
وكان البنك الدولي أعلن، في تقرير له، أن معدل البطالة في لبنان بلغ في عام 2018 نسبة 25%، وتجاوزت النسبة 36% في صفوف الشباب، مشيرا إلى أن 23 ألف شخص يدخلون سوق العمل اللبناني سنويا، فيما يحتاج الاقتصاد لاستيعابهم إلى إيجاد أكثر من 6 أضعاف عدد الوظائف الموجودة أساسا.
وتتوافق أرقام بعض المؤسسات المحلية مع "النقد الدولي"، على غرار دراسة صادرة عن جمعية "مبادرات وقرارات"، التي أعلنت فيها أن البطالة بلغت 36% وهناك 660 ألف لبناني عاطلون العمل، إضافة إلى 800 ألف سيدة ربة منزل من حاملي الشهادات من دون عمل.
وفيما أعلنت "الدولية للمعلومات" أن نحو 35 ألف شاب لبناني غادروا لبنان للعمل والعيش في الخارج عام 2018، متوقعة أن يصل عدد المهاجرين اللبنانيين الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة إلى 56 ألفا بحلول نهاية العام الجاري، فإن أرقام مؤسسة "لابورا" للتوظيفات كانت مرتفعة جدا، حيث قالت إن البطالة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 23 و26 عاما وصلت إلى 60%.
وإذا كان عام 2018 سجّل هجرة 35 ألف شاب، فهذا لا يعني -حسب شمس الدين- أن الهجرة باتت أسهل، بل على العكس من ذلك، فإنه فضلا عن صعوبة الحصول على هذه الفرصة لأسباب اقتصادية مرتبطة بالدول التي اعتاد اللبنانيون اللجوء إليها للعمل، فإن "أموال العاملين في الخارج" التي لطالما كان المغتربون يرسلونها إلى لبنان داعمين بذلك الاقتصاد اللبناني تراجعت إلى حد كبير.
وعلى الرغم من أن الحكومة وعدت بتأمين نحو 900 ألف وظيفة من خلال خطة المشاريع التي قدمتها إلى "مؤتمر سيدر" في فرنسا، معولة على المساعدات التي ستقدم لها، وبلغت نحو 12 مليار دولار أمريكي شرط تحقيق لبنان الإصلاحات، فإنه حتى اليوم وبعد نحو سنة ونصف السنة من المؤتمر لم تظهر أي بوادر أو خطط على الأقل من شأنها تحقيق بعض هذه الوعود، خاصة في ظل الأزمة السياسية التي يمر بها لبنان، وتحول منذ أكثر من شهر دون انعقاد الحكومة.
الفلسطينيون والسوريون بين الواقع والقانون
وبالحديث عن منافسة اليد العاملة السورية والفلسطينية للبنانيين، والتي كانت محور الإجراءات التي قامت بها وزارة العمل في الفترة الأخيرة، يؤكد شمس الدين أنه في ظل قانون العمل الذي يحدد الوظائف ومجالات العمل التي يحق للأجانب العمل بها، فإن الفلسطينيين لا يشكلون أي تهديد بالنسبة إلى اللبنانيين، في حين يقدر عدد العمال السوريين الذين ينافسونهم وتحديدا في قطاع الخدمات أي السياحة والمطاعم الفنادق والنقل بنحو 150 ألف فرصة عمل فقط.
ويشير شمس الدين إلى أن القول بمحاربة أو مكافحة المنافسة في العمل بشكل عشوائي ومن دون رؤية اقتصادية، من شأنه أن ينعكس سلبا على اللبنانيين أنفسهم، ولا سيما أصحاب الشركات التي يحتاجون إلى عمال في الزراعة والبناء والأفران وغيرها، لا يعملون بها اللبنانيون كما لا يقبلون بالرواتب التي يحصل عليها العامل السوري والفلسطيني.
وفي هذا الإطار كانت نقابة الأفران والمخابز في لبنان أعلنت الأسبوع الماضي أن التدابير المتخذة من وزارة العمل تجاه العمال السوريين، من شأنها أن توقف العمل في هذا القطاع لعدم توفر العامل البديل، خصوصا العامل اللبناني، كما هددت باللجوء إلى الإضراب.
وحدد قانون العمل اللبناني 3 قطاعات يمكن للعامل الأجنبي العمل، بها هي البناء والزراعة والتنظيفات، وتقدر حاجة لبنان لليد العاملة فيها بنحو 250 ألف فرصة عمل.
aXA6IDE4LjExOS4xMDYuNjYg جزيرة ام اند امز