في سياق ما تشهده دولة الإمارات من تحولات بنيوية كبرى تعزز مكانتها كمركز عالمي للتنمية المستدامة، يبرز مشروع «قطار الاتحاد» بوصفه أحد أعمدة الرؤية المستقبلية للدولة.
فهو ليس مجرد وسيلة نقل عصرية، بل بنية استراتيجية متكاملة تُجسد مفاهيم الترابط الوطني، والحلم الإماراتي، والاستثمار الذكي، والالتزام البيئي، تحت شعار يختصر رؤيته العميقة: «نتحرك معًا»، والذي يمثل أكثر من مجرد شعار؛ إنه تعبير صادق عن فلسفة وطنية ترى في التنقل المتكامل وسيلة لتعزيز الوحدة بين إمارات الدولة السبع، ودفع عجلة الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنمية الإقليمية والعدالة الجغرافية.
في هذا السياق، أعلنت شركة «قطارات الاتحاد» عن بدء تشغيل خدمات نقل الركاب في عام 2026، ضمن شبكة حيوية تربط 11 مدينة ومنطقة من أنحاء الدولة، في تجربة جديدة كليًا من حيث السرعة والراحة والانسيابية. فعلى سبيل المثال، ستتراوح مدة الرحلات بين 57 دقيقة من أبوظبي إلى دبي، و70 دقيقة إلى الرويس، وصولًا إلى 105 دقائق نحو الفجيرة، ما يفتح الباب أمام نمط حياة يومي أكثر سهولة وتنقلًا أكثر مرونة.
فمن خلال ربط المراكز السكانية بالمناطق الحيوية والمعالم السياحية، ستُسهم هذه الشبكة في تعزيز السياحة الداخلية، وهو ما قدّرت الشركة فوائده الاقتصادية بمليارات الدراهم على مدى خمسين عامًا. لكن الأثر الأعمق يتمثل في تعزيز الترابط الاجتماعي والاقتصادي بين إمارات الدولة، وتقليص الفوارق الجغرافية، وفتح آفاق جديدة أمام سكان المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية للوصول إلى فرص العمل والتعليم والخدمات، في إطار شبكة نقل سريعة وآمنة وموثوقة.
ولا تنفصل أهداف «قطار الاتحاد» عن أولويات التنمية الاقتصادية للدولة. فالقطار جزء من البرنامج الوطني للسكك الحديدية، الذي يُعد أضخم مشروع من نوعه في تاريخ الإمارات، باستثمارات تُقدّر بمليارات الدراهم، ويهدف إلى تطوير نظام نقل بري مستدام يربط بين الموانئ، والمناطق الصناعية، والمراكز اللوجستية، والمدن الكبرى.
ووفق بيانات البرنامج، ستحقق الشبكة على المدى الطويل عوائد اقتصادية تصل إلى 200 مليار درهم، تشمل:
1- خفض تكاليف الأنشطة التجارية واللوجستية
2- توفير تكاليف النقل ومدد الرحلات
3- خفض حوادث الطرق
4- تحسين الوصول إلى الأراضي غير المستثمرة
5- توفيرات في صيانة الطرق
كما يأتي المشروع منسجمًا مع طموحات دولة الإمارات في تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، إذ يساهم القطار في خفض انبعاثات الكربون من قطاع النقل البري بنسبة 21% سنويًا، ما يعادل أطنانًا من ثاني أكسيد الكربون.
ويُسهم أيضًا في تقليل الاعتماد على الشاحنات، حيث تعني كل رحلة قطار الاستغناء عن ما يصل إلى 300 شاحنة من على الطرق، ما يقلل الازدحام المروري، ويعزز السلامة العامة، ويوفّر ما يُقدّر بـ 24 مليار درهم.
وربما سيتجاوز المشروع نطاقه المحلي، ليكون بمثابة نواة لمشروع السكك الحديدية الخليجية لربط دول مجلس التعاون الخليجي بشبكة متكاملة تُسهم في زيادة التبادل التجاري، وتحفيز السياحة، وتعزيز التعاون الاقتصادي على مستوى المنطقة، وترسيخ موقع الإمارات كمركز استراتيجي للنقل والخدمات اللوجستية إقليميًا وعالميًا.
مشروع «قطار الاتحاد» مشروع تحولي يُعيد رسم خريطة التنقل والبنية التحتية في الدولة. ومع كل محطة تربط إمارة بأخرى، وكل دقيقة توفّرها على المسافرين، سيكتب القطار فصلًا جديدًا في قصة الإمارات الحديثة، قصة تتجه بثقة نحو المستقبل، بسرعة مدروسة، على سكك من الفولاذ، ورؤية من ذهب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة