السفير محمد نصر: خطة COP28 طموحة وشاملة ومصر داعمة لنجاح القمة
مدير إدارة تغير المناخ بالخارجية المصرية.. الدول النامية تحتاج إلى 11 تريليون دولار
في اليوم الأول لمؤتمر المناخ المقبل COP28، ستتسلم دولة الإمارات العربية المتحدة رئاسة القمة من مصر، كي تقود مفاوضات المناخ خلال العام المقبل.
خلال الشهور الماضية، وصل التنسيق بين الجانبين، الإماراتي والمصري، لأعلى مستوياته، كما أكد لنا السفير محمد نصر، مدير إدارة تغير المناخ والبيئة والتنمية المستدامة بوزارة الخارجية المصرية، وكبير مفاوضي المناخ بمصر وأفريقيا.
يقول نصر، في الجزء الثاني من حواره لـ"العين الإخبارية"، إن خطة الركائز الأربع لمؤتمر المناخ المقبل، التي أعلنها الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف COP28، طموحة وشاملة جيدة لأبعد حد.
أكد نصر، الذي يتمتع بخبرة رفيعة المستوى في مفاوضات المناخ، أن دولة الإمارات لديها رؤية قوية في قضية تحول الطاقة، متوقعًا أن يحقق COP28 تقدمًا في ملفات الخسائر والأضرار والهدف العالمي للتكيف وتحول الطاقة بالإضافة إلى التقييم العالمي الأول لاتفاق باريس.
وإلى نص الحوار:
ما الذي حققه COP27 لاستراتيجية التكيف؟
أولًا، فيما يخص أجندة العمل الرئيسة لـCOP27، حققنا ما يسمى أجندة شرم الشيخ للتكيف، بهدف خلق وربط منظومة مستمرة بشأن التكيف، تعمل على التنسيق بين مؤسسات الأمم المتحدة، ومبادرات رئاسة COP كل عام، مع تركيز أكبر على قطاعات لم تكن موجودة من قبل، مثل الزراعة والمياه.
ستشمل الأجندة مجموعة من المؤشرات لمساعدة الأطراف، بجانب تقارير متابعة دورية للتأكد من أن الدول بدأت في تنفيذ مشروعات التكيف بالفعل، وتخطت مرحلة التخطيط أو الاستراتيجيات إلى مرحلة التنفيذ وتقليل الخسائر.
فيما يخص جانب المفاوضات، حققنا 3 خطوات للأمام، أولها أننا ذكرنا موضوعات ذات أولوية للدول النامية للمرة الأولى في القرار النهائي، وهي الأمن الغذائي والمياه وانتقال المجتمعات.
سيساعد ذلك في تسليط الضوء على ضرورة تضمين الموضوعات الثلاثة في الاستراتيجيات الوطنية، وتنبيه المؤسسات أو المنظمات الدولية والإقليمية لأهمية العمل مع الأطراف وتجهيزها للتعامل مع هذه الملفات.
كما أحرزنا خطوة أخرى للأمام تتمثل في إقرار برنامج شرم الشيخ للزراعة، والذي يهدف لاستكمال المسار لبرنامج العمل السابق الخاص بالزراعة، كورونيفيا، بالتركيز على التنفيذ.
وأخيرًا، ساعدنا في دفع المفاوضات بشأن الهدف العالمي للتكيف للأمام، كي يتم إقراره هذا العام، وهو أمر ليس سهلًا على الإطلاق.
ما المقصود بالهدف العالمي للتكيف? وكيف سيتغير الوضع بعد إقراره؟
أي هدف في العالم لا بد أن تكون له شروط، أهمها أن نحدد له كما ووصفا، وحاليًا لا يوجد هدف للتكيف في العالم كله بهذا الشكل.
لدى العلم الآن القدرة على معرفة تأثير الأحداث المناخية على المجتمعات، مثل ارتفاع درجة الحرارة أو ارتفاع سطح البحر، ويمكن للخبراء عمل سيناريوهات تتضمن الآثار المحتملة لتغير المناخ، وهذا ما تفعله الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
لدينا المعرفة إذن لكن ينقصنا الهدف.
لذا الهدف المقترح هو تقليل تأثير هذه الآثار، بمعنى تعزيز قدرة المجتمعات والدول لمواجهة تغير المناخ، وتقليل خسائره المحتملة بأقصى قدر ممكن.
سيحدث ذلك عن طريق اتخاذ مجموعة من الإجراءات، أهمها زيادة الدعم والاستعداد، لتتمكن الدول في النهاية من الصمود أمام الخسائر والأضرار المناخية.
مثلًا، تعزيز القدرة في قطاع الزراعة للتحول نحو الزراعة المستدامة أو المتكيفة مع تغيرات المناخ، عن طريق استنباط الأصناف النباتية الجديدة، والتعامل مع شح المياه، وبالتالي تقليل الخسائر في أوقات موجات الجفاف.
لدينا أهداف كثيرة تحت هدف التكيف، لكن الهدف العريض هو زيادة قدرة الدول والمجتمعات على الصمود وخفض الآثار أو التبعات أو التكلفة البشرية والمادية لتغير المناخ.
لماذا تواجه مشروعات التكيف نقصًا في التمويل على عكس المرتبطة بالتخفيف؟
لا يزال النموذج الموجود الآن بشأن تمويل المناخ قائمًا على الفرصة الاستثمارية، والفرصة موجودة بالطبع في مشروعات تحول الطاقة، لأنها ذات عائد اقتصادي للممول.
أما أغلب مشروعات التكيف فتكون ذات عائد اجتماعي وليس اقتصاديا، ويعود بشكل كامل على الدولة المستفيدة منها، بالتالي لا تمثل فرصة بالنسبة للمستثمر، لذا لا يهتم بها.
في نفس الوقت، الدول المتقدمة التي تساهم في تمويل المناخ، تعتبر مشروعات التكيف جزءا من مشروعات التنمية، لكنها قطعًا ليست كذلك، فهي ذات بعد تنموي، بجانب أن لها أبعادا أخرى، وهذا ما نحاول شرحه للجانب الآخر.
في حال لم تنفذ هذه المشاريع، سيكون لها آثار تتجاوز فكرة التنمية على المستوى المحلي بكثير.
في قطاع الزراعة مثلًا، عندما يفقد المزارع القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية ويفقد مصدر دخله، سيبحث عن مصدر دخل جديد، أو ينتقل لمكان آخر للبحث عن فرصة عمل، وإن لم يجد فسيفكر في الهجرة لمنطقة أو بلد آخر.
لذا يجب أن ننظر للصورة بمنظور أبعد وأوسع أيضًا، وألا نتعامل مع الأزمة من منظور محلي فقط، أو نراها من بعد واحد ونتجاهل باقي الأبعاد.
خير دليل على ذلك، ما وصلت إليه أرقام الهجرة غير الشرعية، ليس في منطقة البحر المتوسط فقط، بل في أمريكا ومناطق أخرى، وذلك لأن استقرار الحياة والمجتمعات يتأثر بشدة بالتغيرات المناخية وآثارها.
هل تجيد منظومة التمويل الدولية التعامل مع هذه المشكلة؟
لا، آلية أو منظومة التمويل الدولية القائمة الآن غير قادرة على التعامل مع هذا الجانب نهائيًا، كما أنها غير قادرة على التعامل مع الخسائر والأضرار المناخية.
من غير المنطقي أن تحصل الدول المتضررة على قروض لبناء ما كان موجودًا بالفعل، وتضرر أو انهار بسبب تغير المناخ، على اعتبار أنه يندرج تحت بند التنمية.
لذا ينصب الاهتمام الآن نحو كيفية اعادة تأهيل منظومة التمويل الدولية، سواء قطاعا خاصا أو بنوكا دولية أو بنوك تنمية، بحيث تقدم الدعم بدون التأثير على برامج التنمية الموجودة بالفعل.
على سبيل المثال، لا يجوز أن نأخذ الأموال من برامج القضاء على الفقر، أو برامج تحقيق التنمية، ونضعها في برامج تغير المناخ.
ذلك لا ينفي أهمية الربط بين تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة، لكن دون أن نعتبر تمويل التنمية المستدامة أو تمويل المناخ، أيًا منهما بمفرده، سيحقق الهدفين، لا بد أن يكون تمويل المناخ إضافيًا ومنفصلًا عن تمويل التنمية.
دائمًا نرى أزمة التمويل في صدارة المفاوضات المناخية، ما السبب في رأيك؟
أي أمور مرتبطة بالتمويل في العالم كله دائمًا ما تكون محل أزمات. والممول، أيًا كان، يريد دائمًا ضمانات كافية، ليطمئن أن مشروعه سيتمكن من تحقيق العائد المطلوب.
لدينا 4 مصادر لتمويل مشروعات المناخ: الأول يشمل المؤسسات أو صناديق التمويل الكبرى، التي لديها معايير وسياسات خاصة بها، تضمن من خلالها تحقيق الفوائد للمساهمين فيها.
أما الثاني فيشمل الاستثمارات بجميع أنواعها. والثالث في شكل مساعدات للتنمية تقدمها دولة لدولة أخرى على المستوى الثنائي. والرابع، الذي ظهر مؤخرًا، يشمل المؤسسات أو المنظمات غير الهادفة للربح.
باختصار شديد، الأزمة ليست في قلة الأموال، ولكن في تكلفة الأموال، وهذا لب الخلاف.
في حال نفذت مشروعًا ما في زامبيا مثلًا، ستحتاج لقرض قد تصل فائدته لـ12%. نفس المشروع بنفس المواصفات إذا تم تنفيذه في ألمانيا أو الولايات المتحدة، تقل فائدة القرض لـ2%.
لاحظ أن الفائدة وحدها تضاعفت 5 مرات من مكان لمكان، رغم أن المشروع واحد، وهذا هو المقصود بتكلفة الأموال.
تتمثل المشكلة الأخرى في صعوبة الوصول للتمويل نفسه، هناك دول كثيرة لا تستطيع الحصول على التمويل اللازم بسبب كمية المعايير المشددة التي تفرضها المؤسسات.
لا بد أن يتغير هذا الوضع، وهو بالضبط ما نص عليه قرار شرم الشيخ، بإعادة هيكلة مؤسسة التمويل الدولية عبر 3 محاور: زيادة الأموال المخصصة للمناخ وإيجاد مصادر تمويل إضافية، تسهيل الوصول للتمويل بشروط ميسرة، تغيير أدوات التمويل نفسها.
فيما يتعلق بأدوات التمويل، الدول أصبحت غير قادرة على تحمل القروض وفوائدها، خاصة مع ارتفاع سعر الفائدة، لذا من الضروري أن تجد مؤسسات التمويل أدوات أخرى غير القروض لدعم المشروعات المناخية، هذا دورها.
تناقش جميع هذه الأمور الآن من قبل المساهمين في مؤسسات التمويل، وهم المعنيون وحدهم بوضع المعايير، لأن الأمم المتحدة ليست لديها سلطة على هذه المؤسسات، وكل ما يمكن أن تفعله أن تحثهم على التغيير أو تقدم لهم الاقتراحات.
هل تلتزم الدول المتقدمة بدفع الـ100 مليار دولار للدول النامية؟ وهل المبلغ كافٍ بالأساس؟
فيما يخص تعهد الـ100 مليار دولار، أكدت الدول المتقدمة أنها ستدفع تلك الأموال خلال هذا العام.
لكن الأزمة ليست في الـ100 مليار دولار، فهذا الرقم كان مجرد انعكاس لالتزامهم نحو الدول النامية في 2009.
أما إذا تحدثنا عن الاحتياجات الفعلية للدول النامية فقط من أجل تنفيذ تعهداتها الدولية، فهي تتخطى هذا الرقم بكثير، وتتراوح بين 6 و11 تريليون دولار حتى 2030.
كما أن تأخر دفع الـ100 مليار دولار لثلاث سنوات أو أكثر، معناه أن تنفيذ الدول المتقدمة للتعهدات ليس بالقوة التي يتحدثون عنها.
تتفاوض الأطراف الآن بشأن هدف كمي جديد للتمويل؟ ما التطورات والعوائق؟
مسألة الهدف الكمي الجديد للتمويل قائمة بالأساس على تغير الأوضاع عما كانت عليه في 2009، عندما حددت الدول المتقدمة رقم الـ100 مليار دولار كهدف للتمويل حينها، لمساعدة الدول النامية على مواجهة تغير المناخ.
في 2009 كان هذا الرقم كبيرا جدًا، وكان الهدف منه هو إعطاء الضمانات والحافز للدول النامية مقابل المشاركة في مسؤولية مواجهة تغير المناخ واتخاذ الإجراءات اللازمة، وكان ذلك أحد الأمور التي أسهمت في اتفاق باريس.
وعندما لم تنفذ الدول المتقدمة ما تعهدت به، وتأخر التمويل 3 أو 4 سنوات، تسبب ذلك في تخوف كبير لدى الدول النامية.
الجانب الآخر أن هدف التمويل الجديد يجب أن يتحدد وفق دراسة ومعايير صارمة، بمعنى ربطه بالاحتياجات أو النتائج.
من الأمور التي تحققت في شرم الشيخ، ولم ينتبه لها الكثيرون، أننا قلنا إن تحقيق التحول في مجال الطاقة المتجددة يحتاج إلى تريليون دولار سنويًا، بينما الوصول للحياد الكربوني في 2050 يحتاج إلى 4 تريليون دولار على الأقل.
باختصار، يجب أن يتحدد الهدف المالي الجديد وفق ما نسعى لتنفيذه، سواء كان ما نسعى له هو هدف 1.5 درجة مئوية أو هدف الطاقة المتجددة، وعلى هذا الأساس، تبدأ جميع المؤسسات في العمل على تحقيقه.
لكن في رأيي، الخلاف لن يكون على الرقم، بل على من سيدفع أو يقدم هذا الرقم.
ما انطباعاتك بشأن خطة COP28 ذات الركائز الأربع التي أعلنها الدكتور سلطان الجابر؟
خطة طموحة وجيدة جدًا، وبها رؤية واضحة وشاملة، خاصة في الجزء المتعلق بالطاقة. بشكل عام، الإمارات لديها رؤية قوية جدًا في قضية تحول الطاقة.
وفيما يخص هدف مضاعفة الطاقة من مصادر متجددة 3 مرات بحلول 2030، والعمل على تحسين كفاءة الطاقة، فهو أمر في غاية الأهمية، خاصة أنه يضمن وجود البعد التنموي.
بجانب ذلك، تتعامل الخطة بشكل جيد مع الجانب الخاص بالتنفيذ، وهو ما تعاملنا معه أيضًا في COP27.
كما أن الخطة مبنية على مخرجات المؤتمرات السابقة، وهو أمر في غاية الأهمية.
في غلاسكو مثلًا، كان الحديث عن رفع سقف الطموحات وتحسين التعهدات الوطنية فظهرت مشاكل بشأن التنفيذ.
في COP27 دخلنا في مسألة التنفيذ، فظهرت مشكلات تخص التمويل والتكنولوجيا والخسائر والأضرار وتحول الطاقة.
في المؤتمر المقبل، ستضع رئاسة COP28 في اعتبارها جميع هذه الملفات، وهي تمتلك تصورًا واضحًا جدًا لمعالجتها.
ما هي أهم الملفات التي تتوقع أن تحقق خطوة للأمام في COP28؟
أعتقد أن COP28 سيحقق خطوات للأمام في ملف الطاقة، كما أتوقع التوصل لتوصيات جيدة جدا في موضوع الخسائر والاضرار، بجانب تقدم في الهدف العالمي للتكيف.
ذلك بالإضافة إلى التقييم العالمي، وهو ملف مهم جدًا، لأنه يعطينا تصورًا كاملًا حول العمل المناخي خلال السنوات الخمس المقبلة.
حدثنا عن التنسيق بين الرئاسة الحالية والرئاسة المقبلة للمؤتمر؟
نعمل معًا كفريق واحد، ونتواصل أسبوعيًا، ونتشاور في الأمور المشتركة، وفي رؤية المؤتمر المقبل، ونتحدث بشأن مخرجات شرم الشيح الممتدة لمؤتمر دبي، مثل برنامج عمل خفض الانبعاثات، والانتقال العادل، وغيرها.
نتناقش أيضًا حول تدفقات التمويل، وننسق مع الفرق التفاوضية الإماراتية بصورة مستمرة.
أما على مستوى الرئاسة، فهناك تواصل لا ينقطع بين الوزير سامح شكري، والدكتور سلطان الجابر، وهناك تنسيق مستمر في مختلف المحافل.
الإمارات الآن تبني نجاحها، ونحن نقدم لها كل الدعم الممكن.
ما هي إجراءات تسليم وتسلم رئاسة المؤتمر؟
تظل رئاستنا مستمرة حتى أول أيام COP28، وفيه يسلم الوزير سامح شكري رئاسة المؤتمر للدكتور سلطان الجابر، لتتولى دولة الإمارات قيادة المفاوضات.
aXA6IDE4LjIyNS4xNzUuMjMwIA== جزيرة ام اند امز