السفير محمد نصر: COP27 حقق أهدافه ومن ينتقد نتائجه لم يقرأ مخرجاته
مدير إدارة تغير المناخ لـ"العين الإخبارية": COP28 سيشهد مخرجات التقييم العالمي
كان ختام قمة المناخ في شرم الشيخ COP27، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تاريخيًا بامتياز، مع إعلان الأطراف تأسيس صندوق "الخسائر والأضرار" لأول مرة.
يقف خلف الإنجاز التاريخي، الذي طالبت به الدول النامية طوال 30 عامًا من المفاوضات، لدعمها في مواجهة الأضرار والكوارث المناخية، رئاسة COP27 الممثلة في وزير الخارجية المصري سامح شكري، والفريق الرئاسي الذي قاده السفير محمد نصر، مدير إدارة تغير المناخ والبيئة والتنمية المستدامة بوزارة الخارجية المصرية، وكبير مفاوضي المناخ بمصر وإفريقيا.
يتمتع نصر بخبرة رفيعة المستوى في مفاوضات المناخ، حيث شغل منصب المفاوض الرئيسي للتمويل في المجموعة الأفريقية للمفاوضين بشأن تغير المناخ (AGN) منذ عام 2009.
يقول نصر إن مؤتمر تغير المناخ السابق في شرم الشيخ COP27، حقق جميع الأهداف التي وضعتها الرئاسة المصرية للمؤتمر.
وأشار نصر، في حوار خاص لـ"العين الإخبارية"، إلى أن إنجاز صندوق الخسائر والأضرار الذي أعلن عنه لأول مرة في مفاوضات شرم الشيخ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ألقى بظلاله على مخرجات مهمة جدًا للمؤتمر.
إلى نص الحوار:
هل ترى أن COP27 حقق أهدافه؟
بالطبع، حقق أهدافه كلها وفق التصور الذي وضعناه كرئاسة للمؤتمر.
جميع العناصر والأهداف التي رأينا ضرورة وجودها في مخرجات المؤتمر وأعلنّا عنها قبل بدايته، تحققت بالكامل، سواء في الأجندة النهائية التي نسميها " Action Agenda"، أو في المفاوضات، أو في الشق الرئاسي.
ما رأيك في الانتقادات الموجهة للقرار الختامي بأنه تجاهل ذكر التخلص من الوقود الأحفوري؟
تقديرات خاطئة بالطبع، فالمسار التفاوضي يستدعي موافقة 194 دولة تجتمع على طاولة المفاوضات، ما يعني ضرورة توافق الجميع على النص النهائي.
وفي حال اعترضت دولة واحدة أو مجموعة قليلة من الدول على صياغة مدعومة من 100 طرف آخر، لا يصح تجاهل هذه الاعتراضات، ولا يجوز وضع نص مختلف عليه في القرار النهائي، لأن ذلك يهدد مخرجات المؤتمر ككل.
على الجانب الآخر، بعض الأشخاص أو الجهات أو التجمعات تكون منحازة لصياغة أو لغة بعينها، ولا يتقبلون أي صياغة أخرى حتى لو كانت تحقق نفس الهدف.
الحقيقة أن القرار النهائي أدرج موضوع الطاقة بالفعل، لكن البعض لم يقرأ المخرجات جيدًا.
بل إن خطة شرم الشيخ تضمنت لأول مرة نصًا بشأن زيادة نسبة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
هذا بالضبط ما يطالبون به، لكنه موجود بصياغة مختلفة بعض الشيء عن صياغتهم.
فزيادة الطاقة المتجددة تعني بشكل واضح تقليل مصادر الطاقة الأخرى، أي أنها نفس المعنى والرسالة والهدف.
والسبب في أننا اعتمدنا هذه الصياغة، هو توافقها مع الرؤية الخاصة بالمؤتمر بشأن التنفيذ، حيث إن تنفيذ التخارج من الطاقة التقليدية لن يتم إلا في حالة زيادة الطاقة المتجددة.
هل يجب أن تتبع جميع الدول نموذجًا موحدًا لتحول الطاقة؟ أم الأمر يختلف من دولة لأخرى؟
كل دولة لها وضع خاص، لذا كنا حريصين في COP27 على أن تكون المخرجات النهائية للمؤتمر متوازنة لحد كبير، وتجمع كل العناصر التي تجعل مسألة الانتقال تتناسب مع قدرات وإمكانيات كل دولة بمفردها.
قلنا إنه وفقا للتوصيات العلمية، لا بد أن يحدث توسع في الطاقات المتجددة، وانخفاض في الطاقات من المصادر الاخرى للوقود.
لكن ذلك لن يحدث وفق نموذج موحد يطبق على كل الدول، بل يجب أن يتم من خلال آلية الانتقال العادل، المذكورة بوضوح في القرار النهائي لمؤتمر شرم الشيخ، ولم تكن موجودة من قبل.
تعني آلية الانتقال العادل أن كل دولة يجب أن تضع خطتها للتحول وفق إمكاناتها، وقدراتها، وأيضًا على قدر ما يأتي لها من تمويل.
في نفس الوقت، عملية التخارج من نموذج تنموي إلى آخر، لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، وتشمل قطاعات مختلفة، وليس قطاع الطاقة فقط.
كما يعد التخارج من قطاعات مثل النقل أو الزراعة، أصعب بكثير من قطاع الطاقة، وكي تستطيع أن تتحول من نموذج لأخر، هناك أثمان اجتماعية واقتصادية يجب أن تدفع، وهي متباينة من مكان لأخر، لذا يجب أن يكون هناك خطة تتناسب مع وضع كل دولة، ولا يجوز أن نفرض على أحد خطة انتقال بعينها.
من هنا تأتي أهمية "الانتقال العادل" كما وضعناها في مخرجات المؤتمر، والتي تضع في اعتباراتها جميع الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، والظروف الوطنية لكل دولة، وحجم التمويل المتاح وأدواته.
فالدول النامية مثلًا، لن تتمكن من الاعتماد على القروض إلى ما لا نهاية لتحقيق الانتقال.
وطالما لدينا مشكلة عامة ونسعى للاتفاق على حل عام لها، يجب أن تعكس وسائل وأدوات التمويل المتاحة التوافق الدولي، ولا تعكس أولويات المستثمر أو القطاع الخاص.
ما آخر ما توصلت له المفاوضات بشأن صندوق الخسائر والأضرار؟
دعني أؤكد في البداية أن الوصول لاتفاق بشأن انشاء ترتيبات لتمويل الخسائر والأضرار في الدول النامية، ومن ضمنها تأسيس صندوق، بمثابة قفزة هائلة للأمام، لم تحدث من قبل خلال 30 سنة من المفاوضات.
لكن هذا الإنجاز التاريخي، للأسف، ألقى بظلاله على مخرجات مهمة جدًا في النص النهائي لشرم الشيخ، تحديدًا المتعلقة بالطاقة والمياه والزراعة، والتي ذكرت لأول مرة.
فيما يخص المباحثات بشأن الصندوق وترتيبات التمويل، نتفاوض الآن حول كيفية تفعيل الصندوق، وشكل ترتيبات التمويل التي سيتم إقرارها في النهاية.
هل سيكون صندوقًا مستقلًا أم ضمن منظومة مالية؟ وإن كان ضمن المنظومة المالية الموجودة فما هي آليات التنسيق داخلها؟
ذلك ما تتفاوض بشأنه اللجنة المعنية خلال العام الجاري، ولا تزال مسارات التفاوض مستمرة.
تضم اللجنة 24 عضوًا، وتجتمع لمناقشة جميع الأفكار والمقترحات المقدمة من جميع الأطراف.
حتى الآن، اجتمعت اللجنة مرتين، وأمامها اجتماعان آخران قبل COP28، ثم تعلن النتائج التي توصلت لها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
الدول المتقدمة تريد ترتيبات تمويل من خارج اتفاقية الأمم المتحدة، والدول النامية تطالب بالعكس، إلى أين وصلت هذه الخلافات؟
كل طرف لديه وجهة نظر، وهذه طبيعة المفاوضات متعددة الأطراف.
نتفاوض الآن بشأن طبيعة ترتيبات التمويل، وتبحث اللجنة الوضع من كافة جوانبه، وتستقبل التقارير التي تصف طبيعة الوضع الحالي على الأرض من جميع الخبراء، .
ونسعى في النهاية للوصول إلى توافق بين الجميع، بحيث يتم تفعيل ما تم الاتفاق عليه.
لا بد أن نشير هنا إلى أن أبعاد هذا الأمر ليست سياسية فقط، يجب أن تكون النتائج مبنية على حقائق الوضع على الأرض، وطبيعة الآليات الموجودة للتعامل معه، وهل هي كافية أم لا؟ ولو كافية ما الذي يجب أن نفعله في تلك الحالة؟ هل نحتاج زيادة التمويل أم تغيير السياسات؟
هذا هو النقاش الدائر الآن داخل اللجنة.
بجانب ذلك، أي مفاوضات تتعلق بترتيبات تمويل تحتاج إلى معايير ومتطلبات ووقت للوصول إلى نتائج.
كما أن كل مانح أو مساهم في الصندوق يحتاج أن يرى الضمانات الكافية، ويريد تصورًا واضحًا للسياسات، ليعرف أين ستذهب الأموال ولمن؟
وبعد الاتفاق على الترتيبات، سننطلق لمرحلة أخرى، وهي الطرق التي سنحقق بها تلك الترتيبات، وعبر أي وسائل.
إذا حققت اللجنة إنجازًا في كل هذه الأمور، ستقدم ما توصلت إليه في شكل توصيات لمؤتمر الأطراف المقبل، وإذا لم تحقق إنجازًا سيتم البناء على ما توصلت إليه فيما بعد.
هل يمكن أن تعتمد أدوات تمويل الصندوق على المنح وليس القروض؟
نعم، بل يجب أن تكون أدوات تمويل الصندوق قائمة على المنح بالأساس، لأننا هنا لسنا بصدد مشاريع تنموية، نحن نتحدث عن مشاريع لاستعادة التنمية المفقودة.
بمعنى أن أي دولة تعرضت لخسائر وأضرار، كباكستان مثلاً، كانت قبلها في مستوى تنموي معين، لكنها بعد أن تعرضت لأثار تغير المناخ خسرت هذا المستوى التنموي والمعيشي.
هنا يجب أن نعيدها للمستوى الذي كانت عليه، لم نتحدث هنا عن تطوير، بل نسعى فقط لإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الخسارة.
كما أنه ليس من المقبول أن تتعرض الدول لخسائر هي غير مسؤولة عنها، ثم تعالجها بالقروض.
في نفس الوقت، نحن لا نعتبر هذه المنح بمثابة تعويضات، بل آلية من آليات التكامل بين الدول لاستعادة التنمية المفقودة.
بالنسبة لشبكة سانتياجو، كيف يمكن أن تحقق إفادة للدول المعرضة للخطر؟
الشبكة تأسست لتحضير الدول النامية للتعامل مع الخسائر والأضرار.
هذه الدول لا بد أن تكون لديها خطة واستراتيجية واضحة لمواجهة آثار تغير المناخ بناء على العلم.
هناك مناطق تتعرض للأعاصير أو العواصف الشديدة بشكل متكرر، ومناطق أخرى تتأثر بارتفاع مستوى سطح البحر، أو موجات الحر الشديدة والمستمرة، كل منطقة سيكون لها خطة أو استراتيجية مختلفة.
قبل ذلك كانت الدول تعتمد على المعلومات المتاحة بشأن آثار التغيرات المناخية، التي كانت تحّدث على فترات طويلة، بهدف وضع خطط للتكيف، وحساب ما تحتاجه من تمويل.
مع الخسائر والاضرار اختلف الأمر، نحتاج إلى جمع بيانات جديدة حول المخاطر المتوقعة وطرق الاستعداد لها، ومعظمها غير متاحة، .
هذه البيانات ستساعد الدول على الاستعداد للكوارث المناخية وطرق التعامل معها وفق المصادر المتاحة أو التجارب السابقة، وهذا هو دور شبكة سانتياجو الرئيس.
بشكل عام، ستقدم الشبكة دعمًا فنيًا فقط، ولن تقدم أي دعم مالي.
هل هناك خلاف على مسألة تحديد مقر دائم للشبكة?
نعم، وهو أمر طبيعي، فالمفاوضات بشكل عام أمر معقد، وله أبعاد مختلفة، حتى لو تعلق بمسألة ليست كبيرة مثل تحديد مقر للشبكة.
بعض الأطراف ترى أن منطقتها أولى باستضافة الشبكة لأنها الأكثر تعرضًا لآثار تغير المناخ، بينما البعض الأخر يرى أنه أحق بالاستضافة لأسباب أخرى، كلها أمور إجرائية، ولها بعد سياسي بالطبع.
ما أهمية التقييم العالمي الأول في رأيك؟ وهل نتائجه ستؤثر على المفاوضات؟
بموجب اتفاقية باريس، سيرصد التقييم العالمي التقدم الجماعي للأطراف، ويرصد ما تحقق، وما لم يتحقق من بنود الاتفاق، ويحدد الإجراءات ذات الأولوية لتحقيق الأهداف المناخية المنصوص عليها بالاتفاقية، ويساعد في تحديد مسار العمل المناخي في الدورة التالية لتعهدات الدول الوطنية.
تستمر كل عملية تقييم لمدة سنتين، وتحّدث كل خمس سنوات، وتنتهي عملية التقييم الأولى في 2023، وتبدأ عملية التقييم الثانية في 2026 وتنتهي في 2028.
لذا الهدف الرئيس للتقييم العالمي، هو استفادة البلدان من نتائجه وتوصياته، في أثناء تحديث خططها وتعهداتها المناخية، بدءا من الدورة المقبلة لتقديم التعهدات في 2024-2025.
سيوفر التقييم نظرة فاحصة للوراء، حول ما تم التعهد به مقارنة بما تم تنفيذه بالفعل، مع نظرة مستقبلية حول التعامل مع التوصيات العلمية، والتي تحّدث بشكل مستمر، بناء على التقييمات لحجم التطور والتحديات المتعلقة بتغير المناخ وأثاره.
على جانب آخر، سينتج عن التقييم العالمي توصيات جديدة بالطبع، على سبيل المثال، قد تخرج توصيات بشأن الحاجة لتسريع وتيرة التحول للطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، أو البدء في مشروعات المياه والزراعة على اعتبار أنها القطاعات الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، والأكثر أهمية لأكبر عدد من السكان.
قد تخرج توصيات أيضًا بشأن تسريع عملية التعامل مع الخسائر والأضرار لأن لها أثار مثل النزوح أو الهجرة.
في النهاية ستخضع جميع التوصيات للتفاوض بين الأطراف، وبالتالي قدر التحرك سيتحدد حسب رؤية الدول وامكانياتها وطبيعة الوضع العالمي.
وهنا سيأتي دور الرئاسة الاماراتية في دفع مستوى الطموح لدى كل الدول خلال المفاوضات المقبلة، وهو أمر مهم، لأن تأثير تغير المناخ على جميع القطاعات أصبح حقيقة واقعة، ولا يزال العالم يستوعب ما يحدث.
في النهاية، التوافق العالمي بشأن أهمية الاجراءات وضرورة الإسراع بها، موجود، لكن تظل آليات دعم التنفيذ هي المشكلة والعقبة الرئيسة في المنظومة القائمة بالتعامل مع التحدي الوجودي لتغير المناخ.
هل يوجد مؤشرات بشأن نتائج التقييم العالمي؟ وما هي الخطوات التالية؟
النقاش الفني والتقني، الذي أجرته اللجان المسؤولة عن التقييم، توصل إلى نفس النتائج التي أعلنها الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في تقارير التقييم السادس، التي صدرت العام الماضي والجاري.
فيما يخص التقرير التقني والفني، ستعلن نتائجه في سبتمبر المقبل.
بعدها مباشرة ستبدأ اللجنة العليا، المعنية بصياغة التقرير النهائي، العمل على مخرجات التقييم العالمي، التي ستشمل الجانب العلمي، بناء على التقرير التقني والفني، بالإضافة إلى الجانب السياسي، بناء على المفاوضات.
ستعقد اللجنة العليا اجتماعاتها فيما بعد سبتمبر لوضع هذه المخرجات بناء على توافق الأطراف في المؤتمر المقبل، سيتم صياغة التقرير النهائي من قبل أعضاء اللجنة العليا.
تضم اللجنة الرئاسة الحالية لمؤتمر المناخ وتمثلها "مصر"، والرئاسة المقبلة وتمثلها "الإمارات"، ورؤساء اللجان الفرعية بالأمم المتحدة للمناخ، رئيس هيئة التنفيذ من باكستان ورئيس هيئة المشورة العلمية والتكنولوجية من بولندا.
aXA6IDMuMTQyLjUzLjE1MSA=
جزيرة ام اند امز