صاحب فكرة صندوق الخسائر والأضرار المناخية يتحدث لـ"العين الإخبارية"
روبرت فان ليروب يكشف عن قضايا مناخية شائكة ويرسم خريطة للمستقبل
في عام 1991، وخلال المفاوضات المناخية الأولى من أجل التوصل لأول اتفاقية دولية بشأن تغير المناخ، قدمت دولة جزرية صغيرة بالمحيط الهادئ، تدعى "فانواتو"، اقتراحًا هو الأول من نوعه، وأثار جدلًا كبيرًا لعقود.
جاء الاقتراح على لسان ممثل فانواتو الدائم بالأمم المتحدة آنذاك، الدبلوماسي والمحامي الشهير روبرت فان ليروب، وتمثل في أن الدول "الصناعية" الكبرى تتحمل مسؤولية الانبعاثات التاريخية المسببة لتغير المناخ، وعليها أن تدفع ثمن "الخسائر والأضرار" المتوقع أن تواجهها الدول الجزرية الصغيرة مع ارتفاع مستويات سطح البحر، بسبب الاحترار العالمي، واجتياح المياه لأراضيها.
رفضت الفكرة بمجرد طرحها بالطبع، وواجهت هجومًا ونقدًا لاذعًا من الدول الصناعية الكبرى، لكنها رغم ذلك، لم تمت في مهدها، بل ظلت حاضرة في مفاوضات الدول النامية المناخية، حتى تحولت في السنوات الأخيرة إلى مطلب رئيسي مرتبط بالعدالة.
بعد 31 عامًا من النضال والصراع والتفاوض، أًعلنت الأطراف في المسودة النهائية للنسخة السابعة والعشرين من مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن تغير المناخ COP27، بشرم الشيخ، عن تأسيس صندوق لتمويل الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ.
كانت مسيرة روبرت فان ليروب، الدبلوماسي ومحامي الحقوق المدنية الأمريكي، وأول رئيس لتحالف الدول الجزرية الصغيرة أيضًا، حافلة بالمعارك، والانتصارات.
من معركته ضد التمييز العنصري كمستشار قانوني للرابطة الوطنية لتقدم الملونين (NAACP)، مرورًا بمعاركه تحت قبة الأمم المتحدة، ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وضد الاستعمار من الصحراء الغربية إلى كاليدونيا الجديدة، وحتى انتصاره الأخير للعدالة المناخية.
يقول فان ليروب في أول حوار له مع وسيلة إعلامية عربية، إن البلدان الصناعية أصبحت غنية على حساب البلدان الفقيرة في العالم، وعليها أن تدفع ثمن التغير المناخي الذي تسببت فيه، وألا تطالب دول مثل الصين والهند والبرازيل بالدفع معها، لأنها المذنب الرئيسي.
وإلى نص الحوار
كنت الرئيس المؤسس لتحالف الدول الجزرية الصغيرة. حدثنا قليلاً عن ذكرياتك مع الأيام الأولى لعملية المناخ في الأمم المتحدة؟
حسنًا، ما حدث هو أنني كنت، في ذلك الوقت، الممثل الدائم لجمهورية فانواتو في الأمم المتحدة وجاء دورنا لقيادة مجموعة الدول الجزرية لمدة شهر.
عندما انعقد الاجتماع الأول بشأن تغير المناخ في عام 1991، أصبحت تلقائيًا الرئيس لتلك المجموعة، وقدت مفاوضات تغير المناخ للمجموعة في ذلك الشهر.
كان تغير المناخ قضية ملحة بالنسبة للبلدان الجزرية الصغيرة، لذا اجتمعنا أكثر من مرة للتباحث والتوافق حول مطالبنا، وتدريجياً تطور الأمر، وقررنا تشكيل تحالف جديد للتنسيق ولعمل معًا، وعرض موقفنا ومطالبنا على باقي الأطراف.
كانت هذه هي الطريقة التي شكلنا بها تحالف الدول الجزرية الصغيرة، وهدفنا كان التأكد من عدم تجاهل مطالب هذه الدول، وقت وضع الاتفاقات والتفاوض بشأنها.
حيث لم يكن هناك اهتمام وقتها بالدول الجزرية ومطالبها، سواء في الأمم المتحدة أو المحافل الدولية الأخرى، ولم تكن في وضع يمكنها من قيادة أي مفاوضات أو العمل معًا لاستكشاف مصالحها المشتركة في التفاوض مع البلدان المتقدمة.
من أين أتت فكرة صندوق الخسائر والأضرار؟ وكيف ربطتها بمبدأ العدالة؟
جاء مفهوم الخسائر والأضرار خلال المفاوضات المناخية الأولى مطلع التسعينيات. أنت تعلم أنني محام، وأحد الأشياء التي أمنت بها بشدة هو أنه لا بد أن تتحمل الدول المتقدمة بعض العواقب بسبب الأضرار التي تسببت فيها للدول الجزرية الصغيرة.
خلال اجتماعاتنا، كنا نحاول دائمًا أن نضع أهدافًا يمكن تحقيقها، من شأنها تغيير ديناميكيات علاقات القوة التي كنا نتفاوض بشأنها.
لذا سعينا للحصول على تعويض مقابل الأموال الطائلة التي تكبدناها بسبب الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، والتي تسببت فيها أخطاء الدول المتقدمة.
وبعد عدة مناقشات حول هذا الأمر، جاءتنا فكرة الخسائر والأضرار، لحساب ماهية الخسائر المتوقعة، وإلزام الدول الكبرى بدفع ثمنها.
كانت الفكرة مرتبطة بمبادئ العدالة، فالبلدان الصناعية أصبحت غنية على حساب البلدان الفقيرة في العالم، هذا أمر لا نقاش فيه. وما يقال حول إنهم طوروا أنفسهم وصنعوا ثرواتهم بأنفسهم. أمر سخيف.
كيف استقبلت الدول الصناعية الكبرى الفكرة وقتها؟
بالتأكيد لم تستقبلها بشكل إيجابي، ولم تنل إعجابها على الإطلاق.
هل فكرت وقتها أو اقترحت آلية محددة لحساب هذه الخسائر والأضرار؟
لا، فقط قولنا إنه سيتعين علينا الاعتماد على بعض الخبرات الفنية للوصول إلى كيفية إجراء هذه الآلية. كان المفهوم جديدًا ومختلفًا وقتها، لم يناقش أحد أمورًا كتلك من قبل.
وكنا ندرك أن البلدان المتقدمة ستقاومه بقدر ما تستطيع، لأنها لا ترغب في تحمل هذه المسؤولية.
هل كونك مواطنًا أمريكيًا سبب لك أي حرج بسبب هجومك على البلدان الغنية ودفاعك عن حقوق بلدان أخرى؟
أنا ولدت في نيويورك، لكن والدي جاء من سورينام، حيث ولد هناك عندما كانت مستعمرة هولندية، أما والدتي فمن جزر فيرجن الأمريكية، وهي مستعمرة أخذتها الولايات المتحدة من الدنمارك.
تربيت على حديث والداي معي عن خطايا الاستعمار. فزاد اهتمامي بقضايا البلدان المستعمرة التي كانت محرومة ومستغلة اقتصاديًا.
لذلك كنت أعارض الاستعمار بشدة في شبابي وكان لدي أصدقاء لهم نفس الموقف وكنا نتعرض للنقد بسبب ذلك، لذا لم يكن النقد أمرا جديدا بالنسبة لي.
قضيت جزءًا كبيرًا من مسيرتي القانونية في العمل مع حركات الاستقلال الأفريقية وضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ولهذا السبب طلبت مني حكومة فانواتو أن أمثلها في الأمم المتحدة فيما بعد.
ماذا كان رد فعلك على موافقة الأطراف في COP27 على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار؟
سعدت كثيرًا بذلك، هذا أمر كان يجب أن يحدث منذ فترة طويلة، لكن أن يأتي متأخراً أفضل من عدمه.
هل الفكرة التي طرحتها هي نفس الفكرة التي أعلن عنها العام الماضي، أم مختلفة؟
مختلفة بعض الشيء، الفكرة الأساسية كانت عبارة عن آليه لتأمين الدول المتضررة ضد الخسائر والأضرار المتوقعة مستقبلا، وليس صندوقًا بالمعنى الذي تفاوضت عليه الأطراف العام الماضي.
فكرة التأمين كانت ضرورية، ليس فقط لتعويض البلد النامي الأصغر حجما، ولكن للتأكيد على أن الدول النامية والجزرية لها صوت يجب سماعه، كانت هذه الدول تُستبعد تمامًا في أي مفاوضات من هذا النوع، وهذه الألية تضمن أن يكون لها صوتًا مسموعًا كلما أثيرت قضايا التعويض مع الدول المتقدمة الكبرى.
في رأيك، ما هي الآليات الأفضل لجمع التمويل اللازم لصندوق الخسائر الأضرار ودعم الدول المتضررة؟
بصفتي محامي حقوق مدنية ومدافعًا عن حقوق الإنسان بالأساس، سأتحدث من منظور العدالة والحقوق، ما أؤمن به أنه إذا ارتكب أحدهم شيئًا خاطئًا فعليه إصلاحه، لذا أعتقد أن الدول المتقدمة عليها أن تدفع لإصلاح الوضع، لأنها هي من ارتكبت الأخطاء، ولا يصح أن يدفع غيرهم ثمن ذلك.
من غير المنصف أن نطلب من ضحايا الخطأ أن يتحملوا كل العبء المالي، الذي يجب أن يقع على عاتق المخطئ وحده، وهو الدول المتقدمة.
هل تقترح أن يكون الدفع مرتبط بحجم الانبعاثات الحالية؟
لا، لأن هذا لا يكفي، هناك أشياء أخرى يجب مراعاتها. هناك أشخاص تضرروا، وصحة تدهورت، وتغذية سيئة، ومنتجات أسوأ، وكل الأشياء من هذا النوع يجب وضعها في الحسبان، ويجب أيضًا تضمينها في الحساب.
هل تتوقع إقرار آلية عمل الصندوق أو الموافقة عليها من قبل الدول المتقدمة تحديدًا هذا العام؟
هذا سؤال صعب. لا أستطيع الإجابة عليه إلا إذا ذهبت إلى قمة المناخ في دولة الإمارات COP28. وقتها يمكنني الرد. لكن لا يمكن التكهن بذلك الآن.
هل يمكن التلاعب بهذا الصندوق وأن يكون مصيره مشابها لتعهد الـ100 مليار دولار؟
بالتأكيد. هذه دائمًا المشكلة مع الدول المتقدمة، يقدمون وعودًا ضخمة للتخلص من الضغوط السياسية التي يواجهونها في الداخل، ثم يقدمون أعذارًا لعدم تمكنهم من الوفاء بها.
ما هي الضمانة لتحقيق ذلك؟
الضغط لتحسين الصيغة في المؤتمر المقبل. يجب أن نحقق تقدمًا دائمًا. يجب أن نتخذ خطوات متقدمة مبنية على ما توصلنا إليه أخر مرة.
ما هو موقفك من دول مثل (الصين- الهند- البرازيل- روسيا) فيما يخص الخسائر والأضرار؟ هل يجب أن تفعل شيئًا حيال هذا الصندوق؟
حسنًا، هذه الدول ليست مذنبة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
هذه الدول، وحتى روسيا، لا تزال ضحية لهذه المشكلة، وينعكس الضرر الذي وقع عليها على بعض سياساتها الخاصة أحيانًا.
لا يمكن لهذه البلدان الآن أن تمنح شعوبها جميع الاحتياجات المطلوبة، كما كانت ستفعل في حال لم يقع عليها الضرر الذي تسببت فيه الدول المتقدمة، سواء من حيث الإنتاج أو من حيث الغذاء، أو فيما يخص الاحتياجات الأساسية والضرورية الأخرى.
ما رأيك في الموقف الأوروبي الأمريكي القائل بأن الصين لم تعد دولة نامية وعليها أن تدفع ثمن انبعاثاتها الكربونية؟
حسنًا، لأكون صادقًا معك، لا أعتقد أن البلدان المتقدمة في وضع يسمح لها بإصدار مثل هذه التصريحات والشروط. ما لم يأتوا إلى طاولة المفاوضات بأيادٍ نظيفة، فلن يكونوا في وضع يسمح لهم بانتقاد الصين.
لا خلاف أن الصين لديها مشاكل خاصة بانبعاثاتها الحالية، ولا شك أن الصين ليست مثل فانواتو، دولة صغيرة متضررة بلا انبعاثات، لكنها أيضًا ليست مثل الولايات المتحدة.
هل يمكن ربط إنفاق الصندوق بقرار التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري؟
نعم يمكن. هناك العديد من الأفكار الجيدة في هذا الصدد.
حدثنا عن فكرة واحدة منها؟
يمكن ربط إنفاق الصندوق بقضايا مثل الغذاء، لا شيء أكثر أهمية من ذلك. ليس هناك ما هو أهم من إنتاج الغذاء للناس ليتمكنوا من إعالة أنفسهم. ولا شك في أن تغير المناخ قد أثر على إنتاج الغذاء بشكل كبير.
حتى في البلدان المتقدمة، إنتاج الغذاء تأثر بشكل أو بأخر، ولكن التأثير الأكبر بلا شك على البلدان النامية والأصغر.
هذه واحدة من القضايا الكبرى التي يجب معالجتها.
قد يكون لدي بعض الأفكار، لكن يجب أن أكون هناك مع المندوبين الآخرين من أجل محاولة العمل معهم لإيجاد حل لكيفية الشروع في جعل هذه المشكلة تختفي.
مع وضوح التأثيرات المناخية الآن أكثر من أي وقت مضى، ما الذي ينبغي أن تفعله الدول الجزرية الصغيرة والبلدان النامية في الشرق الأوسط وأفريقيا في الفضاء المناخي الدولي؟
ينبغي أن تكون إحدى الأولويات تعزيز التحالفات التي تقيمها البلدان الجزرية الصغيرة مع البلدان النامية في الشرق الأوسط وHفريقيا.
ينبغي علينا تقوية تلك التحالفات أولاً قبل أن نتعامل مع البلدان المتقدمة.
أيهما أصعب بالنسبة لك، معركتك السابقة ضد الاستعمار أم لتحقيق العدالة المناخية؟
هذا سؤال جيد حقًا، رغم صعوبته. كان لكل معركة منهما صعوباتها الخاصة.
لكنني أظن أن حجة مواجهة الاستعمار كانت أسهل قليلاً لإقناع الناس، لأن معظم الناس يمكنهم الاقتناع بضرورة مواجهة بلد يستعمر بلد آخر.
لكن قضية تغير المناخ يصعب فهمها لدى بعض الناس، وكل بلد أو مجتمع يريد أن يتطور وينمو. وأحيانًا من أجل التطور، يتعين على البلدان القيام بأشياء مضرة لها على المدى الطويل.
تغير المناخ هو حجة طويلة الأمد يجب طرحها للنقاش وتوعية الناس بها وبالأخطار الناجمة عنها، لأنها غير واضحة الآن بحجمها الحقيقي، في حين أن الاستعمار، كان أسهل قليلاً في تعريف الناس بالمشكلة وحثهم على التحرك للتخلص منه.
ما هي رسالتك للأطراف في مؤتمر المناخ المقبل COP28؟
حسنًا، أدعوهم للتعاون والوحدة، أنا أشجع الوحدة بين البلدان النامية. لن نحقق أي شيء ما لم تكن هناك وحدة بين الدول النامية. ولا يهم إذا كنا نتحدث عن الصين أو فانواتو. بالطبع لدى كل منهما اهتمامات مختلفة بسبب حجم كل بلد، لكن مع ذلك، من الضروري أن تجتمع تلك البلدان معًا لمحاولة تحقيق هدف مشترك للعدالة المناخية.
والعدالة المناخية تعني أن القرارات التي يتم اتخاذها بشأن المناخ ستأخذ بعين الاعتبار المصالح المشروعة وحقوق جميع الدول والشعوب.
aXA6IDMuMTQ0LjQ1LjE4NyA=
جزيرة ام اند امز