قضايا المناخ أمام العدل الدولية.. هل تشمل التعويضات؟ (تحقيق)
جاء قرار الأمم المتحدة التاريخي بالاستعانة بـ"العدل الدولية" للبت بالالتزامات المناخية منسجما مع مطالبات ورؤى خبراء المناخ.
لما يرون أن له في تحقيق العدالة العالمية والانتصار للحقوق البيئية خصوصا للدول الأضعف، فماذا يعني هذا القرار؟
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا طلبت فيه فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الدول فيما يتعلق بتغير المناخ، الذي وصفته بأنه تحد لم يسبق له مثيل.
وقالت الجمعية العامة في قراراها إن رفاه أجيال البشرية الحالية والمقبلة يتوقف على التصدي لتغير المناخ فورا وعلى سبيل الاستعجال، مشيرة إلى أن تغير المناخ الناجم عن فعل الإنسان قد أحدث أضرارا واسعة النطاق للطبيعة والبشر.
وشددت الجمعية على الحاجة الملحة لتوسيع نطاق العمل والدعم، بما يشمل التمويل وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا معربة عن القلق البالغ لعدم تحقيق الهدف الذي يقضي بمشاركة البلدان المتقدمة في تعبئة 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020، لدعم الدول النامية في مجال المناخ.
المناخ ومحكمة العدل الدولية
بدأ الأمر قبل أربع سنوات في فصل دراسي بجامعة جنوب المحيط الهادئ في دولة فيجي، عندما قرر طلاب القانون هناك أن رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية يمكن أن يكون أداة فعالة لتعزيز العدالة المناخية.
بدأ الطلاب في تبني هذا الأمر كحملة مدنية، وعملوا على إقناع حكوماتهم بأن تتبنى الأمر، واستجابت دولة فانواتو، وهي دولة جزرية في المحيط الهادئ، للحملة الطلابية.
صاغت فانواتو مشروع قرار يسعى للحصول على رأي استشاري من محكمة الأمم المتحدة بشأن حقوق الأجيال الحالية والمقبلة في الحماية من تغير المناخ.
يركز القرار على آثار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تغير مناخ العالم وتتسبب في آثار ضارة، خاصة على الدول الفقيرة.
تعويضات المناخ
والعملية هنا بحسب خبراء ليست عملية تقاض يرفعها فرد أو دولة ضد دولة أخرى، والرأي هنا لن يبت في أمور مثل التعويضات المطلوبة من الدول الملوثة الكبرى، ستقوم محكمة العدل الدولية فقط بتوضيح المسائل القانونية المهمة المتعلقة بآثار تغير المناخ على الناس، والتي لها تأثير مباشر وفوري عليهم.
كذلك سيطلب القرار من محكمة العدل الدولية النظر في عدد من الأمور، أولها مدى التزامات الدول بموجب القانون الدولي لضمان حماية النظام المناخي وأجزاء أخرى من البيئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها النشاط البشري من أجل الدول والأجيال الحالية والمقبلة.
وبموجب هذه الالتزامات، سيحدد رأي المحكمة الاستشاري التبعات القانونية للدول التي تسببت في إلحاق ضرر كبير بالنظام المناخي وأجزاء أخرى من البيئة، سواء بأفعالها أو بتجاهل الاستجابة السليمة، ويحدد حقوق أي شخص يتأثر بالآثار الضارة لتغير المناخ الآن وفي المستقبل، وفي أي دولة، ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة النامية، التي تتضرر أو تتأثر بشكل خاص بالآثار الضارة لتغير المناخ، بسبب ظروفها الجغرافية.
دور محكمة العدل الدولية
عادة ما تحكم محكمة العدل الدولية، ومقرها لاهاي، في النزاعات بين الدول، لكنها تصدر أيضا آراء استشارية تفسر كيفية تطبيق الاتفاقيات الدولية القائمة على القضايا الجديدة.
هذه الآراء ليست ملزمة للمحاكم الوطنية، ولكن يمكن استخدامها للضغط على الحكومات وخلق مسارات للدعاوى القضائية المستقبلية.
في هذا الخصوص، قال رئيس اتحاد الجمعيات البيئية والمستشار في سياسات المناخ عمر الشوشان لـ"العين الإخبارية" إن هذا القرار جاء ردا على عدم الالتزام الدول الصناعية الكبرى في التمويل المناخي وتخفيض الانبعاثات.
وبين في تصريحاته لـ"العين الإخبارية" أن تقرير الهيئة الدولية الحكومية المعنية في التغير المناخي يشير إلى ارتفاع غير مسبوق لتراكيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وتأتي النتائج عكس ما هو ملتزم به الدول الأطراف، وفقا للشوشان.
أضاف: كما أن تداعيات التغير المناخي على الدول النامية أصبحت قاسية ولا يمكن مواجهتها بشكل منفرد وتحتاج إلى إلزامية قانونية حتى نتجنب الكارثة المناخية في ظل ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمي.
وقال الخبير البيئي د.دريد محاسنة رئيس جمعية إدامة للطاقة والبيئة والمياه بالأردن لـ"العين الإخبارية" إن اعتماد "العدل الدولية" للبت في القضايا المناخية سيكون من أهم المواضيع التي سيتم تركيز النقاشات حولها خلال قمة المناخ COP28 المقبل في دولة الإمارات العربية.
جهة تقاضي
وبين أنه من المنطقي أن تكون هناك جهة تحكم في قضايا الضرر البيئي عالميا وملاحقة المتسببين في الضرر، خصوصا الواقع على الدول الضعيفة والفقيرة لوقف الانتهاكات في حقها.
غير أنه قال لـ"العين الإخبارية" إن ذلك يجب أن تشوبه مخاوف استعمال هذا التحكيم كأداة سياسية لصالح الدول المستفيدة على حساب الدول الأخرى خصوصا في حالات الحروب والنزاعات.
وقالت مستشارة العدالة المناخية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أوكسفام الدولية صفاء الجيوسي: القرار تاريخي ليكون هناك مساءلة أقوى وإجراءات من الحكومات لمعالجة التغير المناخي، وليبين أثر حملة صغيرة قام بها طلاب بدول جزء المحيط الهادئ كيف تكاتفت معه منظمات المجتمع المدني والحكومات منذ سنتين، من اجل الوصول لهذا القرار ما يجعله نجاحا دبلوماسيا أيضا.
وهذا القرار متربط ارتباطا وثيقا بالخسائر والأضرار، والحديث عن تعهد الحكومات لمواجهة التغير المناخي وحماية المواطنين في الوقت الحالي وفي المستقبل وفقا لما أكدته الجيوسي.
وقالت إن ربط التغير المناخي بحقوق الإنسان هو أمر بالغ الأهمية لأنه حلول التغير المناخي يجب أن تدخل بأكثر من قرار ومجال وأنه لا يكون هذا لأمر حكرا على مناقشات غير المناخي بل يدخل في كل المجالات الأخرى لما له تأثر فيها، كما أنه لا يجب عزل مواضيع التغير المناخي عن حقوق الإنسان حتى لا تسقط مواضيعا لعدالة المناخية.
عقب قرار الأمم المتحدة قال أليتوي إشمائيل كالساكاو رئيس وزراء فانواتو، دولة جزرية في المحيط الهادئ، إن تغير المناخ خلف آثارا مدمرة على الكثير من الدول والشعوب بأنحاء العالم، وإن الوضع قد يتدهور بشكل كبير بسبب غياب العمل الفوري والجريء.
رئيس وزراء فانواتو تحدث أمام الجمعية العامة نيابة عن مجموعة أساسية من الدول الداعمة للقرار تشمل المغرب، أنغولا، ألمانيا، أنتيغوا وباربودا، البرتغال، بنغلاديش، كوستاريكا، ساموا ونيوزيلاندا.
ميثاق الأمم المتحدة
ومع إيلاء اعتبار خاص لميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغير ذلك من اتفاقات ومعاهدات ذات صلة، طلب قرار الجمعية العامة من المحكمة إصدار فتوى بشأن التزامات الدول بموجب القانون الدولي تجاه حماية النظام المناخي والجوانب البيئية الأخرى من الانبعاثات البشرية المنشأ لغازات الدفيئة، والآثار القانونية المترتبة بموجب هذه الالتزامات على الدول التي تتسبب، سواء بفعل أو بإغفال، في إلحاق ضرر جسيم بالنظام المناخي وبجوانب أخرى من البيئة فيما يتعلق بالدول الجزرية الصغيرة النامية على وجه الخصوص، والشعوب والأجيال الحالية والمقبلة المعرضة للآثار الضارة لتغير المناخ.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فقد أشار إلى تقرير الهيئة الحكومية الدولية، أوائل الشهر الحالي، الذي أكد أن البشر مسؤولون عن الاحترار العالمي على مدى المائتي عام الماضية.
وأظهر التقرير أن الحد من ارتفاع درجة الحرارة بـ1.5 درجة مئوية أمر ممكن ولكن الوقت آخذ في النفاد. وقال الأمين العام في هذا السياق إن نافذة الفرص لتجنب أسوأ آثار أزمة المناخ تنغلق بسرعة. وأكد أن العقد الحالي حاسم للعمل المناخي.
وقال "أقل المساهمين في أزمة المناخ، يواجهون جحيما مناخيا وارتفاع مستويات مياه البحر. بالنسبة لبعض الدول تعد تهديدات المناخ عقوبة بالإعدام".
وذكر الأمين العام أن فتاوى محكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، لها أهمية هائلة ويمكن أن ينجم عنها أثر طويل الأمد على النظام القانوني الدولي. مشيرا إلى أنها ستقدم جميع الإيضاحات التي تمس الالتزامات القانونية الدولية الموجودة فعليا.
وقال الأمين العام إن فتوى المحكمة، في حال صدورها، ستساعد الجمعية العامة والأمم المتحدة والدول الأعضاء على القيام بعمل مناخي أقوى وأكثر جرأة يحتاجه العالم بشدة.
وذكر الأمين العام أن العدالة المناخية تعد حتمية أخلاقية وشرطا أساسيا للعمل المناخي الفعال.