لماذا اتجهت الإمارات لإعلان أول استراتيجية للذكاء الاصطناعي؟
إعلان دولة الإمارات استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي 2031، يعني أنها خصصت لنفسها موقعا مميزا في المستقبل القريب.
في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم إلى حد دراسته كمتغير مستقل ونظام منهجي يؤثر بل يغير نمط الحياة في المجتمعات المختلفة، ومع تزايد وتيرة التطور تتزايد التحديات أمام العنصر البشري ومستقبله في مواجهة الطفرات الهائلة في التكنولوجيا والتصنيع والتحول نحو الآلية والأتمتة Automation، لم تعد التكنولوجيا هي المتغير التابع الذي يتأثر بالسياق المحيط به؛ إنما أصبحت مؤثرة وقادرة على صنع واقع جديد بما توفره من مميزات للعنصر البشري وما قد تسببه أيضًا من إشكاليات وتحديات.
وتشير أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة العقل البشري عن طريق الحاسب الآلي واستخدامه لحل الأزمات والإشكاليات المعقدة، واتباع سبل الاختيار الرشيد والتفكير رياضيا في المكاسب والخسائر المحتملة من كل حل من الحلول المتاحة، ثم اختيار الحل الأمثل وفق رؤى ومنهجيات علمية وعقلانية، وفي الوقت الذي تتصاعد فيه المخاوف من تهديدات تنامي الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيراته السلبية على المجتمعات، تتصاعد الرؤى التي تنوه إلى أن محاولة اللحاق بركاب التطور التكنولوجي لم يعد بديلا اختياريا، وإنما ضرورة مفروضة على المجتمعات التي تسعى للاستمرار والتطور في المستقبل، وقد تتسع الفجوة التقنية بين الدول النامية التي تفتقر إلى تلك التقنيات في مقابل الدول المتقدمة ذات المستوى المرتفع من التطور التكنولوجي بما قد يؤدي إلى أزمات سياسية ومجتمعية مستقبلا بالأخذ في الاعتبار الأبعاد الجيوسياسية لهذه الفجوة على العلاقات بين شعوب تلك الدول.
وبإعلان دولة الإمارات اعتماد مجلس الوزراء برئاسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، استراتيجية الإمارات الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031، فقد خصصت لنفسها موقعا مميزا في المستقبل القريب خاصة أن الاستراتيجية تتضمن ملامح وأهدافا استراتيجية لجعل دولة الإمارات رائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول 2031 ، والسعي لتطوير منظومة متكاملة توظف الذكاء الاصطناعي في المجالات الحيوية للدولة، وقد أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن دولة الإمارات تمضي قدما لتحقيق رؤيتها وتطلعات شعبها من خلال مشاريع وخطط واضحة نحو مئوية الإمارات 2071 ، في خطوة جديدة عقب النجاح في تطبيق الحكومة الذكية.
أهداف الاستراتيجية
تعد استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي الأولى من نوعها في المنطقة والعالم، وتهدف من خلالها إلى تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، بالإضافة إلى الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة لخلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية مع دعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، أي أن تكون حكومة الإمارات الأولى بالعالم في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، استنادا إلى استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى، واستثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة بطريقة خلاقة.
وتضمنت رحلة التحول الحكومي 5 مراحل رئيسية انطلقت في عام 2000 عندما بدأت الإمارات الخطوة الأولى للتحول الإلكتروني، وبعدها بعامين في العام 2013 أطلقت دولة الإمارات مبادرة الحكومة الذكية لتوفير الخدمات للجمهور، تلاها إنشاء دولة الإمارات مشروع أول مدينة ذكية متكاملة "سيليكون بارك في عام 2014، وقد توجت عملية التحول الذكي في العام 2015 عندما أكملت دولة الإمارات التحول الذكي للخدمات الحكومية بنسبة 100%، والذي أعقبه في العام 2017 إطلاق دولة الإمارات استراتيجية الذكاء الاصطناعي كأول مشروع ضخم ضـمن مئوية الإمارات 2071 .
ملامح استراتيجة الإمارات
أبرز ما يميز استراتيجية الإمارات تضمنها لخطوات تنفيذية وواضحة تنبئ بتحقيق المنشود منها في الوقت المحدد، فقد تصدرت الإمارات المرتبة الأولى إقليميا في تبنّي الشركات والمؤسسات لحلول الذكاء الاصطناعي بمعدل نمو سنوي يبلغ 33.5% وذلك وفقاً للتقرير الصادر عن مركز دبي التكنولوجي لريادة الأعمال "ديتك" التابع لسلطة واحة دبي للسيليكون، والذي أعد بالتعاون مع "ستارت إيه دي" -منصة ابتكار وريادة أعمال مسرعة لنمو الشركات الناشئة في جامعة نيويورك أبوظبي- وبدعم من شركتي "تمكين" و"عرب نت، ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها الإمارات في هذا الصدد ما يلي:
• احتفال حكومة الإمارات في أبريل/نيسان 2019 بتخريج 94 منتسباً للدفعة الأولى من البرنامج التدريبي للذكاء الاصطناعي الذي ينظمه البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي بالشراكة مع جامعة أكسفورد البريطانية، بهدف تأهيل الكوادر الإماراتية المتخصصة وتعزيز إمكاناتهم ورفد قدراتهم في مختلف المجالات، بما يدعم تحقيق أهداف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي.
• استحداث منصب وزير دولة للذكاء الاصطناعي في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وأعلن عن تعيين معالي عمر بن سلطان العلماء في منصب وزير دولة للذكاء الاصطناعي، كي تستعد البلاد للاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتدمجه في شتى القطاعات عبر رسم خطط مستقبلية تضمن عمل الحكومة في إطار نظم وأسس راسخة، وقد أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن المنصب المستحدث قائلا: "الموجة العالمية القادمة هي الذكاء الاصطناعي، ونريد أن نكون الدولة الأكثر استعدادا لها".
• إنشاء مجلس دبي لمستقبل الذكاء الاصطناعي والذي عقد اجتماعه الأول في أبريل/نيسان 2019 برئاسة عمر بن سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي، وهو أحد مجالس دبي للمستقبل التي أطلقها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، ويهدف إلى تعزيز وعي القطاعين الحكومي والخاص بأهمية تبني التكنولوجيا الحديثة في المجالات الحيوية مثل التعليم والصحة وريادة الأعمال والابتكار، فضلاً عن دعم الأبحاث الرامية إلى تهيئة بنية تشريعية وتنظيمية تلبي جميع احتياجات الجهات المعنية.
• تشكيل منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي: حيث أكد معالي عمر سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي، أن حكومة دولة الإمارات تتبنى تشكيل منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي تقوم على تطوير هذا القطاع وتعزيزه بأطر الحوكمة والأخلاقيات، إدراكاً لأهميته ودوره الحيوي في تطوير قطاعات مستقبلية جديدة تعود بالخير على المجتمعات.
• دبي الذكية: يهدف المشروع إلى تحويل دبي إلى أذكى مدينة عالمياً، وقد انطلقت استراتيجية تنفيذها عام 2014، وتضمنت 6 محاور و100 مبادرة، إضافة إلى تحويل 1000 خدمة حكومية إلى خدمات ذكية، وبخطة تنتهي عام 2021، يتم من خلالها التركيز على إدارة الخدمات الاقتصادية المقدمة للمستثمرين ورجال الأعمال بطريقة ذكية ومترابطة، كخدمات البورصة الذكية والموانئ والجمارك الذكية.
• توقيع مذكرة تفاهم مع شركة مايكروسوفت الخليج، لتعزيز التعاون المشترك في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي وأطر حوكمته في دولة الإمارات، من خلال صياغة مجموعة من المفاهيم والاستراتيجيات والأفكار المستقبلية ودراسة آليات إنجازها وتنفيذها، وتغطي مذكرة التفاهم 4 مجالات رئيسية تتمثل في تحديد وتطوير الحلول التكنولوجية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتعزيز توظيف الذكاء الاصطناعي في كافة الجهات الحكومية في دولة الإمارات، وتأسيس إطار متكامل وعالمي للحوكمة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والمساهمة في تحقيق مخرجات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي.
خطوات استباقية
تحاول دولة الإمارات اتخاذ خطى استباقية قائمة على استشراف المستقبل وعدم الاقتصار على محاولة اللحاق به، وهو ما دفعها نحو تبني استراتيجية للذكاء الاصطناعي تركز بصورة رئيسية على القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، حيث تتضمن استراتيجية دولة الإمارات تطوير التقنيات وتطبيقها في 9 قطاعات هي: قطاعات النقل والصحة والفضاء والطاقات المتجددة والمياه والتقنية والتعليم بالإضافة للبيئة والمرور.
وعند إعلان حكومة دولة الإمارات عن استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي أشارت إلى أن هدفها الأمثل يتمثل في «توفير جميع الخدمات عبر الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تحقيق الاندماج الشامل للذكاء الاصطناعي مع الخدمات الطبية والأمنية،» وذلك استنادا إلى "أن تسخير قوة الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى توفير نحو 50% من التكاليف الحكومية السنوية عبر تبسيط التعاملات الورقية الحكومية التي تصل إلى 250 مليون ورقة سنويا، وتستغرق حاليا 190 مليون ساعة عمل وتعادل سفر نحو مليار كيلومتر.
إجمالا يمكن القول: إن إمكانيات الذكاء الاصطناعي في الحوكمة تتخطى تلك الصعوبات وتدعم استراتيجية الدولة في إنشاء سوق حيوية جديدة تتمتع بقيمة اقتصادية عالية.