عام من الانقسام والإحباط.. هل الأمم المتحدة ما زالت قادرة على لعب دور فعال؟
بعد عام من الانقسامات يشارك زعماء العالم في أعمال الجمعية العامة، ما طرح تساؤلات حول فاعلية الأمم المتحدة.
وفي مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قال ريتشارد جُوان، مدير الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية إنه رغم الطاقة التي تجلبها وجود زعماء العالم في مقر الأمم المتحدة، إلا أن هناك شعورا بالقلق العميق بشأن الطريقة التي تتجه بها المنظمة.
وأضاف أن الأمم المتحدة واجهت فترة صعبة منذ حرب أوكرانيا إلا أن حرب غزة دفعت الجميع للصدمة, وفي أول اجتماع للقادة منذ بدء الحرب تساءل الجميع: "ما الذي تستطيع هذه المنظمة تحقيقه؟" لأنها تركز في المقام الأول على السلام والأمن في حين أصبح العالم أكثر غموضًا وعنفًا.
وأشار إلى تعرض الأمم المتحدة للكثير من الصدمات وخلال الحرب الباردة كانت هناك فترات كان مجلس الأمن فيها مشلولا حقا، فمثلا في عام 1959 مرر المجلس قرارا واحدا فقط ولم يجتمع أكثر من 3 أشهر، لكنه اليوم يجتمع باستمرار ولا يزال يشرف على عدد من عمليات حفظ السلام، لكن ذلك لا يمكن أن يقلل من الشعور الحقيقي بالقلق والكآبة.
وحول كيفية ظهور الانقسامات حول إسرائيل وغزة في الأمم المتحدة، قال جوان إن المناقشات بدأت مع هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول ومع بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية دعا غالبية أعضاء الأمم المتحدة إلى إنهاء مبكر للعمليات العدائية.
وأوضح أن الأشهر الأخيرة من 2023 وحتى أوائل 2024، كان هناك معركة لا تتوقف في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة، مع أغلبية متزايدة من الدول التي شددت على ضرورة توقف العمليات الإسرائيلية، لكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض لمنع أي دعوات لوقف إطلاق النار.
وفي أوائل الصيف، قدمت واشنطن اقتراحها الخاص بوقف إطلاق النار، الذي أقره مجلس الأمن في يونيو/حزيران الماضي، لكن لم يتم تنفيذه.
وأشار إلى انخفاض في التوترات مع إلقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن خطابه الوداعي في الأمم المتحدة مع دعوته لوقف إطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن وتحذيره من حرب لبنان، وبالتالي فالوضع ليس سيئا كما كان في بداية العام، لكن هذه التوترات ألحقت ضررًا حقيقيًا ودائمًا بسمعة الولايات المتحدة وكذلك ثقة الناس في الأمم المتحدة.
عام صعب
وردا على سؤال بشأن الهجمات على الأمم المتحدة، أكد جوان أن العام الأخير كان صعبا على الدبلوماسيين في المنظمة الأممية، مشيرا إلى أن السكرتير العام أنطونيو غوتيريش مر بعام صعب للغاية على المستوى الشخصي بسبب الاهتمام السلبي الذي أحاط به، لكنه محبط أيضا لأنه لا يتمتع بموطئ قدم في الحرب، فلا الإسرائيليون ولا إدارة بايدن يريدون أن تكون الأمم المتحدة لاعباً رئيسياً في التوسط في الحل في غزة.
وفيما يتعلق باتهامات معاداة السامية ضد الأمم المتحدة، فقال إن هذه الاتهامات قديمة جدا وأوضح أن غالبية الأعضاء انحازت دائما للفلسطينيين لذا فليس من المستغرب أن ترفض إسرائيل جميع الانتقادات التي تأتي من مسؤولي الأمم المتحدة.
وحول أوكرانيا، قال جوان إنه كان هناك الكثير من التعاطف والدعم لكييف في الأشهر الأولى من الحرب في 2022 من جميع أعضاء الأمم المتحدة وأوضح أن الأمريكيين والأوروبيين والأوكرانيين عملوا في الجمعية العامة للحصول على سلسلة من القرارات التي تدين موسكو، والتي حظيت بدعم ما يصل إلى ثلاثة أرباع أعضاء المنظمة.
نظرة سلبية
لكنه أشار إلى أنه مع مرور الوقت، بدأت العديد من الدول غير الغربية تتساءل عما إذا كانت تحقق الكثير من خلال القرارات والمناقشات ورأوا أنهم لم يؤثروا على موسكو، كما تبنت بعض الدول مثل البرازيل نظرة سلبية بشأن الطريقة التي يسلح بها حلف شمال الأطلسي الأوكرانيين، بحجة أن ذلك يغذي الحرب.
وأضاف أن الكثير قالوا إن أوكرانيا مهمة لكن هناك مشكلات أخرى للحديث عنها مثل الدول الفقيرة التي تكافح الديون غير المستدامة كما أن حرب غزة دفعت القضية الأوكرانية جانبا.
وحول تعامل واشنطن مع أوكرانيا وغزة، أشاد جوان بنجاح إدارة بايدن في استعادة قدر كبير من حسن النية في الأمم المتحدة منذ 2021 وعودة الولايات المتحدة للعديد من الأطر الأممية التي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب.
حرب غزة وسجل واشنطن
وأعرب عن اعتقاده أنه حتى أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال معظم المراقبين إن سجل واشنطن في الأمم المتحدة جيد لكن حرب غزة قلبت الوضع وكان هناك شعور قوي للغاية أواخر 2023 بأن بايدن وإداراته يمنعون الأمم المتحدة عمدًا من أن تكون أكثر دبلوماسية في الحرب.
ومع ذلك قال إن معظم الدبلوماسيين يفضلون فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس لأنه رغم التوتر هناك تفاهم مع واشنطن لكن الأمر سيضطرب أكثر في ولاية ثانية محتملة لترامب.
وحول الصين، قال إن هناك الآن إجماعا في واشنطن على أن الصين منافس في الأمم المتحدة في ظل الصراعات حول من يحصل على المناصب العليا في المنظمة وحول قدرة بكين على إدراج لغتها في القرارات الأممية.
حض النقض
لكنه أشار إلى اختلاف في أسلوب الصينيين عن الروس الذين وصفهم بـ«العدوانيين» الذين لا يمانعون في استخدام الفيتو وإحراج الولايات المتحدة، لكن الصينيين أكثر حذرا فهم لا يحبون استخدام حق النقض ويعتقدون أن عرقلة القرارات في مجلس الأمن تضر بسمعتهم لذا فالدبلوماسية لا تزال ممكنة مع بكين.
وحول الانقسامات في الأمم المتحدة بشأن الصراعات المختلفة، قال جوان إن هناك صراعات من الدرجة الأولى مثل أوكرانيا التي تقسم مجلس الأمن ثم صراعات الدرجة الثانية وتكون في أفريقيا غالبا لكن لا يزال التعاون بشأنها ممكنا.
لكن هذا التمييز ينهار تدريجيا بسبب قضايا جيوسياسية فمثلا الخلاف بين فرنسا وروسيا انعكس على صراع مثل مالي التي أعلنت رغبتها في طرد قوة حفظ السلام. وبالنسبة للسودان، قال إن هناك شعورا حقيقيا بأن الدول الأعضاء تركز بشدة على غزة، وتتجاهل الوضع في السودان وأن مجلس الأمن لم يكن نشطًا بدرجة كافية بشأنه وحاليا تحاول إدارة بايدن إعطاء الأولوية للتوصل إلى وقف إطلاق النار هناك.
إصلاح مجلس الأمن
وحول إصلاح مجلس الأمن، قال جوان إنه عمل على هذا الملف بشكل متقطع لأكثر من 10 سنوات، وأشار إلى موجة متزايدة لإصلاح المجلس منذ فبراير/شباط 2022 انعكاسا لحرب أوكرانيا.
وفي الجمعية العامة العام الماضي، قال ما يقرب من نصف القادة إن الوقت حان لإصلاح مجلس الأمن وهو أمر يتفق عليه الجميع، لكن المشكلة عدم وضوح كيفية الإصلاح، فمنذ عقدين تطالب الهند والبرازيل وألمانيا واليابان بمقاعد دائمة جديدة في المجلس وتعارض الصين انضمام اليابان والهند، لكن ما يتفق عليه الغالبية هو منح صوت أكبر لأفريقيا.
وفي حين تقترح الولايات المتحدة منح مقعدين دائمين لأفريقيا لكنها تقول إن ذلك سيكون بدون حق النقض الذي تعتبره مشكلة ولا يجب منحه لآخرين لكنها لن تتخلى عنه.
وحول المجالات التي يمكن أن تستعيد فيها مصداقيتها، قال جوان إن الأمم المتحدة عبارة عن مجموعة هائلة من الكيانات والمنظمات وتشمل العديد من الوكالات الفنية التي يؤدي غيابها إلى انهيار أساسيات التعاون الدولي.
وربما لا تكون الأمم المتحدة جيدة في إنهاء الحروب، لكن الوكالات الإنسانية التابعة لها مثل برنامج الغذاء العالمي أو مفوضية شؤون اللاجئين، تلعب دوراً أساسياً في التخفيف من عواقب العنف وتغير المناخ في مختلف أنحاء العالم لذا يجب التمسك بالذراع الإنسانية، حتى لو بدت الذراع السياسية في حالة من الضيق الشديد.