انطلقت أعمال الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، وسط تحديات دولية على إثر تغيرات النظام الدولي، ومجموعة ملفتة من التحالفات المتغيرة، والعلاقات الجديدة بين الدول التي تسعى لخلق شبكات متنوعة.
لطالما اعتبرت دول العالم المنصات الأممية كوسيلة لا غنى عنها، للتعبير عن مواقفها بشأن مختلف القضايا، وهو ما يجعل الأمم المتحدة مطالبة باستعادة دورها القيادي العالمي، في ظل إعادة تموضع التحالفات الدولية والإقليمية، واتجاه العديد من الدول نحو البراغماتية السياسية، لتحقيق أكبر قدر من المرونة الاقتصادية.
ومن اللافت ترحيب قمة "بريكس" الأخيرة التي عقدت في جنوب أفريقيا، بانضمام دول جديدة محورية، بينما أقرت قمة مجموعة العشرين التي عقدت مؤخرا في نيودلهي، انضمام الاتحاد الأفريقي المكون من 55 دولة لصفوفها، ما يعكس التغيرات العالمية نحو تعددية الأقطاب، لتصبح محركات النظام الدولي الجديد، هي التنمية والاستقرار والازدهار.
وقد يعتبر المراقبون أحد أسباب إعادة تشكيل التحالفات الدولية، هو تذبذب مستويات الثقة العالمية في دور الأمم المتحدة القيادي، ومدى قدرتها على التأثير العالمي في الأوقات العصيبة، خصوصا في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والخلاف الصيني الأمريكي، والعديد من الملفات الإقليمية، لاسيما: سوريا والسودان واليمن، وتحديات قدرة الدول النامية على مواجهة تغيرات المناخ.
وهي ظروف تتطلب من الأمم المتحدة أن تكون أكثر سرعة وشفافية ومرونة، فتحقيق النتائج العادلة يتطلب التخلي عن بيروقراطيتها المعروفة ولو نسبيًا، بالإضافة الى تحسين إجراءاتها المرتبطة بالقضايا السياسية والأمنية، لتعزيز ثقة الدول الأعضاء، بأنها لا تزال قادرة على بناء الإجماع الدولي، والمساهمة في حل النزاعات بشكل فاعل.
تشارك دولة الإمارات بأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بكل عزيمة على مواصلة نجاحات الدبلوماسية الإماراتية العامة، وبوفد رفيع المستوى يترأسه سمو وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، في توقيت مهم؛ فالإمارات تستعد لاستضافة قمة المناخ COP28، ما يجعل المنتدى الأممي فرصة قيمة لتبادل الآراء بين الدول.
وبينما يجتمع قادة العالم في نيويورك، يحتفل الإماراتيون بعودة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى أرض الوطن، بعد رحلة استمرت ستة أشهر على متن محطة الفضاء الدولية، ما يتزامن مع وصول دولة الإمارات إلى الترتيب العالمي العاشر، بحسب تقرير القوة الناعمة 2023.
تؤمن الإمارات بقيم التعددية في قضايا السلام والتنمية، وقد انتهجت مبدأ التوازن في علاقاتها الدولية، فهي من جانب تنضم إلى مجموعة بريكس، ما سيسهم في فرص التنوع الاقتصادي والتجاري، ويتناسب مع طموحات الإمارات الجيوسياسية، في عالم متعدد الأطراف ويسير باتجاه تعدد الأقطاب، مع الحفاظ على علاقاتها التقليدية مع الغرب.
والانضمام لبريكس لا يعني الانحياز إلى مجموعة محددة، فالسياسة الإماراتية تفضل الاستثمار طويل الأمد، الذي يعتمد على تنوع الأسواق العالمية، طريقًا لاستدامة التنمية الاقتصادية، وهو ما يفسر جهود الإمارات من خلال مبادرة I2U2 مع الولايات المتحدة والهند وإسرائيل، والتي أفرزت الممر الاقتصادي الذي سيربط الأسواق الهندية بالأوروبية عبر الشرق الأوسط.
ما بين أواخر سنوات القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، تحولات في الإطار العالمي، من القوة المهيمنة أحادية القطب إلى عالم متغير ومتعدد الأقطاب، ما يجعل التضامن الدولي مطلبا مهما لمواجهة التحديات العالمية، بما فيها صراعات النفوذ الجيوسياسية. ولهذا، ستظل الأمم المتحدة بمختلف منصاتها ومنتدياتها، الجهة المحايدة الوحيدة القادرة على صناعة السلام العالمي، وحل أصعب النزاعات مهما كانت شدتها، ودعم قضايا العالم بشكل عادل، وهو ما نتمناه كشعوب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة