منظمة الإخوان الإرهابية.. شهادة مصرية
جماعة الإخوان وضعت الأيديولوجية الشمولية للحركات الإرهابية القائمة على "الحاكمية" وهي العمود الفقري للفكر "الخوارجي" عبر التاريخ
تجدد الحديث في الولايات المتحدة مجددا عن استعداد إدارة الرئيس دونالد ترامب لإعلان تنظيم الإخوان منظمة إرهابية بكل ما يعنيه ذلك من نتائج لها علاقة بأعضاء التنظيم المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتجميد أرصدتهم المالية، وإنهاء أنشطتهم الاستثمارية، ومتابعة تحركاتهم ولقاءاتهم واتصالاتهم الداخلية والخارجية، والأهم من ذلك كله التأثير على الدول الحليفة للولايات المتحدة لكي تعامل جماعة الإخوان باعتبارها تنظيما إرهابيا، كما هو الحال مع التنظيمات الإرهابية الأخرى في العالم مثل "القاعدة" و"داعش" وغيرها.
ومن المعلوم أن هذه ليست هي المرة الأولى التي وردت فيها هذه الإمكانية، فقد ورد الحديث عنها أثناء الحملة الرئاسية من المرشح ترامب، وبعد فوزه وتوليه الإدارة في البيت الأبيض تجدد الحديث في الموضوع؛ وفي كل مرة فإن عددا من المؤسسات الأمريكية مثل وزارة الخارجية والدفاع وقفت ضد اتخاذ هذه الخطوة، وهو ما لم يمكن تفسيره إلا بعلاقات وثيقة قائمة بين التنظيم والمؤسسات الأمنية الأمريكية من ناحية، ومن ناحية أخرى نجاح أعضاء جماعة الإخوان الذين يهيمنون على معظم المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة، وينتشرون في مراكز البحوث الأمريكية في ادعاء الاعتدال والليبرالية من قبل تنظيمهم.
المدهش في الموضوع أنه رغم الاهتمام المبكر بين الأكاديميين الأمريكيين بجماعة الإخوان، إلا أن الجهل بها شائع، وحقيقتها غائبة عن الإعلام الأمريكي بشكل عام، ويعود ذلك بقدر غير قليل إلى أن النظرية الشائعة عن الإرهاب بين الليبراليين الأمريكيين والمنتشرين في الحزب الديمقراطي والإعلام الأمريكي، هي أن أسبابه تعود إلى البنية السياسية في الدول الإسلامية، خاصة العربية، والتي تقوم على الشمولية والديكتاتورية وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية.
في هذه النظرية يجري تجاهل الدور الذي تقوم به الأفكار والعقائد الأيديولوجية في دفع العمل السياسي كما حدث من قبل التنظيمات الفاشية والنازية، وهي التي شاعت في الفكر الإخواني وتوجد جذورها في أفكار جماعة "الخوارج" التي نبتت في مطلع التاريخ الإسلامي لكي تناهض المدرستين الفقهيتين الشائعتين في الدول الإسلامية وهما السنة والشيعة، وما خرج منهما من فروع ومذاهب.
وفي الحقيقة فإن جماعة الإخوان هي جماعة في جوهرها شمولية وفاشية من الطراز الأول من ناحية، وقادرة من ناحية أخرى على الخداع والمناورة والتمييز ما بين أوقات "الضعف"، حيث تطلق لغة الاعتدال، وزمن "التمكين" التي تطلق فيه قدرتها على العنف والإرهاب والسيطرة. ولذلك فإن الفحص الجدي لوثائق وكتابات الإخوان تقود إلى أن المشروع الإخواني يستهدف أولا خلق "الإنسان المؤمن" ليس بالدين الإسلامي وإنما ما يسمونه رسالة الإخوان، وثانيا إنشاء الكيان السياسي القائم على "الشريعة" كما تقررها الجماعة وليس "التشريع" الذي يقوم به ممثلو الشعب في المجالس النيابية، وثالثا الدولة التدخلية التي تدير كل شؤون رعاياها وليس مواطنيها من المهد إلى اللحد، ورابعا اتباع سياسة خارجية وسياسات الأمن القومي تسعى إلى قيام الخلافة الإسلامية للهيمنة على العالم الإسلامي بالقوة أو بالخداع أو كلاهما.
ولعل تشريح الفكر الإخواني والممارسة السياسية الإخوانية تكشفان عن تبعية كبيرة للنموذج الإيراني، وظهر ذلك في برنامج الإخوان لعام ٢٠٠٧، ثم بعد ذلك عند وضع الدستور المصري لعام ٢٠١٢، ولكي تحقق هذه الأهداف فإن تنظيم الإخوان قام على مدى أكثر من 8 عقود على نظام سري هرمي محكم، يقف على قمته المرشد العام الذي له من السلطات ما يقترب من سلطات المرشد العام للثورة الإيرانية، الذي يقود مجلس الإرشاد الذي يمثل السلطة العليا، ومن بعده مجلسا للشورى الذي ينقل آراء الأعضاء في القاعدة إلى القمة.
وفي كل الأحوال، وحتى عندما وصل الإخوان إلى السلطة في مصر أو غيرها فإنهم حافظوا على سرية تنظيمهم، بوجود تنظيم مالي محكم قادر على الاستثمار عالميا وإقليميا ومحليا، وبناء آلة إعلامية جبارة، ومع كل ذلك "نظام خاص" للمليشيات ذات الطبيعة شبه العسكرية والتي يمكنها حين تحل الساعة استخدام العنف والإرهاب.
ومن الثابت أن جماعة الإخوان كانت هي التي وضعت الأيديولوجية الشمولية للحركات الإرهابية القائمة على "الحاكمية"، وهي العمود الفقري للفكر "الخوارجي" عبر التاريخ، و"السمع والطاعة" الذي يقيم اللحمة والولاء داخل التنظيم الإخواني والجماعات الإرهابية الأخرى، و"الجهاد" الذي أضيف إلى أركان الإسلام الخمس المعروفة (الشهادة والصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج إلى مكة)، وحتمية المواجهة مع الآخر غير المسلم من الديانات والحضارات الأخرى، والتكفير رغم الجهل، وهذه أضافها سيد قطب مفكر الإخوان لكي يلغي استثناء الجاهلين بالدين الإسلامي من الوصف بالكفر.
ومن الثابت أن هذا الفكر الإخواني كان هو الذي تخرجت من ردائه الحركات الدينية العنيفة من "التكفير والهجرة" إلى "الجماعة الإسلامية" إلى تنظيمات "الجهاد" المختلفة. ومن هذه الجامعة العنيفة تخرجت أسماء نجوم الإرهاب العالمي مثل خالد شيخ محمد ومحمد عطا وأيمن الظواهري، حيث قضى جميعهم شطرا من حياتهم في حاضنة الإخوان التي تكونت فيها أفكارهم الأولى. أكثر من ذلك فإن جماعة الإخوان لم تكن فقط حاضنة، بل إنها في كثير من الأحيان كانت الممول ومصدر الإمداد والتموين للقاعدة وداعش في أفغانستان وسوريا ومصر، والجهاز الدعائي الكبير الذي يبرر الإرهاب والعمليات "الاستشهادية" سواء جرت ضد المسلمين أو الآخرين من الديانات والحضارات الأخرى.
وتشهد المسيرة التاريخية لجماعة الإخوان، سواء كانوا في مصر حيث كان التنظيم الأول، أم فروعها التي انتشرت في دول العالم المختلفة إلى نزعة للعنف بدأت من جعل "التنظيم الخاص" ذي الطبيعة العسكرية والسرية جزءا مهما من تنظيم المنظمة، وهو الذي كانت أول عملياته الإرهابية عندما تم اغتيال رئيس الوزراء المصري أحمد فهمي النقراشي والقاضي أحمد الخازندار وقائد الشرطة الأمنية الجنرال سليم زكي، ولم يسلم العهد الجمهوري من الإرهاب الذي جرى في العهد الملكي المصري، فقد جرت محاولة لاغتيال الرئيس جمال عبدالناصر، وتحت قيادة سيد قطب في منتصف ستينيات القرن الماضي جرت مؤامرة كبرى لنسف القناطر على النيل والسكك الحديدية، ورغم محاولات الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك للتهدئة واستيعاب الإخوان في الساحة السياسية المصرية فإن من قاموا باغتيال السادات كانوا من خريجي المدرسة الإرهابية الإخوانية، وعندما جرت ثورة 25 يناير 2011 في مصر فإن الإخوان فعّلوا "وحدات الدفاع الخاصة" المعروفة باسم "الجماعة 95"، لكي تنتهي معهم الطبيعة السلمية للثورة في 28 يناير 2011، حيث استخدمت القوة للهجوم على المنشآت العامة وأقسام الشرطة والمحاكم ومراكز التسوق مما أدى إلى مقتل 1075 مدنيا.
وكما ثبت في التحقيقات والمحاكمات التي لحقت بثورة 30 يونيو 2013 في مصر فقد قام الإخوان بالهجوم على السجون وإطلاق سراح ليس فقط زعماء الإخوان، وإنما المسجونون من "القاعدة" و"الجهاد الإسلامي" و"حزب الله" و"حماس"، والمتهمون في قضايا إرهابية سابقة.
وفي أعقاب فشل الإخوان في حكم مصر وقيام الشعب المصري بالثورة على حكمهم في 30 يونيو 2013، وإنهاء اعتصاماتهم في ميدان رابعة والتي كان من نتائجها مقتل 525 من بينهم 43 من الشرطة، فإن الجماعة قامت بهجمات على قسم شرطة كرداسة، حيث قتلت وشوهت جثث 14 من رجال الشرطة، وأحرقت 44 كنيسة، كما جرت سرقة وحرق متحف ملوي للآثار المصرية، وخلال الأعوام الثلاث التالية قام الإخوان إما منفردون أو بالتعاون مع منظمات إرهابية أخرى بعمليات إرهابية بلغت 1494 عملية، قتل فيها 900 من الشرطة، وتخريب وتدمير خطوط الكهرباء وتعطيل المواصلات العامة.
واعتبارا من عام 2016 أخرج الإخوان من جعبتهم مجموعات إرهابية تعمل في مناطق مصر المختلفة تحت اسم "العقاب الثوري"، و"حركة سواعد مصر"، و"أجناد الأرض"، و"لواء الثورة" و"المقاومة الشعبية"، وانضم عدد من أعضاء الإخوان إلى جماعة "داعش" أو قام بتقديم الأموال والإمداد كما حدث في محاولات إرهابية عديدة لا يزال النظر فيها جاريا أمام القضاء المصري.
لقد أعلنت مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وعدد من الدول العربية والإسلامية الأخرى أن جماعة الإخوان ما هي إلا جماعة إرهابية استنادا إلى فكرها وممارساتها، وأكثر من ذلك موقفها من الإرهاب، حيث لا توجد شهادة قاطعة من قبل الإخوان على إدانة العمليات الإرهابية لتنظيمات القاعدة وداعش دون إلحاقها بالكثير من التبريرات، ولا هي أدانت الأفكار المتطرفة لسيد قطب وغيره من أمراء الإرهاب، وأكثر من ذلك فإنها تخوض معركة إعلامية إرهابية ضد الدول الثلاث من قواعدها في تركيا وقطر.
الآن.. فإن الإخوان يخوضون معركتهم بالإضافة إلى كل ما سبق على الساحة الأمريكية، معتمدين في ذلك على شبكة واسعة من التنظيمات، والتمويل لأفراد وشُعَب، وربما آن الأوان لمواجهة إعلامية جادة لأن الحرب ضد الإرهاب لا توجد فقط على الساحات الوطنية، بل إنها ممتدة إلى العالم كله.