قمة وارسو.. مواجهة دولية لإرهاب إيران
أثار الإعلان عن عقد قمة وارسو قلق ومخاوف طهران، وانعكس ذلك في تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين استخدموا خطابا متوترا
"التهديد الإيراني حقيقي ويتعين عدم التواني في التصدي له" بهذه العبارة أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في كلمته أمام منتدى دافوس الذي انطلقت أعماله في 22 يناير/كانون الأول الجاري، عزم بلاده مواجهة إرهاب طهران.
وتأتي تشديدات بومبيو في أعقاب إعلانه خلال لقائه مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية في الـ11 من الشهر الجاري، عن تنظيم قمة دولية ستعقد يومي 13 و14 فبراير 2019 في بولندا بهدف وقف أنشطة إيران المهددة للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط.
وستعمل القمة على ألا يكون لإيران تأثير مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، كما ستناقش قضايا أخرى منها التطرف والإرهاب، وتطوير الصواريخ، والتجارة والأمن والتهديدات في منطقة الشرق الأوسط.
وبدأت الاستعدادات لعقد القمة بصورة مباشرة، حيث تم الإعلان عن توجيه دعوة لنحو 70 دولة للمشاركة في قمة وارسو على رأسها مجموعة من دول الخليج العربي والمغرب ومصر، ودول في الاتحاد الأوروبي.
الإعلان عن القمة خلال جولة "بومبيو" في الشرق الأوسط يشير إلى مجموعة من الدلالات لعل من أهمها سعي الولايات المتحدة للنأي بنفسها عن نهج أوباما الذي أعلنه خلال خطابه في جامعة القاهرة في 2009 بفتح صفحة جديدة مع الدول العربية والإسلامية، في حين شجع سياسات العناصر المتطرفة وخاصة إيران على التدخل في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول.
كذلك تمثل مواجهة النفوذ الإيراني الذي استشرى في بعض دول المنطقة كاليمن وسوريا والعراق وأيضا لبنان، وتتهم الولايات المتحدة طهران بالسعي لامتلاك سلاح نووي، فضلاً عن التدخلات في شؤون المنطقة عبر دعم جماعات تصنفها واشنطن إرهابية، مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة.
وأثار الإعلان عن عقد قمة وارسو قلق ومخاوف إيران، وانعكس ذلك في تصريحات مسؤوليها الذين استخدموا خطاباً متوتراً، حمل في طياته اتهامات مباشرة للأطراف الرئيسية في القمة بالعمل العدائي ضد إيران، حيث اعتبرت الخارجية الإيرانية أن عقد القمة "عمل عدائي" تقوم به واشنطن.
في حين ألقت تصريحات أخرى باللوم على الاتحاد الأوروبي بأنه أصبح رهينة للولايات المتحدة، كما جاء على لسان كمال خرازي رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية خلال استقباله مسؤولين من المعهد الإيطالي للشؤون الدولية مؤخراً "أن أوروبا أصبحت رهينة الولايات المتحدة، وأنها في انتظار مشكلات كبيرة في المستقبل بسبب الولايات المتحدة".
كما أشار إلى أن قمة وارسو تهدف لتكثيف الخلافات بين الدول الأوروبية. واعتبر حميد أبوطالبي المستشار السياسي للرئيس الإيراني أن قمة وارسو تهدف لإفشال الاستراتيجية الحالية للاتحاد الأوروبي إلى جانب اتخاذ خطوة ضد روسيا، ومحاولة لعزل إيران.
كذلك عمدت التصريحات الإيرانية إلى إضفاء صيغة أمنية على القمة، حيث اعتبر علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أنها "مؤتمر أمنى". ولم تخل هذه التصريحات من لغة التهكم كما جاء على لسان وزير خارجية بلاده محمد جواد ظريف الذي وصفها بأنها "سيرك"، والتلميح إلى مصير بعض الزعماء الذين شاركوا في قمم سابقة مناهضة لنظامه.
لم تقتصر التصريحات الإيرانية على واشنطن والاتحاد الأوروبي، بل توجه النقد المباشر إلى بولندا عقب الإعلان عن استضافة القمة، وأعلنت طهران مجموعة من الإجراءات منها: استدعاء القائم بالأعمال في السفارة البولندية لدى طهران وأبلغته احتجاج إيران على عقد قمة وارسو، واعتبرت أن استضافة القمة عملاً عدائياً ضد إيران، وحذرت من أنها يمكنها الرد بالمثل، كما أعلنت عن إلغاء أسبوع الفيلم البولندي المزمع تنظيمه نهاية يناير الجاري في إيران، إذا لم يتم التراجع عن استضافة القمة، وتبدأ بولندا في اتخاذ السلوك المناسب تجاه طهران. هذا في الوقت الذي ذكرت فيه تقارير إعلامية أن السفارة الإيرانية في بولندا أوقفت إصدار التأشيرات للمواطنين البولنديين، ورغم نفي ذلك لاحقاً، حذرت السلطات القنصلية البولندية البولنديين من السفر إلى طهران.
كذلك لجأت إيران إلى اجترار الماضي في محاولة لإثناء بولندا عن استضافة القمة، من خلال التذكير بإنقاذ إيران للبولنديين إبان الحرب العالمية الثانية، حيث فتحت إيران أبوابها لأكثر من 100 ألف بولندي، وقال محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني "لا يمكن للحكومة البولندية غسل العار.. أنقذت إيران البولنديين في الحرب العالمية الثانية"، مشيراً إلى أن بلاده استضافت 100 ألف بولندي إبان الحرب، ولكن الآن تستضيف (بولندا) عرضاً هزلياً مناوئا لإيران.
ورغم هذه الانتقادات اللاذعة من قبل إيران لبولندا، عمدت الأخيرة إلى تهدئة مخاوف إيران، حيث أصدرت الرئاسة البولندية بياناً ذكرت فيه أن المؤتمر ليس موجها ضد أحد، وأنها تحتضنه كبلد وسيط، كما أن من حقها عقد أي قمة. وأعلن وزير الخارجية البولندي أن بلاده تدعم جهود الاتحاد الأوروبي للحفاظ على اتفاقها النووي مع إيران.
كذلك لجأت إيران إلى التشكيك في نجاح القمة وتحقيق الأهداف التي تسعى إليها، من خلال تسويق فكرة أن الأزمات التي تشهدها بعض القوى الكبرى ستكون عاملاً رئيسيا في إفشالها، وأن عدم حضور تمثيل كاف ودون المستوى سيتسبب في إحراج الولايات المتحدة، حيث ذكرت صحيفة كيهان أن القمة ستكون بغير جدوى نتيجة الإغلاق الحكومي في أمريكا، ومظاهرات السترات الصفراء في فرنسا، ومعاناة بريطانيا من البريكست.
هناك تخوف داخل إيران من النتائج المتوقعة من القمة، ويمكن الإشارة إلى البعض منها:
1. عزل إيران وتشديد العقوبات: تهدف قمة وارسو إلى تشديد الضغوط على إيران على شكل عقوبات جديدة متشددة، تزيد الخناق على الاقتصاد الإيراني المنهك. وكانت الولايات المتحدة فرضت حزمتين من العقوبات على إيران عقب انسحابها من الاتفاق النووي في مايو الماضي، الأولى في أغسطس 2018، والثانية في نوفمبر الماضي. وأشارت مجلة "Front Page” في مقال نشرته بتاريخ 21/1/2019 أن العقوبات الأمريكية كان لها تأثير مباشر على الاقتصاد الإيراني، ما دفع النظام الإيراني للحد من تدخله العدواني في المنطقة، والحد من وجود عناصره في سوريا واليمن، ولكن لم يؤثر بصورة مباشرة على وجود الحرس الثوري في أفغانستان وباكستان والعراق.
وما يدفع في اتجاه العقوبات المشددة ضد إيران حدوث تحول في الموقف الأوروبي من العقوبات ضد إيران، حيث نأى الاتحاد الأوروبي بنفسه عن ذلك في البداية لحماية الشركات الأوروبية العاملة في إيران، ولكنه بدأ في فرض عقوبات في أعقاب قيام طهران بعمليات اغتيال وتفجير ضد المعارضين الإيرانيين في هولندا وفرنسا والدنمارك، حيث جمد مؤخراً الأصول التابعة لوحدة الأمن الداخلية في وزارة الاستخبارات الإيرانية، الأمر الذي حدا بإيران لإظهار مواقف عدائية تجاه أوروبا في العلن، كما حدث خلال اجتماع بين مسؤولين إيرانيين ودبلوماسيين أوروبيين في 8 يناير الجاري بوزارة الخارجية الإيرانية، حيث اشتكى الدبلوماسيون الأوربيون من أن أوروبا لم تعد قادرة على تحمل تجارب الصواريخ الباليستية في إيران ومؤامرات الاغتيال على الأراضي الأوروبية.
كما انضمت دول أصغر حجماً في الاتحاد الأوروبي إلى فرنسا وبريطانيا للنظر في فرض عقوبات اقتصادية جديدة، ويشمل ذلك تجميد أصول وحظر سفر على المسؤولين عن البرنامج النووي الإيراني، وعلى إيرانيين يطورون برنامج الصواريخ الباليستية. كذلك هناك إعادة تفكير من جانب فرنسا وبريطانيا وألمانيا في فرض عقوبات كانت اقترحتها على ترامب مارس الماضي في إطار المساعي لإقناعه بالبقاء في الاتفاق النووي، تشمل هذه العقوبات تجميد أرصدة الحرس الثوري الإيراني، وشركات وجماعات إيرانية تطور برنامج إيران الصاروخي وفرض حظر سفر عليها.
كذلك يعكس سلوك إيران المراوغ تجاه الالتزامات الدولية تقارباً في المواقف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات المشددة، حيث تجاهلت إيران تحذيرات أمريكية وفرنسية بشأن القرار 2231 الذي يتضمن بناء الثقة في الطابع السلمي لبرنامج إيران النووي، كما كشف علي أكبر صالحي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة النووية عن تمهيدات لتخصيب وقود اليورانيوم بنسبة نقاء 20%، وأن إيران جاهزة لبلوغ تخصيب اليورانيوم في وقت قريب، وهو تلويح باستعداد إيران لمغادرة الاتفاق النووي. وهو ما يتواكب مع تلويح بالتهديد مماثل جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته للهند مطلع يناير الجاري، لإنهاء الاتفاق النووي الذي تتمسك به بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
وفي حال الاتفاق الأمريكي البريطاني على عقوبات جديدة فإن ذلك سيفاقم الأوضاع في إيران، ويزيد من وطأة الأزمات على النظام، حيث خلفت العقوبات الأمريكية ترديا واضحا في الاقتصاد، الذي عانى من البطالة والتضخم ووصل إلى 8,1% عام 2017، وانخفضت قيمة العملة الوطنية، وامتد تأثير العقوبات إلى الشعب الإيراني الذي احتج الكثير منه ضد غلاء المعيشة والفساد والبطالة، وانتقلت مظاهر الاحتجاج إلى مناهضة الحكومة.
2. تكرار سيناريو مؤتمر غوادلوب: الذي عقدته الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا في جزيرة غوادلوب الفرنسية بين 4 و7 يناير 1979، وناقشت فيه أزمة إيران قبل رحيل الشاه، وتردد أن قرار الإحاطة بالشاه اتخذ في هذا المؤتمر، بحسب وثائق سرية كشفت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية في يونيو 2018. وفى راوية "بي بي سي" الفارسية بحسب جريدة الشرق الأوسط في 4 يونيو 2016، أن الرئيس الأمريكي كارتر أبلغ نظراءه الأوروبيين في اجتماع غير معلن لمجلس الأمن في واشنطن سبق مؤتمر غوادلوب عن قرار نهاية محمد رضا بهلول ولزوم مغادرته إيران. وبعد وقت قصير من عقد المؤتمر، وفى 11 فبراير 1979 سقط نظام الشاه.
3. العمل العسكري، رغم تحذير علي خامئنى مرشد الثورة الإيرانية من صيف ساخن يهدف إلى تغيير النظام الإيراني، وما تناقلته بعض التقارير الإعلامية بشأن إنجاز الإدارة الأمريكية منذ فترة خطة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران في حال اقتضت الظروف السياسية، وأن وزارة الدفاع الأمريكية بصدد ضرب إيران، بعد طلب جون بولتون مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي قبل بضعة أشهر من الوزارة تقديم خطة لمهاجمة إيران، فإن هناك إشكاليات متعددة تحيط بهذا الأمر منها:
أ. حدوث مواجهة بين الإيرانيين والجنود الأمريكيين المنتشرين في العراق وسوريا من ناحية، والمليشيات العراقية والسورية واللبنانية الموالية لإيران والمنتشرة في هذه البلدان من ناحية أخرى.
ب. استهداف إيران القوات الأمريكية الموجودة في الخليج.
جـ. استهداف إيران والمليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط المصالح الاقتصادية الأمريكية، ما سيؤدى لارتفاع النفط وهو ما يصب في مصلحة روسيا وفنزويلا.
د. تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، حيث أعلن صندوق النقد الدولي في منتدى دافوس الذي انطلقت أعماله الثلاثاء الماضي، أن نمو الاقتصاد العالمي لا يزال صامدا، لكنه يتباطأ بأسرع من المتوقع نتيجة التوترات التجارية والمخاطر السياسية مثل بريكست، والمظاهرات في فرنسا، وخفض الصندوق توقعاته للنمو في عامي 2019 و2020، وهو ما أثر بدوره على الأسواق المالية، وأسعار النفط التي انخفضت بنسبة 2% في 22/1/2019.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDcuMTEg
جزيرة ام اند امز