هجمة جمركية أمريكية تعيد رسم خريطة التجارة الإلكترونية العالمية
تهديد هيمنة منصتي Temu وShein

في ضربة مفاجئة قد تعيد رسم خريطة التجارة الإلكترونية العالمية، أعلنت الولايات المتحدة وقف الإعفاءات الجمركية عن الطرود الصغيرة القادمة من الصين، موجّهة بذلك ضربة مباشرة إلى عملاقي البيع بالتجزئة عبر الإنترنت Temu وShein.
ويدخل هذا القرار حيز التنفيذ وسط تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.
ويُعدّ القرار محاولة صريحة لكبح النمو الصيني السريع الذي طالما استفاد من نموذج "من المصنع إلى المستهلك". لكن هل تكون هذه الرسوم بداية نهاية طفرة المنتجات الصينية الرخيصة التي اجتاحت الأسواق الغربية؟
من جانبه، قال الدكتور جان كليمان دوبريه، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة ليون لـ"العين الإخبارية" إن "القرار الأمريكي يُعدّ بمثابة رسالة مزدوجة: اقتصادية وجيوسياسية".
وأضاف: "من جهة، هو محاولة لحماية السوق الأمريكية من الإغراق الصيني، ومن جهة أخرى، هو ضغط سياسي ضمن التوترات المتصاعدة مع بكين. لكن الأهم هو أن هذا القرار قد يُجبر Temu وShein على إعادة النظر في استراتيجيات التسعير والنقل وحتى في أماكن التصنيع".
بدوره، قال الخبير الاقتصادي سيرج بيلانجر، مستشار في شؤون التجارة الدولية بمركز الدراسات الأوروبية لـ"العين الإخبارية": "نحن أمام بداية نهاية نموذج الاستيراد الرخيص غير الخاضع للرقابة الجمركية، والذي استفادت منه الشركات الصينية لسنوات.
وتابع: "لكن في المقابل، لا يجب أن نغفل أن هذه الرسوم ستؤدي لارتفاع التضخم الاستهلاكي في الولايات المتحدة، وقد تُؤثر على سلوك المستهلك الأمريكي قصير الأجل".
واعتبارًا من الجمعة، لم تعد الطرود الصينية التي تقل قيمتها عن 800 دولار معفاة من الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، أعلنت شركتا Shein وTemuعن زيادات كبيرة في الأسعار.
وتُصبح تأثيرات الرسوم الجمركية محسوسة أكثر فأكثر من قِبل المستهلكين الأمريكيين. فبداية من هذا التاريخ، أصبحت الطرود القادمة من الصين، خاصة تلك التي تحتوي على ملابس رخيصة من عمالقة التجارة الإلكترونية مثل Shein وTemu، خاضعة لرسوم جمركية إضافية في الولايات المتحدة.
- «اصنع في الإمارات».. السيارات الكهربائية تزخر بالفرص في سوق واعد
- فرنسا تدخل على خط إعادة إعمار ليبيا.. سباق على «الكعكة المليارية»
وفي إطار الحرب التجارية بين القوتين العالميتين، قررت واشنطن إنهاء الإعفاء الجمركي الممنوح للشحنات القادمة من الصين وهونغ كونغ بقيمة لا تتجاوز 800 دولار. وهو الإجراء الذي كان قد مكّن المنصات الصينية من التوسع السريع في السوق الأمريكية.
وعملياً، فإن الطرود التي تُنقل عبر شركات الشحن الخاصة مثل UPS وFedEx باتت خاضعة لرسوم جمركية بنسبة 145%، شأنها شأن كافة المنتجات الصينية التي تعبر الحدود الأمريكية منذ مطلع أبريل/نيسان. أما تلك التي تُنقل عبر الخدمات البريدية، فستخضع إما لرسوم بنسبة 120% من قيمتها، أو لرسوم ثابتة تبلغ 100 دولار، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 200 دولار اعتبارًا من 1 يونيو/حزيران.
وهكذا، فإن المستهلك الأمريكي هو من سيتحمّل جزءاً من الفاتورة. فقد أعلنت Temu وShein الأسبوع الماضي عن زيادات كبيرة في أسعار منتجاتهما لتعويض أثر الرسوم الجمركية.
وبحسب وكالة بلومبيرغ، ارتفع متوسط أسعار أبرز 100 منتج في فئة "الجمال والصحة" على منصة Shein بنسبة 51%. كما شهدت فئات الأثاث والألعاب زيادات تفوق 30%. وفي بعض الحالات، تجاوزت الزيادة ثلاثة أضعاف، مثل مجموعة مكونة من 10 مناشف ارتفع سعرها بنسبة 377%..
4 ملايين طرد يوميًا كانت معفاة
وفقاً للبيت الأبيض، كانت الولايات المتحدة تستقبل يوميًا أكثر من 4 ملايين طرد معفى من الرسوم، أغلبها قادم من الصين وهونغ كونغ. ومع انتهاء الإعفاء، يتوقع مراقبون أن تتغير حركة التجارة والاستهلاك بشكل جذري، خاصة أن ملايين الأمريكيين اعتادوا شراء منتجات رخيصة الثمن من Temu وShein. ويقول المعهد الأمريكي للاستهلاك إن إلغاء هذا الإعفاء سيكلف المستهلكين والشركات ما يصل إلى 47 مليار دولار.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في فبراير/شباط الماضي نيته إعادة فرض الرسوم الجمركية على هذه الشحنات الصغيرة، قبل أن يعلّق القرار مؤقتًا لمنح الإدارة الأمريكية الوقت الكافي للاستعداد.
وتتهم واشنطن بعض الشركات الصينية بإخفاء مواد محظورة داخل هذه الطرود الصغيرة، مثل مكونات كيميائية تُستخدم في تصنيع الفنتانيل، وهو أفيون صناعي قوي أدى إلى عدد كبير من حالات الوفاة نتيجة الجرعة الزائدة في الولايات المتحدة.
وفي مواجهة تضخم عدد الطرود المستوردة، اقترحت فرنسا الأسبوع الماضي فرض "رسوم إدارية" على الطرود القادمة من خارج الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع تطبيقها بين عامي 2026 و2028، في انتظار أن تُلغى الإعفاءات الجمركية الحالية عن الطرود التي تقل قيمتها عن 150 يورو (169.5 دولار).