قانون خفض التضخم.. أكبر عمل مناخي في تاريخ البشرية
لأول مرة منذ سنوات، يمكن للولايات المتحدة المشاركة في قمة المناخ، وهي مزودة بإرادة قوية على إحداث تغيير، وليس فقط لمجرد الحديث.
بعد عقود من الشد والجذب، أقدمت الإدارة الأمريكية على اتخاذ خطوات إيجابية لمعالجة أزمة تغير المناخ، من خلال إطلاق تعهدات طموحة بخفض كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإصدار تشريع قانوني لخفض التضخم، يراه الخبراء أنه خطوة مهمة لتجنب تغيرات مناخية كارثية، بدأت بالفعل تضرب مناطق مختلفة من العالم، في غضون الشهور الماضية.
وبينما تشير تقديرات الوكالات الدولية إلى أن الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الثانية ضمن الدول الأكثر إسهاماً في الانبعاثات الحرارية، بنسبة تصل إلى 12% من حجم الانبعاثات العالمية، كما أنها مازالت صاحبة أعلى معدا عالمي بالنسبة لنصيب الفرد من الانبعاثات، يرى خبراء ومسؤولون أمريكيون أن إدارة الرئيس جو بايدن، تسعى جدياً لتغيير هذه الصورة السلبية.
معالجة أزمة المناخ "واجب أخلاقي"
ففي العام الأول لدخوله البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة، أعلن الرئيس جو بايدن، أمام قمة افتراضية بشأن تغير المناخ، ضمت حوالي 40 من زعماء العالم، تعهد بلاده بخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030، بنسبة تزيد على نصف المستويات المسجلة في عام 2005، وهو تعهد يزيد بمقدار الضعف عن وعود أمريكية سابقة.
وقال بايدن إن "العلماء يخبروننا بأن هذا هو العقد الحاسم الذي يجب أن نتخذ فيه قرارات من شأنها تجنب أسوأ العواقب الناجمة عن أزمة المناخ"، واعتبر أن هناك "واجب أخلاقي يحتم علينا العمل فوراً بشأن تغير المناخ"، وأضاف: "المؤشرات واضحة، والعلم لا ينكره أحد، وتكلفة التقاعس عن العمل تزداد بشكل مستمر"، وشدد على أن الولايات المتحدة لديها عزم على اتخاذ إجراء لمعالجة أزمة المناخ.
وفيما يتعلق بجهود الولايات المتحدة لتحقيق هدف اتفاق باريس، دعا بايدن إلى العمل من أجل الحفاظ على عدم ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وحذر من أن تجاوز هذا الحد يعني وقوع المزيد من الكوارث المدمرة، مثل الحرائق والفيضانات والجفاف وموجات الحر والأعاصير، التي باتت تهدد سبل العيش في مناطق متفرقة من العالم.
بحسب المستشارة الوطنية الأولى للمناخ في البيت الأبيض والمديرة السابقة لوكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، جينا مكارثي، فإن أهداف الولايات المتحدة الخاصة باتفاق باريس، والتي تتمثل في خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى أقل من المستويات المسجلة في عام 2005، بنسبة تتراوح بين 50 و52%، بحلول عام 2030، أصبحت الآن "في متناول اليد".
- تغير المناخ يضرب أكبر محميات الغرب الأمريكي بلا هوادة
- خسائر كوارث المناخ الكبرى في أمريكا.. رقم قياسي غير مسبوق
تغييرات جذرية في طريقة الحياة الأمريكية
وتقول "مكارثي" إن الولايات المتحدة تستطيع أن تتوجه إلى قمة المناخ، وهي مستعدة للسير على الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف المناخية، وليس لمجرد تبادل الحديث، في إشارة إلى مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة بين 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، و12 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
يعتبر ناثانيل كوهان، من المنظمة الأمريكية للدفاع عن البيئة (AIDA)، أن الرئيس بايدن جعل من قضية المناخ تحتل محوراً رئيسياً على جدول أعمال إدارته منذ الشهور الأولى له في البيت الأبيض، ووصف تعهد الرئيس الأمريكي بخفض الانبعاثات بنسبة تزيد على نصف مستوياتها في 2005، قبل نهاية العقد الحالي، بأنه "هدف جرئ للغاية" يأتي استجابة لمتطلبات أزمة المناخ العالمية.
ويرى "كوهان"، بحسب بيان رسمي على موقع المنظمة، أن تعهدات بايدن تنسجم مع ما يقوله العلم بضرورة خفض الانبعاثات، كما تضع الولايات المتحدة على المسار الصحيح في قيادة الطموح المناخي، إلا أنه يعني حدوث تغييرات جذرية في طريقة الحياة الأمريكية، منها التوقف تماماً عن استخدام الفحم في محطات الطاقة، وتحويل ملايين السيارات والشاحنات للعمل بالكهرباء.
أكبر إجراء مناخي في تاريخ البشرية
وبينما يعتبر الرئيس الأمريكي التشريع الجديد لخفض التضخم، الذي أقره الكونغرس العام الماضي، "خطوة كبيرة إلى الأمام"، يصفه السيناتور الديمقراطي، براين شاتز، بأنه "أكبر إجراء مناخي في تاريخ البشرية"، من خلال تخصيص استثمارات بقيمة 369 مليار دولار لبرامج أمن الطاقة وتغير المناخ، على مدى 10 سنوات، والحد من انبعاثات الكربون بنسبة 40% بحلول عام 2030.
كما تصف خبيرة سياسة المناخ في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، ليا ستوكس، قانون خفض التضخم بأنه "فرصة سانحة لمعالجة أزمة المناخ"، مشيرةً إلى أنه خلال السنة الأولى بعد دخول التشريع الجديد حيز التنفيذ، تم الإعلان عن تنفيذ مشروعات في 44 ولاية أمريكية، تساعد في توفير أكثر 170 ألف وظيفة جديدة في قطاع الطاقة النظيفة، باستثمارات تُقدر بنحو 278 مليار دولار.
وترى «ستوكس» أن التأثيرات الإيجابية لقانون الحد من التضخم لم تقتصر فقط على الداخل الأمريكي، بل أدى إلى تحفيز عدد آخر من الدول في أنحاء العالم، خاصةً الاقتصادات الكبرى، التي سارعت بتطوير خططها المناخية، عن طريق إتاحة مزيد من الفرص الاستثمارية في مشروعات خفض الانبعاثات الكربونية، وزيادة الوظائف في قطاع الطاقة النظيفة، وتحسين الظروف الصحية بالمجتمعات المحلية.
وفي مثال على ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي عن سياسية صناعية جديدة للصفقة الخضراء، كما قررت الحكومة الكندية منح إعفاءات ضريبية هائلة لتحفيز إنتاج مكونات السيارات الكهربائية، فيما كشفت فرنسا عن إطار المناخ الجديد، وتخطط ألمانيا للتوسع في تصنيع خلايا البطاريات لتخزين الطاقة، وإنشاء مركز جديد لإنتاج الهيدروجين.
- COP28 يفتح دفتر أحوال المناخ.. تخفيف الانبعاثات مسؤولية مشتركة
- الغابات الأمريكية المطيرة رهينة "فخ المناخ".. هل تنجو؟!
"مستند حقائق" من البيت الأبيض إلى قمة المناخ
وبينما تواصل الإدارة الأمريكية إعداد ملفاتها لضمان المشاركة المتميزة للرئيس جو بايدن في مؤتمر (COP28) أواخر العام الجاري، بعد مشاركته في مؤتمر العام الماضي بشرم الشيخ، أصدر البيت الأبيض وثيقة باسم "مستند حقائق"، تتضمن أبرز المبادرات والأولويات الرئيسية لدفع جهود العمل المناخي، سواء في الداخل الأمريكي أو على الصعيد العالمي.
وثيقة "مستند حقائق"، التي حصلت عليها "العين الإخبارية"، تشبه إلى حد كبير التقارير الطوعية التي من المقرر أن تقدمها الدول المختلفة أمام مؤتمر الأطراف في دبي، الذي من المقرر أن يستعرض التقييم العالمي الأول للتقدم المحرز فيما يتعلق بالأهداف الطموحة لاتفاق باريس.
تتضمن الوثيقة تعهد الولايات المتحدة بالعمل مع الشركاء لتعزيز الطموح العالمي في تسريع نمو اقتصاد الطاقة النظيفة، وتجنّب الآثار الأكثر كارثية لتغير المناخ، ومساعدة البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط على بناء قدرتها على الصمود أمام تأثيرات المناخ.
ومن ضمن ما تعهدت به الإدارة الأمريكية بشأن قيادة الجهود العالمية للحفاظ على هدف الـ1.5 درجة في متناول اليد، من خلال خطة الحفاظ على الغابات العالمية، وتعبئة التمويل المناخي، وتعزيز تنفيذ التعهد العالمي بشأن الميثان، وإزالة الكربون من وسائل النقل، وتسريع الابتكار ونشر تقنيات الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى تعزيز الأمن الغذائي.
كما تشير وثيقة "مستند حقائق" إلى تعهد الرئيس بايدن بالعمل مع الكونغرس لرفع إجمالي التمويل الأمريكي للمناخ الدولي إلى ما يربو على 11 مليار دولار سنوياُ، مما يجعل الولايات المتحدة أكبر مساهم منفرد في تمويل قضايا المناخ، بالإضافة إلى تحفيز البلدان المختلفة والقطاع الخاص، ليس فقط على تنفيذ الالتزامات والأهداف الحالية، وإنما أيضاً على سد الفجوة بين التعهدات الحالية وبين الاحتياجات الضرورية.
وتعمل الولايات المتحدة على تشجيع المجتمع الدولي من أجل الإسراع في تقديم الدعم للدول المعرضة للخطر، لتعزيز قدرتها على تنفيذ جهود التكيف، بالإضافة إلى زيادة دعمها لبرامج التكيف والمرونة، وعلى نحو سريع، لمساعدة أكثر من نصف مليار شخص في البلدان النامية، على التكيف مع آثار تغير المناخ وإدارتها، وذلك من خلال خطة الطوارئ الرئاسية للتكيف والمرونة والاستعداد.
وتشير الوثيقة إلى أن الولايات المتحدة تبذل جهودها لتسريع نمو اقتصاد الطاقة النظيفة المنصف، بهدف خفض تكاليف استهلاك الطاقة، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما تعمل إدارة الرئيس بايدن على دفع الكفاح العالمي للمناخ، ومساعدة الأطراف الأشد ضعفاً على بناء القدرة على الصمود أمام تأثيرات المناخ.