سنوات الخوف.. وفيات محتملة بفعل تغير المناخ في أمريكا
هناك حالات وفاة سنوية تعزى إلى الحرارة أكثر من الكوارث الجوية الأخرى، بما في ذلك الفيضانات والأعاصير، ما ينذر بسنوات من الخوف بالولايات.
فعندما يتعلق الأمر بالمخاطر المرتبطة بالطقس في الولايات المتحدة، فإن الحرارة الشديدة تتسبب في خسائر فادحة.
الوفيات الناجمة عن درجات الحرارة
تُعد الوفيات الناجمة عن درجات الحرارة القصوى من أكثر آثار تغير المناخ إثارة للقلق. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تتسبب الحرارة في حدوث معدلات وفيات أكبر كل عام مقارنة بأي حدث مناخي آخر، حيث تجاوزت الوفيات المرتبطة بالحرارة، الوفيات الناجمة عن الأعاصير والفيضانات وغيرها من مخاطر الطقس على مدار الثلاثين عامًا الماضية..
وتُشير التوقعات إلى تزايد أعداد الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة بسرعة مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، ولكن هذا يرجع في الأساس إلى تزايد شيخوخة السكان. فنجد أنه مع انخفاض متوسط الاحترار العالمي لمستويات أقل من 3 درجات مئوية، بالتبعية انخفاض بشكل طفيف في معدلات الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة، ولكن مع ارتفاع متوسط الاحترار العالمي فوق مستويات 3 درجات مئوية، نجد ارتفاع ملحوظ في أعداد الوفيات. وذلك لأن الزيادة في الوفيات المرتبطة بالحرارة تتجاوز الانخفاض المرتبط بالبرد وذلك يرجع بشكل رئيس لعدم قدرة المجتمعات على التكيف؛ حيث إن المدن في شمال الولايات المتحدة ليست متكيفة بشكل جيد مع درجات الحرارة المرتفعة.
كما تُشير تقارير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أيضًا إلى حدوث ما بين 600 إلى 700 حالة وفاة بسبب الحرارة سنويًا في الولايات المتحدة. كما قدرت دراسة نشرت الشهر الماضي في مجلة Nature Medicine وقوع أكثر من 61 ألف حالة وفاة مرتبطة بالحرارة في الصيف الماضي في جميع أنحاء أوروبا، والتي تضم ما يقرب من ضعف سكان الولايات المتحدة. فضلًا عن وجود 59 حالة وفاة مرتبطة بالحرارة تم تأكيدها هذا العام حتى 5 أغسطس في الولايات المتحدة، مع وجود 345 حالة أخرى قيد التحقيق. ويأتي هذا العدد الأخير بعد الشهر الأكثر سخونة في ولاية فينيكس.
وفي هذا الإطار، يذكر الخبراء أن هذا الاتجاه مُثير للقلق، حيث أنه من المتوقع أن تزداد وتيرة وشدة أحداث الحرارة بسبب تغير المناخ. ومن جانيه أشار "كريس أوجيو"، الأستاذ المساعد في جامعة ولاية فلوريدا إلى أن البلاد تشهد بالفعل تأثيرًا كبيرًا اليوم، وأن موجات الحر أصبحت أكثر تواترًا وشدة وأطول أمدًا أوسع انتشارًا في كافة الأرجاء، كما أوضح أن سبب الارتفاع في درجات الحرارة يعزى إلى ضخ البشر للغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، التي بدورها تؤدي إلى احتمالية حدوث موجات الحرارة أكثر شدة.
في هذا الصيف بالفعل، تم تحطيم درجات الحرارة القياسية في معظم أنحاء البلاد، من أجزاء من شمال غرب المحيط الهادئ، عبر السهول الجنوبية، عبر الجنوب إلى الشمال الشرقي؛ حيث سجلت موجة الحر في شهر يوليو والتي غطت مساحة كبيرة من الولايات المتحدة أكثر من 350 رقمًا قياسيًا جديدًا لدرجات الحرارة المرتفعة يوميًا، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. لكن الظروف الحارة خلال موجات الحر ليست فقط هي التي تثير القلق، وفقًا لما ذكره أويجيو. حيث إنه مع ارتفاع درجة حرارة العالم، هناك مخاطر مرتبطة بالتعرض المزمن للحرارة، خاصة عندما تقترن بضغوط اجتماعية واقتصادية أخرى.
- مؤشر مخاطر الحرارة الحضرية في فلوريدا... ما هو وما استنتاجاته؟
- تعليق "خطير" من الحكومة الأمريكية بشأن درجات الحرارة في 2023 و2024
من هم الأكثر عرضة للخطر؟
تؤثر الوفيات المرتبطة بالحرارة في الولايات المتحدة بشكل غير متناسب على مجتمعات الأمريكيين، مما يكشف عن تفاوتات صارخة مرتبطة بأزمة المناخ، حيث تواجه بعض المجموعات السكانية بالفعل مخاطر أعلى للوفاة المرتبطة بالحرارة، وستؤدي الزيادات في تقلب درجات الحرارة في الصيف إلى زيادة هذا الخطر.
وذكر "أويجيو" إن هذه المخاطر، جغرافيًا، غالبًا ما تتجمع داخل الأحياء ذات الدخل المنخفض في المدن الحضرية أو في المناطق الريفية من البلاد. فعندما يتعرض الأفراد للحرارة الشديدة، يمكن أن يعانون من أمراض مميتة، مثل الإنهاك الحراري وضربة الشمس. يمكن أن تساهم درجات الحرارة المرتفعة أيضًا في الوفيات الناجمة عن النوبات القلبية والسكتات الدماغية وغيرها من أشكال أمراض القلب والأوعية الدموية. لذا تُعد الحرارة هي السبب الرئيس للوفاة المرتبطة بالطقس في الولايات المتحدة، على الرغم من أن معظم الوفيات المرتبطة بالحرارة يمكن الوقاية منها من خلال التوعية والتدخل السريع.
هذا، وتتمثل الفئات الأكثر عرضة لخطر الوفاة جراء الحرارة المرتفعة: في الأفراد الذين تصل أعمارهم 65 عامًا فيما فوق، فضلًا عن الأطفال، حيث أن أجسادهم أقل قدرة على التكيف مع الحرارة من البالغين، ويجب عليهم الاعتماد على الآخرين للمساعدة في الحفاظ على سلامتهم، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يعانون من أمراض معينة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي، معرضون بشكل خاص للتعرض المفرط للحرارة، وكذلك المحرومين اقتصاديًا.
الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة في المستقبل
من المتوقع أن يصل النمو السكاني إلى ما يقرب من 10 مليارات نسمة بحلول عام 2060. وبحكم التعريف تقريبًا، سيكون لهذا تأثير قوي على الانبعاثات العالمية: فالمزيد من الناس يستهلكون المزيد من الموارد، ويطلقون المزيد من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي ويتطلبون إنتاج الغذاء على نطاق واسع، وكل هذا يؤدي إلى تفاقم مستويات الانبعاثات وارتفاع درجات الحرارة.
تُشير التحليلات التنبؤية إلى أن الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة في الولايات المتحدة ستزداد بمقدار خمسة أضعاف مع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية، كما ستتحول أيضًا نحو الشمال بسبب زيادة الوفيات المرتبطة بالحرارة في المدن الشمالية التي لا تتكيف مع الحرارة بشكل جيد. وبناءً عليه، نجد أن التغيرات في التركيبة السكانية هي المحرك الأكثر أهمية للوفيات في المستقبل، ومن ثم تغير المناخ. وبالتالي فإن فهم الروابط بين الديناميات السكانية وأسباب تغير المناخ وعواقبه سيساعد في تصميم سياسات مستقبلية من أجل كوكب أكثر اخضرارًا.
aXA6IDE4LjIxOC4zOC42NyA=
جزيرة ام اند امز