تمثل إيران بطبيعة الحال، وما تحمله من مخاطر على الأمن القومي العربي عامة والخليجي خاصة هدفا لتعامل هذا التحالف المستهدف في الوقت الراهن
أطلقت الإدارة الأمريكية الدعوة لتشكيل التحالف الأمني العربي الأمريكي، والذي حمل عنوانا يعرف بـ"ميسا" أو"تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" لمواجهة التحديات والمخاطر المشتركة في منطقة الشرق الأوسط؛ والعمل معا من أجل علاقات أكثر استراتيجية، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية تسعى للدخول في تحالفات جديدة عربية وشرق أوسطية، ستبدأ بدول الخليج العربي إضافة لكل من الأردن ومصر في إشارة إلى أن الإدارة سترتب الأجواء في الفترة المقبلة للتوصل إلى صيغة جديدة لتنفيذ ما تستهدفه بعد أن استنفد التحالف من أجل مواجهة الإرهاب أغراضه بهزيمة تنظيم داعش، وانتهاء الحرب في العراق وخروج التنظيم من سوريا برغم ما هو قائم في معركة إدلب وتداعياتها المقبلة ليس في سوريا، وإنما أيضا في تركيا وإيران والعراق والأردن .
الدول العربية المدعوة للمشاركة في التحالف الأمريكي الجديد مطالبة بإعادة ترتيب مواقفها وتحديد خياراتها وتنسيق توجهاتها في ظل ما يجري ويخطط له أمريكيا وروسيا وإقليميا من خلال إيران وتركيا وإسرائيل، وهي القوى التي تسعى للتعامل مع التطورات والأوضاع العربية بصورة مباشرة.
أولا : تمثل الدعوة الأمريكية هدفا حقيقيا للإدارة لترجمة الأقوال بالأفعال، وهو ما يعني أن الإدارة لن تقبل بأنصاف حلول وأشباه خيارات في الوقت الراهن من دول بعينها، وتحديدا من مصر والأردن في إطار أن التحالف مع البلدين سيرتب بالفعل صورا جديدة للعلاقات الاستراتيجية، وسيترجم لالتزامات حقيقية كاملة، وربما تفاهمات في مسارح العمليات مما سيعني أن الإدارة الأمريكية ستستثمر في طبيعة العلاقات الراهنة مع هذه الدول، والتي وصلت لدرجة مهمة من التعاون الأمني والاستخباراتي والاستراتيجي اتضح في جملة المواقف الأخيرة، وإجراء مناورات النجم الساطع، ومن قبلها التدريبات البحرية التي شارك فيها الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية، ما يعني أن الإدارة تتخذ قرار تشكيل تحالف استراتيجي في توقيت مهم وله دلالاته من حيث التوقيت والغاية والهدف الاستراتيجي، وهو ما ينطبق أيضا على موقف دول الخليج العربي التي باتت تمثل ركنا ركينا في الاستراتيجية الأمريكية، وفي ظل مسعى لتنمية العلاقات الخليجية الأمريكية.
ومن ثم فإن ترجمة ما تخطط له الإدارة يصب في اتجاه مستقبلي بالنسبة للعلاقات الأمريكية، ودول الخليج ومصر والأردن، وهما الدولتان اللتان ترتبطان بعلاقات استراتيجية حقيقية وتحالف مستقر وآمن بصرف النظر عن الرسائل التي قد تطلقها الأردن بالنسبة لطبيعة علاقاتها مع قطر وإيران، والتي لم تمنع السعودية من عقد قمة مكة لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي في الأردن، والرسالة واحدة ومباشرة أن هذه الدول قد تكون النواة الأولي لتحالف أوسع وأشمل لاحقا .
ثانيا: تمثل إيران بطبيعة الحال، وما تحمله من مخاطر على الأمن القومي العربي عامة والخليجي خاصة هدفا لتعامل هذا التحالف المستهدف في الوقت الراهن؛ خاصة أن إيران ستظل تمثل تهديدا حقيقيا لدول الخليج، وهو ما سيتطلب رسم السياسات الأمريكية، وتحديد مجالات تحركها في مواجهة ما يجري إيرانيا، وفي ظل استراتيجية أمريكية كاملة تدعو لتطويق النظام الإيراني، والتعامل معه مع التحرك في تفعيل نظام العقوبات في المرحلة الثانية بهدف تغيير سلوك وتوجه النظام الإيراني، ومحاولة استيعابه بصورة كاملة، والعمل على استعادته بدون أن يمثل تهديدا حقيقيا لدول جواره، وهو هدف مثالي في ظل ما يمثله الجانب الإيراني من تهديدات كاملة ومسعى حقيقي لتصدير رؤيته وفرض مواقفه، والعمل على تطويع الدول العربية لأهدافه وطموحاته التي فاقت كل تصور؛ خاصة مع استمراره من خلال أدواته في اليمن وسوريا والعراق وغزة وغيرها، مما يتطلب مراجعة مجمل ما يجري إيرانيا، وهو ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية لكن وبنفس التصور لا تزال الإدارة الأمريكية لا تمتلك الإرادة السياسية الحقيقية للتعامل مع الحالة الإيرانية بكل معطياتها الراهنة، وما تمثله من مخاطر وتتعامل الإدارة الأمريكية من منطق حسابات المكسب والخسارة التي تدفعها لإعادة تشكيل تحالف عربي أمريكي لمواجهة ما يجري في الإقليم من متغيرات حقيقية وتحديات مشتركة على رأسها التهديد الإيراني المتصاعد بقوة.
ثالثا : ليس بخاف أن الإدارة الأمريكية التي عادت لتلتحق بالترتيبات الأمنية والاستراتيجية بصورة واضحة في الشرق الأوسط، سواء في إطار الحرب علي الإرهاب، أو إعادة التمركز في سوريا والإعلان عن استمرار مواجهة تنظيم داعش والإعلان عن دعم إسرائيل اللامحدود، وإعادة بناء شراكات واضحة وقوية مع مصر بعد سنوات التحفظ مع الإدارة الأمريكية السابقة، والإعلان عن دعم الأسرة الهاشمية، والتأكيد على نمط العلاقات الأردنية الأمريكية في مواجهة أي تحديات تهدد الأردن، ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية تريد أن تنقل برسائل عاجلة إلى أطراف دولية مثل روسيا التي عادت إلى الإقليم بقوة، وما تزال تعيد تمركز قواتها في سوريا، وتنظر إلى التطورات الجارية في المنطقة على أنها تطورات مستمرة وعليها التواجد في قلبها استثمارا لعلاقاتها مع الإدارة الأمريكية في ملفات الأمن الأوروبي والتوازن في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي، وتحديدا فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، ومسألة رفع العقوبات بعد أحداث أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم وإيران المهدد الأكبر في الإقليم، والذي يعيد نشر قواته في سوريا وليس في جنوبها، رغم نجح الجانب الروسي في إبعاده إلى مسافة تصل إلى 85 كيلومترا لتأمين الحدود السورية الإسرائيلية، والمؤكد أن الإدارة الأمريكية تريد بناء تحالف استراتيجي عربي أمريكي لإحداث نوع من التواجد المباشر، وبناء تحالف في مواجهة ما يجري روسيا، إيرانيا وتركيا ويتم الآن في الملف السوري، وقد يمتد لاحقا إلى ملفات أخرى بطبيعة الحال، وهو ما تتحسب لتداعياته الإدارة الأمريكية، وتبحث فيه عن حضور وتواجد استراتيجي ميدانيا وسياسيا.
رابعا: سيكون مطلوبا من الدول العربية المرشحة للدخول في تحالف جديد مع الولايات المتحدة صياغة موقف عربي موحد قبل الشروع في العمل معا مع الولايات المتحدة، مع تحديد المتطلبات العربية استراتيجيا وسياسيا من هذا التحالف قبل الشروع في أي تحالف جديد في ظل مبدأ المصالح المشتركة، والمنافع المشتركة وليس مصلحة طرف فقط، وهو ما يجب على الإدارة الأمريكية تفهمه وإدراكه، فلا أحد في الإقليم يقف أمام مواجهة التهديدات الإيرانية، ولا أحد يتحفظ على إطار ومضمون ما تخطط له إيران للسيطرة على مقاليد الأوضاع في العواصم العربية تباعا، ولكن الأمر سيحتاج إلى تنسيق عربي أولا مع التأكيد على نمط وتوجه العلاقات العربية الأمريكية التي تقوم في الوقت الراهن على مصالح استراتيجية كاملة، وبما يقر الحاجة الملحة بناء شراكة على قدم المساواة مع الإدارة الأمريكية خاصة أن ما يجري ويخطط له إقليميا، وعلى مستوى العلاقات الأمريكية الروسية ينطلق من إعادة ترتيب الحسابات الاستراتيجية لكل طرف مع بناء منظومة المصالح السياسة والاقتصادية بصورة أشمل؛ حيث ستتداخل حروب النفط واستثماراته، ومطامع القوى الكبرى التي لا تغيب على أحد في الإقليم بأكمله.
إن الدول العربية المدعوة للمشاركة في التحالف الأمريكي الجديد مطالبة بإعادة ترتيب مواقفها وتحديد خياراتها وتنسيق توجهاتها في ظل ما يجري ويخطط له أمريكيا وروسيا وإقليميا من خلال إيران وتركيا وإسرائيل، وهي القوى التي تسعى للتعامل مع التطورات والأوضاع العربية بصورة مباشرة، وهو ما سيتطلب بالفعل تعاملات عربية عربية أكثر استقرارا ووضوحا ومراعاة لحسابات عربية في المقام الأول والأخير، خاصة أن الفعاليات والقوى الراهنة في الإقليم بأكمله تتأهب لإعادة حساباتها ومصالحها،والمؤكد أنها تتعارض مع المصالح العربية في السياسة والأمن والاستراتيجية وفي مسارتها النهائية، والتي لا تزال تتشكل على مستوى التحرك والتكتيك والاستراتيجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة