حاجز الخوف يتحطم في إيران ويضع النظام أمام خطر "اللاعودة"
متشحة بالسواد وتسير على أحد أرصفة العاصمة الإيرانية طهران، رفعت والدة سيواش محمودي صورة لابنها قائلة: "لم أعد خائفة. أخبروني أن ألتزم الصمت.. لن أفعل".
هكذا صرخت والدة محمودي في أحد مقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي بصوت مشحون بالمشاعر، مضيفة: "سأحمل صورة ابني بكل مكان قتلوه".
والدة محمودي بين عديد من الإيرانيين الذين يزعمون أن النظام حاول إسكاتهم، بينما يعيشون حدادا على أحبائهم الذي قتلوا خلال المظاهرات المستمرة بشتى أنحاء البلاد، بحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
لكن المحتجين الإيرانيين وداعميهم ما زالوا يتحلون بالجرأة والتحدي، فعلى مدار أسابيع اكتسبت الحركة الاحتجاجية على مستوى البلاد زخما مستمرا، ويبدو أنها أضعفت تكتيكات التخويف التي اتبعتها الحكومة منذ عقود.
وترددت أصداء الشعارات المناهضة للقيادة الدينية بشتى أنحاء المدينة، وانتشرت مقاطع فيديو لطالبات يلوحن بأغطية الرأس في الهواء، بينما يغنين أغنيات احتجاجية في الفصول الدراسية، وكذلك صور المحتجين الذين يقاتلون عناصر الباسيج، الجماعة شبه العسكرية.
وكان يعتقد في السابق أن تلك المشاهد غير واردة في إيران، حيث يحكم المرشد الأعلى علي خامنئي بقبضة حديدية.
لكن يقول الخبراء إن هذه الاحتجاجات تتجاوز العديد من الانقسامات الاجتماعية والعرقية في إيران، لتكسر بذلك حاجز الخوف الممتد منذ عقود وتشكل تهديدًا غير مسبوق على النظام.
وفي شتى أنحاء إيران، يبدو المحتجون عاقدين العزم على كشف ضعف المؤسسة الدينية، التي تتهم على نطاق واسع بالفساد وقمع المعارضة بالاعتقالات التعسفية وحتى عمليات الإعدام الجماعي.
واندلعت المظاهرات في إيران منذ منتصف سبتمبر/أيلول بعد وفاة مهسا أميني (22 عاما)، إيرانية كردية توفيت بعدما احتجزتها شرطة الأخلاق الإيرانية بسبب طريقة لباسها.
تندلع الاحتجاجات على فترات متقطعة في عدة أجزاء من العاصمة يوميا. وخلال الليل كان الهتاف الذي أصبح عنصرا أساسيا في الاحتجاجات -"الموت للديكتاتور"- يسمع من أعلى المباني. وهو إشارة إلى خامنئي، الذي كان يعتقد في أحد الأوقات بمنأى عن اللوم بسبب مكانته الدينية.
هذه ليست النهاية
كما اخترقت المظاهرات المناهضة للنظام قواعد السلطة بالبلاد، بينها المدينتان المقدستان الشيعيتان: مشهد وقم. ونظمت الأقليات العرقية –لا سيما الأكراد في شمال وشمال غرب البلاد، والبلوش في جنوب شرق البلاد- احتجاجات، متحملة ما يبدو أن بعض أعنف أعمال القمع مع تقارير عن مقتل العشرات.
وتعتبر المدارس الثانوية والجامعات بؤر توتر، وخلعت النساء والفتيات الحجاب الإلزامي.
وقال محتج من جامعة شريف التكنولوجية المرموقة في طهران لـ"سي إن إن": "يعتقد هؤلاء الإرهابيون أن جيلنا هو الجيل السابق. لسنا كذلك. أؤكد لك"، مشيرًا إلى الشرطة التي قمعت بعنف المحتجين في الجامعة واحتجزت عشرات الشباب.
وأظهرت مقاطع الفيديو على الشبكات الاجتماعية السيارات تملأ الشوارع بعد فترة قصيرة على انتشار أخبار عن قمع الطلاب، الأحد، ودقت الأبواق تضامنا مع المحتجين مع بدء المواجهات في الجامعة، التي تعرف بتعلم أفضل الطلاب وألمعهم في إيران.
وأضاف المتظاهر: "إذا انقشع الغبار وأوقفنا الاحتجاج سيقتلون حتى المزيد منا. سيحتجزون مزيدا من الناس وسيحولوننا إلى كوريا الشمالية (في إشارة إلى العزلة والقمع). هذه ليست النهاية. أعدكم بذلك".
ولم تتمكن "سي إن إن" من التحقق بشكل مستقل من عدد القتلى والجرحى، لكن تقول وسائل الإعلام التابعة للدولة إن 40 شخصا قضوا منذ بداية المظاهرات في منتصف سبتمبر/أيلول.
وتقول منظمة العفو الدولية إن ما لا يقل عن 52 شخصا قتلوا، ويعتقد أن أكثر من ألف شخص احتجزوا، بينهم صحفيون وفنانون.
تهديد وجودي
ويقول المحللون إن التهديد الذي تشكله هذه الاحتجاجات وجودي للنظام، وأحد أكبر التحديات التي واجهتها البلاد خلال سنوات.
تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد "كوينسي"، ومقره واشنطن قال إن "هؤلاء هم في الأساس شباب صغار جدا، جيل أصغر يبدو أنه فقد الثقة تماما في إمكانية إصلاح هذه الجمهورية الإسلامية".
بارسي أضاف أنهم "يبتعدون عن الجيل السابق الذي كان يسعى لإصلاح النظام من الداخل. هذا الجيل الجديد يبدو أنه فقد الثقة في هذا تماما".
وألقى خامنئي (83 عاما)، الذي علق على الاحتجاجات للمرة الأولى، الإثنين، باللوم -بدون أدلة- على الولايات المتحدة وإسرائيل في تأجيج الاحتجاجات. وأوضح أيضا أن النظام سيعيق رغبة المحتجين في التغيير.
وقد تسحق المظاهرات الحالية في النهاية أو ببساطة تفقد الزخم، لكن يقول المحللون إنه يمكن لإيران توقع موجة أخرى من الاحتجاجات على مستوى البلاد خلال الشهور المقبلة.