في أفغانستان والعراق وأوكرانيا.. هل تراهن أمريكا على الحصان الخاسر؟
الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة ثبت خلالها جميعا أن واشنطن قد وضعت رهانات خاسرة.
يتنازع في الولايات المتحدة بشكل تقليدي تياران فكريان يملك كل منهما تصورات لدور الولايات المتحدة على الساحة العالمية ويقدم كل منهما وصفته لضمان بقاء أمريكا على قمة النظام الدولي لأطول فترة ممكنة.
هذان التياران هما الانعزاليون والدوليون، لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001، ربما وجهت ضربة مؤلمة للتيار الأول وأوصت بدور أكبر للولايات المتحدة على الساحة الدولية من باب حفظ أمنها، وليس فقط هيبتها.
وقدر الخبراء أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 6.4 تريليون دولار إجمالاً على جميع جهود "الحرب على الإرهاب".
لكن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة ثبت خلالها جميعا أن واشنطن قد وضعت رهانات خاسرة، ففشلت في القضاء على حكم طالبان في أفغانستان، أو أن تأتي بنظام "طيع لواشنطن" بالعراق.
وفى حرب أوكرانيا التي تدعمها الولايات المتحدة بقوة، ربما أيضا تراهن فيها على الجانب الخاسر، لاسيما وسط الاستغاثات المتتالية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التي يطالب فيها بمزيد من الأسلحة ويتحدث عن خسائر بلاده الميدانية أمام الجيش الروسي.
فهل رهانات أمريكا العسكرية الأخيرة خاسرة؟
حرب أفغانستان
أعلنت الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2001، أي بعد نحو شهر من هجمات سبتمبر/أيلول، حربا ضد أفغانستان، سجلها التاريخ على أنها الأطول في تاريخ أمريكا الحديث، إذ بقي فيها جيشها لمدة عقدين من الزمان.
وقال تقرير لـ"يورو نيوز" أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 2 تريليون دولار على الحرب هناك خلال 20 عامًا، منذ الـ 11 سبتمبر / أيلول 2001.
وأظهرت وثائق أمريكية أن الميزانية التي أُنفقت في أفغانستان تجاوزت الـ 300 مليون دولار يوميا، لمدة عقدين، أي حوالي 50 ألف دولار لكل فرد من سكان أفغانستان البالغ عددهم 40 مليون نسمة.
وتشمل هذه الأرقام الرئيسية 800 مليار دولار من تكاليف القتال الحربي المباشرة و85 مليار دولار لتدريب الجيش الأفغاني المهزوم والذي انهار في الأسابيع التي تلت إغلاق البنتاجون المفاجئ لقاعدة باجرام الجوية في أوائل تموز/يوليو من العام الماضي.
وفقا للتقرير، فقد منح دافعو الضرائب الأمريكيون الجنود الأفغان حوالي 750 مليون دولار سنويًا كرواتب.
وقدر مشروع تكاليف الحرب بجامعة براون إجمالي الإنفاق الأمريكي في أفغانستان بنحو 2.26 تريليون دولار. بالإضافة إلى التكاليف المادية الخيالية، كلفت الحرب في أفغانستان الولايات المتحدة خسائر بشرية كبيرة. إذ بلغ عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا هناك حوالي 2500، كما قُتل ما يقارب 4000 متعاقد مدني أمريكي.
كما أودت الحرب في أفغانستان بحياة نحو 69 ألف شرطي عسكري أفغاني و47 ألف مدني، بالإضافة إلى 51 ألفا من مقاتلي طالبان، وفقا للبيانات الأمريكية. وبلغت تكلفة رعاية 20 ألف ضحية أمريكية حتى الآن 300 مليار دولار.
ومن المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في تحمل تكاليف الحرب في أفغانستان لفترة طويلة حيث مولت واشنطن الحرب بأموال مقترضة.
ويقدر باحثو جامعة براون أنه تم بالفعل دفْع أكثر من 500 مليار دولار من الفوائد المدرجة في المبلغ الإجمالي البالغ 2.26 تريليون دولار.
كما يتوقع الباحثون أنه بحلول عام 2050 يمكن أن تصل تكلفة الفائدة وحدها على ديون الحرب الأفغانية إلى 6.5 تريليون دولار، أي ما يعادل مبلغ 20 ألف دولار لكل مواطن أمريكي.
لكن الحرب التي راهنت على إزاحة حركة طالبان من السلطة وتنصيب حكومة أخرى، فشلت، إذ عادت الحركة مرة أخرى إلى الحكم.
واستعادت طالبان سيطرتها على أفغانستان بعد زحف مسلح سريع دام أقل من شهر قبل انسحاب الجيش الأمريكي في أغسطس/أب الماضي.
ولم يتمكن الجيش الأفغاني البالغ عدد جنوده حوالي 300 ألف من الصمود أمام طالبان ما جعل المدن تسقط الواحدة تلو الآخرى بين الحركة.
حتى أن واشنطن لم تستطع أن توفى بوعدها إلى عدد ضخم من المترجمين الذين عملوا معها في أفغانستان وعائلاتهم بإجلائهم من البلاد بعد انتهاء الحرب.
حرب العراق
شن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش حربا ضد العراق في مارس/أذار من عام 2003، زاعما أنها تهدف للقضاء على أسلحة الدمار الشاكل التي تمتلكها بغداد وأطاح بنظام صدام حسين خلال وقت وجيز.
وفى عام 2020، قدر تقرير جديد من مشروع تكاليف الحرب بجامعة براون أن دافعي الضرائب الأمريكيين دفعوا ما متوسطه 8000 دولار لكل منهم وأكثر من 2 تريليون دولار لحرب العراق وحدها، بينها حوالي 838 مليار دولار لعمليات الطوارئ العسكرية من السنة المالية 2003 إلى 2019، بما في ذلك العمليات ضد داعش في العراق وسوريا.
ويظهر التقرير أن التكاليف الفعلية للحرب تجاوزت ميزانيات البنتاجون المعتمدة، وانتقلت إلى أجزاء أخرى من الميزانية الفيدرالية، تشمل التكاليف الخاصة بالإنفاق في العراق من قبل وزارة الخارجية ورعاية المحاربين القدامى والفائدة على الديون المتكبدة لتمويل 16 عاما من المشاركة العسكرية الأمريكية في بلاد الرافدين.
لكن محللين في الغرب رأوا أن الحرب فشلت في تحقيق أهدافها.
وقال جون مولر، العالم السياسي الأمريكي بجامعة أوهايو إن هناك أوجه قصور منهجية نتجت عنها خسائر فادحة في صفوف الجيش إبان حرب العراق بسبب خطأ أساسي في التصميم الخاص بالمعركة.
وأضاف مولر، وهو أحد كبار الباحثين في معهد كاتو الأمريكي، في تقرير نشرته مجلة "ناشيونال انتريست" الأمريكية أنه كان ينبغي أن يكون هذا واضحا للمحرضين على تلك الحرب، حتى قبل شنها في عام 2003 .
وخلصت دراسة موسعة للجيش الأمريكي أن "الفشل في تحقيق أهدافنا الاستراتيجية" نابع من تفكير ينطوي على "أوجه قصور منهجية " أبرزها أنه "بدا أن القادة الأمريكيين كانوا يعتقدون أن الدول الأخرى في المنطقة لن يكون لها رد فعل".
وأشار إلى أن إيران أدركت تماما أنها في مأزق، وكذلك سوريا، التي بدت أحيانا مدرجة على قائمة الأهداف التي يعرضها بوش وزمرة قياداته من المحافظين الجدد بصورة شبه يومية.
وزيادة في التأكيد، اقترح المستشار العسكري ريتشارد بيرل بعد وقت قصير من غزو العراق ضرورة إيصال رسالة مقتضبة إلى الأنظمة العدائية الأخرى في المنطقة مفادها: "الدور عليكم".
وبالتالي أصبح من الواضح أنه من مصلحة إيران وكوريا الشمالية العمل معا عن قرب، وتوفير الحماية للأصدقاء الشيعة في العراق لجعل تواجد الأمريكيين هناك تعيسا إلى أبعد الحدود.
ومن ناحية أخرى، انسحبت كوريا الشمالية، التي تتعرض للتهديد، من معاهدة حظر الانتشار النووي، وكرست جهودها للحصول على أسلحة نووية لردع أي هجوم أمريكي.
وبالإضافة إلى إيران وسوريا، تم اجتذاب عناصر خارجية أخرى إلى العراق، كرست جهودها لتعكير صفو تواجد المحتل هناك، وقتل قواته.
وبوجه خاص، أصبح أبو مصعب الزرقاوي، وهو أردني تعاطف مع أيدولوجية تنظيم القاعدة وأجندته، قائدا لجيش يضم آلاف الإرهابيين الذين سخروا حياتهم لارتكاب أعمال وحشية.
ولم تنجح الولايات المتحدة في تطويع الحكومات العراقية المتعاقبة بل إن الانتخابات الحرة قد تعاقبت فيها حكومات تحلت بالاستقلالية في اتخاذ القرار، والحياد في تعزيز العلاقات الإقليمية، ولم تستطع واشنطن أن تملى على العراقيين أجندة سياسات.
وظهر استقلال القرار العراقي في أوضح تجلياته في الأزمة الأوكرانية الأخيرة.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن تيد جالين كاربنتر، باحث الدراسات السياسة العسكرية والخارجية بمعهد كاتو، قوله في تقرير بمجلة "ناشونال انتريست": "رغم تمرير القرار الذي يدين روسيا إلا أن خريطة التصويت مثلت قلقا لواشنطن في مساعيها لبناء تحالف عالمي حصين لإلحاق أضرار سياسية ومالية بحكومة فلاديمير بوتين".
وحينها، رفضت 35 دولة إرضاء الولايات المتحدة، وامتنعت عن التصويت، من بينها العراق، وفي ضوء الاعتماد العسكري والاقتصادي الواسع النطاق لبغداد على الولايات المتحدة، كان يُعتقد أن تصويت بغداد سيكون مؤيداً للقرار.
حرب أوكرانيا
وفقا لتقرير نشرته "سي إن إن"، تعد الولايات المتحدة أكبر داعم لأوكرانيا حاليا، فحتى أبريل/نيسان الماضي، قدمت بما يعادل 8.15 مليار دولار من المساعدات العسكرية والإنسانية منذ بدء العملية العسكرية الروسية في 24 فبراير/شباط الماضي.
وبحسب قاعدة بيانات أصدرها معهد Kiel للاقتصاد العالمي بشأن حجم المساعدات المقدمة لأوكرانيا والمقارنة بين ما قدمته الدول المانحة فقد سجلت أمريكا كأكبر دولة مانحة للمساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، حيث وصل إجمالي المساعدات العسكرية إلى 4.6 مليار دولار، والإنسانية إلى 3.4مليار دولار، ليصل الإجمالي إلى 8.15 مليار دولار.
لكن بيانا صدر عن وزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلينكن في يونيو/حزيران الجاري قال إن المساعدات وصلت إلى 5,6 مليار دولار حتى الآن.
هذا إلى جانب مساعدات أقرها الكونجرس الأمريكي في مايو/أيار الماضي، وتبلغ قيمتها 40 مليار دولار لأوكرانيا، وتوفر التمويل لقائمة طويلة من المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، منها 6 مليارات لمساعدة الجيش الأوكراني وقوات الأمن.
وستخصص الأموال أيضا للتدريب وتوفير الأسلحة والمعدات والدعم اللوجستي والاستخباراتي، بالإضافة إلى الاحتياجات الأخرى.
وسيكون هناك أيضًا ما يقرب من 9 مليارات دولار للمساعدة في إعادة تخزين المعدات الأمريكية التي تم إرسالها إلى أوكرانيا، وكذلك 900 مليون دولار لدعم اللاجئين، بما في ذلك الإسكان، وتعليم اللغة الإنجليزية للأوكرانيين الفارين من بلادهم، و54 مليون دولار للصحة العامة والدعم الطبي للاجئين.
أما على الصعيد الميداني، فقد بات واضحا أن الجيش الأوكراني لا يمكنه صد نظيره الروسي وأن كييف لاتزال تطلب بصورة متكررة مدها بمزيد من الأسلحة الاستراتيجية والثقيلة، وهي التي يتردد الغرب بالفعل في إرسالها تجنبا لاستفزاز من الكرملين.
وأفادت تقارير بأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طلب أمس من قادة مجموعة السبع خلال اجتماعهم بألمانيا بذل كل الجهود لإنهاء الحرب قبل الشتاء القادم، في حين تدفع بريطانيا إلى مزيد من المواجهة العسكرية وتحث كييف على رفض "تسوية سلمية" مع روسيا.
وفى أحدث التطورات، قال مسؤولون أمريكيون لشبكة سي إن إن إن فريق إدارة الرئيس جو بايدن "يفقدون الثقة في أن أوكرانيا ستكون قادرة على استعادة كل الأراضي التي فقدتها لروسيا خلال الأشهر الأربعة الماضية"، حتى مع وجود أسلحة أثقل وأكثر تطوراً للولايات المتحدة وحلفائها.
وكان زيلينسكي قد تحدث في وقت سابق عن فقدان بلاده لنحو ٢٠٪ من أراضيها.