«انتقام بايدن» في سوريا والعراق.. ضجيج القصف يخمد طبول الحرب
قرأ الرئيس الأمريكي جو بايدن على ما يبدو من دليل قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، ليخمد بضجيج القصف طبول الحرب.
وتوعد بايدن الأسبوع الماضي بالرد على مقتل 3 من جنوده، في استهداف مسيرة وجهها فصيل موال لإيران باتجاه موقع أمريكي على الحدود الأردنية السورية.
وجاءت الضربات الأمريكية لتفي بوعيد الرئيس الأمريكي دون أن تورطه في حرب مفتوحة، قد لا يخرج منها سالما في موسم انتخابي محفوف بالمخاطر.
رد مدار لحسابات الداخل
ويذهب المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي مهدي عفيفي إلى أن "الهجمات (الأمريكية) رسالة محسوبة لتحذير طهران.. لن تؤدي إلى تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط".
وأوضح في حديث من واشنطن لـ"العين الإخبارية": "شكل وطريقة الرد الأمريكي فجر السبت، مرسوم ومحدد بدقة سلفا، لمنع تأجيج الصراع".
ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة على خلفية هجوم حركة حماس على إسرائيل، وضعت واشنطن نصب عينها منع توسيع رقعة الحرب كهدف استراتيجي حركت من أجله حاملات طائراتها في شرق المتوسط للجم رد فعل حزب الله اللبناني، لكن التوغل البري الإسرائيلي في غزة فتح احتمالات خارج حسابات البيت الأبيض.
لكن عفيفي رأى أن الجانبين سعيا إلى ضبط الإيقاع، ففي هذا الإطار سحبت إيران قياداتها وعناصرها من المواقع التي قد تكون هدفا للولايات المتحدة، وهو ما يفسر قلة أعداد القتلى والمصابين في الغارات الأمريكية، في ظل الإجراءات الاحترازية التي اتخذت.
وشدد عضو الحزب الديمقراطي على أن "الإدارة الأمريكية لا تريد توسيع الصراع لأسباب عديدة، بينها الرغبة في عدم التركيز على الصراعات في عام الانتخابات الرئاسية، ما يبعد الأنظار عن إنجازات الرئيس جو بايدن في الاقتصاد وغيره، وقطع الطريق أيضا أمام محاولة استغلال المنافس الجمهوري، دونالد ترامب هذه الصراعات لإلقاء اللوم على الرئيس الحالي بأي شكل من الأشكال".
ويعتقد عفيفي أن الإدارة الأمريكية تدرك الآن أن من مصلحتها إيجاد حل في غزة لاحتواء أي احتمال لتوسيع الحرب نتيجة حساب خاطئ لأي من أطراف الأزمة.
وعلى هذا الأساس يؤسس السياسي الأمريكي توقعاته لرد الفعل الإيراني على الهجوم قائلا: "لن يكون كبيرا (الرد الإيراني)، لأن الجميع كان يعلم بالضربات الأمريكية"، ونبه أيضا إلى أن الضربات "كانت على غير ما يصبو إليه كثير من أعضاء الكونغرس، خاصة من الجمهوريين الذين طالبوا في وقت سابق أن تكون ضربات استباقية دون تحذير، حيث تستهدف مواقع الحرس الثوري وفي الداخل الإيراني".
وكان الناطق باسم البيت الأبيض أكد، الإثنين الماضي، أن الولايات المتحدة تعمل على الرد على هجوم شنته فصائل موالية لإيران على قوات أمريكية على الحدود الأردنية السورية وأدى لمقتل 3 جنود بـ"الطريقة الملائمة".
لكنه قال في الوقت نفسه إن واشنطن لا تريد حربا مع طهران، التي نفت من جانبها ضلوعها في الهجوم على قاعدة "البرج 22" التي تضم قوات أمريكية.
سياسيا، انتقد رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون إدارة بايدن، اليوم السبت، بعد ما وصفه بـ"رد الفعل البطيء" على الهجوم، وقال "إن الوفاة المأساوية لثلاثة جنود أمريكيين في الأردن كانت تتطلب رداً واضحاً وقوياً".
وتابع "لكن الإدارة، لسوء الحظ، انتظرت أسبوعا وأرسلت برقية إلى العالم، بما في ذلك إيران، حول طبيعة ردنا، وهو ما فوت فرصة لإلحاق الأذى بإيران وإيلامها"، وفقا لما نقلته صحيفة ذا هيل الأمريكية.
"قواعد الاشتباك"
من جانبه، قال بشير عبدالفتاح الخبير في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه "لا نية لدى الفصائل المسلحة بسوريا والعراق للتصعيد وتأجيج الصراع والمواجهات، وهو موقف واشنطن أيضا".
وتابع "ما يجري بين تلك الأطراف المتصارعة في إطار قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء المتعارف عليها"، مضيفا "لا أتوقع أن تفضي الغارات على سوريا والعراق إلى مزيد من التصعيد، لأن واشنطن تمهلت كثيرا قبل توجيه ضرباتها، وتركت فرصة لإيران لإعادة تموضع قواتها، بل أعلنت أيضا أنها لا تريد صداما مباشرا".
وأوضح أن "طهران من جانبها استبقت العمليات، بالإعلان عن عدم مسؤوليتها عن هجوم الأردن، وأن الفصائل بسوريا والعراق تتصرف بشكل مستقل".
وكانت فصائل عراقية قد أعلنت في وقت سابق تعليق هجماتها على المصالح الأمريكية في المنطقة بزعم رغبتها في عدم إحراج الحكومة العراقية.
"هيبة الردع"
عبدالفتاح قال أيضا إن "إعلان بعض الفصائل المسلحة أنها سترد على الضربات الأمريكية، يأتي في إطار الاحتفاظ بصدقية وهيبة الردع فقط، حيث إنه لا نية لديها، أو لواشنطن في تصعيد وتأجيج الصراع والمواجهات".
وخلص في هذا الصدد، إلى أن "ما يجري سواء من أذرع إيران أو واشنطن يأتي في إطار قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء المتعارف عليها، التي قد تتغير بعض الشيء لكنها ستظل حاكمة للصراع".
لكنه أشار أيضا إلى أن "المحك الأساسي يتمثل في استهداف الداخل الإيراني فقط، لكن طالما ظل الأمر مرتبطا باستهداف الفصائل المسلحة في دمشق وبغداد بإخطار مسبق، وتنسيق متبادل، فلن تنزلق الأمور لمواجهات مباشرة".
قبل أن يستدرك قائلا "أما إذا أقدمت الفصائل المسلحة على استهداف أمريكيين مرة أخرى، فربما ستتدحرج الأمور لحرب إقليمية، لكني أشك في استقلالية تلك الفصائل لأنها تحت السيطرة الإيرانية".
مصالح اقتصادية
بدوره، يعدد الباحث السياسي المتخصص في الشأن الإيراني وقضايا الشرق الأوسط وجدان عبدالرحمن، في حديث لـ"العين الإخبارية"، دوافع رفض الولايات المتحدة تمدد الصراع في المنطقة.
وفي ملمح جديد، يبين أن "واشنطن لا ترغب في تمدد الحرب لاعتبارات ومصالح تجارية واقتصادية، في ظل الاضطرابات التي يشهدها البحر الأحمر، ومخاوف انتقالها إلى مواقع أخرى، وهذا كله يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وعلى الدول الغربية، إضافة إلى أن تأثيره السلبي الأكبر سيكون على إدارة بايدن الديمقراطية المقبلة على انتخابات".
وبرهن أيضا على سعي الإدارة الأمريكية الحالية لمنع تمدد الصراع، قائلا: "منح إدارة بايدن مدة زمنية كبيرة نسبيا، قبل توجيه ضرباتها للجماعات الموالية لإيران في العراق وسوريا وللنظام الإيراني (نحو 6 أيام)، هو إشارة تعكس الرغبة في عدم توسع الاضطرابات في المنطقة".
خطوط أمامية
وعلى الجانب الإيراني وردوده المتوقعة، قال عبدالرحمن "ما لم تضرب واشنطن العمق الإيراني بشكل مباشر، فمن المستبعد أن ترد الأخيرة".
بل زاد الباحث في الشأن الإيراني قائلا إن "طهران لن تتدخل حتى لمناصرة حلفائها وأذرعها في المنطقة، والرد على استهدافهم بسوريا والعراق".
ويفسر هذا التحليل قائلا "الجماعات الموالية لإيران في المنطقة تعد بمثابة الخطوط الأمامية في جميع معاركها، وأعتقد أن طهران ستضحي بآخر عنصر من تلك الجماعات قبل أن تدخل في أي مواجهات مباشرة مع أمريكا أو إسرائيل".
ومضى قائلا "غرض إيران من تشكيل فصائل موالية لها في المنطقة هو خدمة مصالحها القومية ومشروعها في المنطقة، واستخدامهم كأوراق ضغط في مفاوضاتها، ولن تبالي بالخسائر التي تحدث لتلك الفصائل".
وأضاف "الإيرانيون لديهم صبر طويل وقدرة كبيرة على امتصاص الغضب والضربات، ولن تخوض إيران حربا مباشرة على الإطلاق مع الولايات لأن حفظ النظام من أوجب الواجبات في عقيدتها".
"تحت السيطرة"
كما أكد الدكتور محمد قواص، الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "الأمور تحت السيطرة حتى الآن، بعد أن جرى دراسة الضربات الأمريكية بالشكل الذي لا يؤدي إلى اتساع وتمدد الصراع في المنطقة، خاصة مع خوض بايدن العام الجاري الانتخابات الرئاسية".
قواص شدد أيضا على أن "التأكيد الأمريكي على عدم استهداف الداخل الإيراني يسهم في منع تمدد الحرب".
وعن درجة الرد على الضربات الأمريكية، قال المحلل السياسي اللبناني إن "الرد سيكون تقليديا من خلال الفصائل الموالية لطهران، وبشكل مدروس؛ لأن طهران تسعى فقط لتحسين شروط تفاوضها المقبل مع الولايات المتحدة".
وفجر السبت، شنت واشنطن غارات جوية في العراق وسوريا على أكثر من 85 هدفًا قالت إنها تابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له، مستخدمة طائرات تضم قاذفات بعيدة المدى، ردا على الهجمات على قوات أمريكية بالشرق الأوسط.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4yMTIg جزيرة ام اند امز