سوق "البالة" في غزة.. شاهد على أوضاع القطاع المتردية
أبوعلاء بعلوشة، كبير تجار الملابس المستعملة في مدينة غزة، يقول إن هذه التجارة قديمة جدا، ولكنها كانت لشريحة محددة في المجتمع
الظروف المعيشية في قطاع غزة لم تترك شيئاً إلا وغيرت مسالكه، فأصبحت الحياة خارج صندوقها المعتاد، ليعيش أبناء القطاع حالة استثنائية، أتت حتى على ملابس الناس وأطعمتهم، فغيرت خياراتهم، وضيقت عليهم الاختيارات، ولكنها حياة تعاش لزوم البقاء وحماية للوجود.
هنا على حدود العوز والكرامة، في شارع متفرع من سوق فراس التاريخي والقريب من ميدان فلسطين في غزة المحاصرة، يجلس 30 بائعاً للملابس المستعملة، ما يطلق عليها (البالة)، ينتظرون المشترين من كل طبقات المجتمع، التي أصبحت طبقة واحدة أو اقتربت من ذلك، فالكل يعيش ذات الظروف القاسية، ولأنها حالة تنتشر وتكاد أن تكون ظاهرة فتحت "العين الإخبارية" عدستها على هذا النوع من التجارة، وأسباب انتشارها الملاحظ، وإقبال غالبية سكان قطاع غزة عليها.
يقول أبوعلاء بعلوشة، كبير تجار الملابس المستعملة في مدينة غزة، ورث محله عن أبيه الذي فتحه منذ 60 سنة، إن هذه التجارة قديمة جداً، ولكنها كانت لشريحة محددة في المجتمع وهم أصحاب الدخل المحدود، أو الذين تعسرت حياتهم، ويديرونها بشكل اقتصادي محسوب، وعلى الرغم من أنها كانت تجارة رابحة لما فيها من ماركات عالمية غير موجودة في سوق الملابس الجديدة، وبعض الأحيان يأتيها زبائن من الطبقة الراقية والميسورة، إلا أن اليوم الأمر اختلف بالكلية، فأصبحت سوق الملابس المستعملة مفتوحة لجميع أبناء قطاع غزة، بحكم الأوضاع الصعبة والمعقدة، وكل يوم يلتحق أناس جدد لنادي سوق الملابس المستعملة، لأن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً، وتباعد بين المواطن والملابس الجديدة ذات الأثمان الباهظة.
ويضيف بعلوشة لـ"العين الإخبارية" "بحكم خبرتي في السوق، ورغم تدني أسعار سلع الملابس المستعملة، إلا أن الإقبال عليها يأخذ منحى الضرورة، وهذا دليله أن الناس يعانون أشد المعاناة، وأن الأوضاع المعيشية في قطاع غزة وصلت إلى درجة غير مسبوقة".
ويتابع "قطعة الملابس المستعملة زهيدة الثمن، ورغم ذلك يأتيك من الناس من يفاوضك على سعرها، وتقرأ في عينيه صدق وضعه الصعب، فتضطر إلى تخفيض السعر المخفض أصلاً، ولا أقول إن الفقراء زاد عددهم في قطاع غزة، بل أقول إن القطاع يكاد يجمع على الفقر، فالموظف قبل العاطل عن العمل يعاني من سوء الحال، لأن الموظف اليوم لا يتقاضى راتباً كاملاً كما كان يتقاضاه في الماضي، والقطاع الخاص يعاني من الحصار وإغلاق المعابر، والضرائب المركبة، ورغم ذلك ترى في تجارة الملابس المستعملة من يتخذها مصدراً للرزق، وهم غير ملمين بأصول المهنة".
ويزيد "كنا 30 صاحب محل للملابس المستعملة في غزة، اليوم ازداد عدد البائعين ليصل المئات، وترى البضائع على الأرصفة، وفي الساحات وأصحابها يبخسون من أثمانها، فالقطعة أصبحت شبه مجانية، لا قيمة لها، ورغم ذلك ترى الناس قلائل والإقبال غير جيد، ليس لأن الناس يزهدون في الملابس بل لأنهم يدخرون ذلك لطعامهم وشرابهم والأدوية".
وعن مصادر استيراد الملابس المستعملة يقول أبوعلاء بعلوشة "غير مسموح لنا أن نستورد سوى من إسرائيل، وعن طريق المعابر المعروفة، وإذا استطاع التجار إحضار بضاعة من أوروبا فلا تمر إلا عن طريق إسرائيل".
وينفي بعلوشة بشكل قطعي ما يردده البعض، أن الناس في قطاع غزة يبيعون ملابسهم في سوق فراس من شدة الفقر والحاجة، ويوضح "هذا كلام غير صحيح، لأن البضائع التي نبيعها تأتي بمواصفات عالمية، ولا نقبل أن نلحق بضائع صناعة محلية ومستعملة من داخل القطاع ببضائعنا، وما يحدث أن شريحة ميسورة أو من ذات الدخول المتوسطة تتكرم بالتبرع بملابس لديها للعائلات المستورة، وهذا يحدث بعيداً عنا ولا علاقة لنا به، يعني أنها تؤخذ من الناس عن طريق جمعيات خيرية، وتمنح للفقراء، ولا نقوم بشراء بضائعنا إلا من تجار الملابس المستعملة المعروفين، والذين لديهم سجلات تجارية".
أما رائد عبدالجواد أحد باعة الملابس المستعملة في غزة، يقول لـ"العين الإخبارية" إن هذه التجارة تعاني عبر المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، فضلاً عن تدني الأسعار إلى جانب دفع الأموال لتراخيص المحال والإيجارات، وعلى الرغم من ذلك فهي أصبحت ضرورة ملحة للناس، بحكم عزوفهم عن شراء الملابس الجديدة وعدم استطاعتهم اقتنائها بحكم أسعارها المرتفعة".
عرائس بملابس مستعملة
يقول رائد عبدالجواد إن الملابس المستعملة تستر الكثير من العائلات في قطاع غزة، ولا يقتصر الأمر على قطعة يشتريها المواطن، ولكن في بعض العائلات التي تجهز بناتها للعريس تأتي لتشتري ما يصلح من هذه الملابس، لأن العريس الذي دفع مهر عروسه ظروفه صعبة، ولا يستطيع تجهيزها من سوق الملابس الجديدة، وهذا يعطي انطباعاً للمستوى الذي وصل إليه حال سكان قطاع غزة، لذا لا بد من إنقاذ الوضع برفع الحصار، وتنشيط الاقتصاد الوطني، وفتح سوق الأعمال للشباب والعاطلين عن العمل، وتحسين ظروف الحياة، سواء بحل أزمات الكهرباء والماء والبنى التحتية، أو برفع مستوى الدخل للموظفين.
ويختتم عبدالجواد حديثه قائلاً "هذه صرخة من شاهد يعيش مع الناس البسطاء، الذين لم يعد بمقدورهم شراء قطعة ملابس مستعملة ولو كانت بشيكل واحد (كل 3 شيكل ونصف تقريباً بدولار أمريكي)، لا بد من تدخل عاجل في قطاع غزة، لاستعادة الحياة الطبيعية، فالملابس المستعملة ليست قياساً لمستوى المعيشة لكنها شاهد على أوضاع الناس المأساوية".
aXA6IDMuMTQ1LjM3LjIxOSA= جزيرة ام اند امز