يطرح الجميع هذا السؤال الجوهري: هل ستتمكن حكومة عادل عبد المهدي من إخراج العراق من أزماته المستديمة؟
حكومة عراقية عرجاء، تنقصها 8 وزارات، هي مثار جدل محموم بين الكتل والأحزاب السياسية، وكل منهم يسعى للحصول على جزء من الكعكة! ما تزال حكومة عادل عبد المهدي هشّة وضعيفة إلى درجة قد تُنذر بانهيارها في أي لحظة، خاصة وهو الذي يهدد بالاستقالة على الدوام، وبعض الكتل تنوي الذهاب إلى المحكمة الاتحادية لحل الحكومة الجديدة في حال تمرير مرشحي الحقائب الوزارية الشاغرة المختلف عليهم، ومن ضمنها وزارتان هامتان، هما الداخلية والدفاع، والأخيرة من حصة المكوّن السنّي الذي ألهب قادته، وجعلهم ينقسمون على أنفسهم، وهم في حقيقة الأمر جزء من الطبخة السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية التي زادت من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكما أشرنا في مقالات سابقة، إن هؤلاء الوزراء يعملون لصالح الجهة التي فرضتهم على تشكيل الحكومة لا أكثر.
يطرح الجميع هذا السؤال الجوهري: هل ستتمكن حكومة عادل عبد المهدي من إخراج العراق من أزماته المستديمة؟ خاصة بعد الإحباط الشعبي الذي ضرب صميم المجتمع العراقي، وأفقده ثقته بهذه الحكومات ووعودها الانتخابية.
وهذا الصراع على الحقائب الوزارية الشاغرة من شأنه أن يفرط العقد بين الكتلتين الشيعيتين الكبيرتين، تحالف "سائرون" التابع لمقتدى الصدر، وتحالف "البناء" التابع لهادي العامري، وما يزال الفراغ الوزاري في غليان الآن بين السنّة والشيعة، وبين السنّة أنفسهم والشيعة أنفسهم، وبين الأكراد أيضا. يسعى تحالف البناء إلى فرض ترشيح فالح الفياض لوزارة الداخلية، ورئيس البرلمان السابق سليم الجبوري لوزارة الدفاع، وإياد السامرائي لوزارة التخطيط، وهذه الشخصيات مثار جدل وصراع وشائعات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعبّر الأكراد عن تحفظاتهم على الترشيحات، ما ينذر الوضع بانهيار حكومة عادل عبد المهدي إذا ما اختلفت الكتلتان الشيعيتان الكبيرتان.
تكاد تكون جميع الأطراف عاجزة عن حلّ مشكلة الترشيحات، رغم اجتماع الرئاسات الثلاث وإقرارها بضرورة حسم هذا الموضوع، حتى البرلمان عاجز هو الآخر، وأدت الأوضاع المتأزمة إلى توجيه رجل الدين القوي مقتدى الصدر رسالة موجهة إلى عادل عبد المهدي بضرورة التحلي بالروح المستقلة بعيدا عن التأثيرات والضغوطات. يبدو أن 6 وزارات حُسم أمرها، وبقيت وزارتان، هما الداخلية والدفاع في نقاش ملتهب في كواليس الأحزاب. وعادت إلى الواجهة من جديد فكرة اختيار "التكنوقراط" المستقلين للحكومة، لكن هذا الخيار يبقى حبرا على ورق لأن الوزارات تسعى إلى المكاسب السياسية والمالية، ولا تترك هاتين الوزارتين لقمة سائغة في فم "التكنوقراط" المستقلين لأنهم يعتبرون هذه الوزارت من حقهم الشرعي.
منذ بدء حكومة عادل عبد المهدي الناقصة، في ظل شغور وزارات العدل والثقافة والتربية والتعليم العالي والتخطيط والهجرة والمهجّرين والدفاع والداخلية بلا وزراء، تتحين الأحزاب الفرص من أجل السيطرة عليها، وأخذ حصتها، وخاصة الضغوطات التي يمارسها رئيس مليشيات "الحشد الشعبي" فالح الفياض، الذي يستميت لأخذ وزارة الداخلية، وله باع في الأمن، والسنّة يتصارعون فيما بينهم لنيل منصب وزارة الدفاع. كما تدور خلافات وراء الكواليس بين الأحزاب على الوزارات الأخرى، من مليشيا "بابليون" المسيحية مع حزب "الفضيلة" بشأن وزارة العدل، ومرشح كتلة "العصائب" بشأن وزارة الثقافة، وما تزال عين الأكراد على وزارة الهجرة والمهجرين، ويتطلع "ائتلاف الوطنية"، بزعامة إياد علاوي، إلى منصب وزارة الدفاع.
إن الأزمات التي تتحكم بالحكومات العراقية المتتالية منذ 2003 لا يمكن أن تجد حلولا جذرية، ما دامت مرتبطة بالمحاصصة الحزبية والطائفية؛ لذلك لا يوجد أي ضوء في النفق المظلم. هناك طوائف، كيانات، وأحزاب، وأقليات، وعشائر، وتشكيلات، وغيرها، هي التي تتحكم بآلية الحكم، ومن هنا تنبع المعضلة.
رئيس الوزراء الحالي، عادل عبد المهدي، ليس سوى رجل يعمل على تمرير ما تبقى من التشكيلة الوزارية بكل سلاسة، في استجابة للضغوطات الإيرانية. ويقال إن قاسم سليماني زار بغداد مؤخرا من أجل الضغط للحصول على وزارة الداخلية، وفي ظل هذه الأوضاع يخضع الجميع لمصالح الكتل والأحزاب التي تدين بالمحاصصة الطائفية، ووجدت صداها في نفوس البسطاء الذين انتبهوا مؤخرا إلى هذه اللعبة، وانخرطوا بمظاهرات واعتصامات، ولعل ما شهدته مؤخرا البصرة من تظاهرات واحتجاجات ضد وزير المالية الكردي فؤاد حسين، أكبر دليل على استعادة الوعي الذي ظل مُخدَّرا لسنوات طويلة.
هناك، بلا شك، إملاءات وضغوطات من قبل الكتل والأحزاب السياسية المتسلطة، ولا تعدو العملية السياسية برمتها سوى تدوير للشخصيات المنفذة لا أكثر ولا أقل، لأن أغلبهم تبوأوا مناصب سياسية في وقت سابق. وهم الآن يقومون بمحاصرة عادل عبد المهدي، ويضغطون عليه من أجل فرض ضرائبهم. ومما يزيد الطين بلة، أنه لا يوجد عند أي وزير أو حزب أو كتلة أي رؤية أو برنامج عمل مستقبلي لحل الأزمات الخانقة التي يمر بها العراق، وما تزال الكتل والأحزاب تفكر بتقاسم الثروة باعتبار المكاسب عبارة عن مغانم، دون حسيب أو رقيب.
ولا تزال الهيئات المبتكرة وغير الفاعلة مثل لجنة النزاهة وهيئة المساءلة والعدالة وديوان الرقابة المالية والتدقيق مجرد آلات بين الأحزاب والكتل المتنفذة. لذلك يستمر الفساد في مفاصل الدولة، وتتفاقم المشاكل في ظل هذه الأوضاع، ويبقى المتورطون طلقاء دون محاسبة. في حقيقة الأمر، إن مطالبة الأحزاب والكتل بالمحاصصة الطائفية يعود أصلا إلى كتابة الدستور، التي أقرها بول برايمر أول حاكم مدني للعراق. وما تزال هذه الممارسة تنتقل من حكومة إلى أخرى، وبعض الأحزاب تعتبر هذه الوزارة أو تلك حِكرا لها ومن حصتها، يركز الأكراد -وخاصة حزب مسعود البرزاني- على الظفر بوزارة المالية والإعمار والإسكان، ووزارة الهجرة والمهجرين، ورئاسة الجمهور بطبيعة الحال.
لا يبدو في الأفق، ظهور حكومة قادرة على التفاعل مع الأوضاع العربية والإقليمية والدولية؟ ولا يقتصر ذلك إلا على الزيارات البروتوكولية.
ويطرح الجميع هذا السؤال الجوهري: هل ستتمكن حكومة عادل عبد المهدي من إخراج العراق من أزماته المستديمة؟ خاصة بعد الإحباط الشعبي الذي ضرب صميم المجتمع العراقي، وفقد ثقته بهذه الحكومات ووعودها الانتخابية.
يبقى اختيار الشخصيات الأكثر كفاءة ومهنية حلما يداعب مخيلة العراقيين، وخاصة في تشكيل حكومة بعيدة عن الضغوطات والإملاءات الإيرانية، تأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات الحاصلة في الأوضاع العربية والإقليمية والدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة