بين نظرتين: متفائلة ومتشائمة، تنعقد قمة مجلس التعاون التاسعة والثلاثون في الرياض غدا، الأحد.
بين نظرتين: متفائلة ومتشائمة، تنعقد قمة مجلس التعاون التاسعة والثلاثون في الرياض، غدا الأحد، وبين التفاؤل والتشاؤم تندرج تفاصيل تستغرق ألوانا متدرجة كأنها ألوان طيف قوس المطر.
فماذا يقول الغيم المتلبد الذي يحيط بالقمة المزمعة من كل صوب؟ هل المآل إلى مطر واخضرار وحصاد؟ أم إلى جفاف ومشهد أميل إلى القتامة؟ في كلا الجوابين ينظر المنظرون، ويفتي من له صلة بالموضوع ومن ليس له أدنى علاقة، وبينهما يحاول البعض أن يكون موضوعيا فتخونه العبارة أو المعطيات.. لا فرق.
هل تقيّد أزمة قطر الضيقة الصغيرة الفكرة الكبرى الأوسع الأرحب؟ ليس من عاقل يفكر بهذه الطريقة، وواقع الحال أن مجلس التعاون باق بالرغم من العقوق القطري، وأن قمة الأحد في الرياض هي قمة تحقق المضمون والجوهر لا الشكل والمظهر فقط كما يروّج الحاقدون
الأصح أن يقال قراءة المعطيات، فالأجواء الملبدة بغيوم الشتاء تؤثر في البصر على ما يبدو، وأبعد من ذلك، في البصيرة، فيزل كلام عن مواضعه، وتكرّس خلاصات مستمدة من مبالغة أو وهم، وبين الاستخفاف واللامبالاة ينزلق البعض وإعلام البعض، كعادته، إلى المتاهة أو الورطة، فلماذا قمة الرياض؟ ما هي الفائدة وسط تجاذبات المنطقة ومجلس التعاون، نظاما ونشاطا، منها في الصميم؟ لماذا قمة التعاون في الرياض الآن؟
قالت الإمارات على لسان الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، إن انعقاد القمة يدل على قوة مجلس التعاون، وعلّق البعض مستغربا، وفي برنامج «سيناريوهات» الذي تقدمه قناة الجزيرة الإخوانية، استغرب المتحاور معهم، خصوصا الكويتي عبد الله الشايجي من طرح قرقاش أستاذ العلوم السياسية قبل أن يكون وزير دولة للشؤون الخارجية، كما قال، ورسم المتحاور معهم سيناريوهات بعيدا عن العقل والمنطق والموضوعية، فلا تعاون أو مجلس تعاون من دون قطر، أو في ظل استمرار ما سموه «حصار قطر»، و«الأزمة الخليجية»، قصدوا «مقاطعة قطر» و«أزمة قطر»، فلا بد من تسمية المسميات بأسمائها الحقيقية، ولا بد من الاصطلاح الذي يعكس واقع الحال.
السؤال البدهي: ما هو الطارئ؟ أزمة قطر أم مجلس التعاون؟ الجواب بدهي أيضا، فمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أطلقه الآباء المؤسسون وفي طليعتهم القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وأمير الكويت الأسبق الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، والذي اشتغل القادة والمسؤولون، على مدى عقود، منذ مطلع الثمانينيات على تكريس فكرته وتوطيد أركانه، خُلِق أساسا للبقاء؛ لأنه يمثل إرادة قادة المنطقة وشعوبها، ولأنه يمتلك، من داخله، تلك الروح الخلّاقة التي تمده بأسباب القوة، مع اعتبار المقومات الموضوعية مع ذلك وقبله، حيث هو منظومة مكونة من دول متشابهة وربما متطابقة في النظم والمنطلقات والوسائل والأهداف، ومشتركاتها في التاريخ والمصير والسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة معلومة وأكثر من أن تحصر.
الاعتبار الآخر أن الآباء المؤسسين اشتغلوا منذ فجر «التعاون» بحكمة و«عقلانية»، فلا مبالغة، والواقعية هي الأساس، وبعض الواقعية وعي المتغيرات والمواكبة المستمرة.
هكذا تشير النظرة المتفائلة، وهي بالمناسبة نظرة جميع أعضاء مجلس التعاون، عدا قطر.
فهل تقيّد أزمة قطر الضيقة الصغيرة الفكرة الكبرى الأوسع الأرحب؟ ليس من عاقل يفكر بهذه الطريقة، وواقع الحال أن مجلس التعاون باقٍ بالرغم من العقوق القطري، وأن قمة الأحد في الرياض هي قمة تحقق المضمون والجوهر لا الشكل والمظهر فقط كما يروّج الحاقدون، وإذا كان لا بد من ملاحظة أولى، فسوف تتصل بظاهرة تزامن وتوازي الاجتماعات والقمم الخليجية، وحتى اللقاءات الثنائية، مع اشتداد هجمة الأبواق القطرية، خصوصا قناة الجزيرة وأخواتها، فكم لذلك من علاقة مع فضح قطر إلى هذا الحد، وانحسار الفكرتين الإيرانية والتركية وما بينهما «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، والانتصارات المتتالية للتحالف العربي في اليمن، ما أوجد أرضية صلبة لعملية سياسية تحكمها معادلة جديدة على الأرض؟
وسط كل ذلك الخضم، لا بد من تحديد بعض النقاط، نحو عدم الابتعاد عن ضفاف المنطق الذي يحكم السيرورة السياسية المتصلة بعمل المجلس:
* أولا: هذه القمة تنظم للمرة الأولى وفق تعديل النظام الذي أصبح يسمح لدولة الرئاسة (سلطنة عمان هذه المرة) بأن تُعقد القمة في دولة المقر، وهو ما يوفر للمجلس المزيد من المرونة والتفاعل العملي، ومن هنا كانت الدعوة، على غير العادة السابقة، من ملك دولة المقر عبر أمين عام مجلس التعاون الدكتور عبد اللطيف الزياني، وليست من رئاسة القمة.
إلى ذلك، تنعقد قمة الرياض لمدة يوم واحد، ومن دون اجتماع وزاري ممهد أو لجنة تحضيرية، فما يعوّل عليه جهد القادة الذي يرتفع عاليا بجناحي الإخلاص والإتقان، حيث التمثيل الخليجي الرفيع، ولا يهم بعد ذاك، كما عبر وزير الخارجية البحريني، في كثير أو قليل مستوى تمثيل قطر في القمة.
* ثانيا: نجاح قمة الرياض برئاسة سلطنة عمان مهم جدا، خصوصا وهي تأتي في وقت زاخر، للأسف، بالتشكيك في استمرارية مجلس التعاون وفاعليته، ومن الواضح أن دول المقاطعة، السعودية والإمارات والبحرين، حريصة على المجلس؛ لذلك لم تتوقف أبدا الاجتماعات التقنية أو ذات الطبيعة الإدارية، وظلت مستمرة على وتيرتها الطبيعية السابقة، لأن نجاح مجلس التعاون الأساسي هو في خلقه سوقا مشتركة عززت التعامل والاتصال والانتقال في بيئة خليجية ملائمة.
* ثالثا: من هذا المنطلق، فإن انعقاد قمة الرياض يؤكد الحرص على المجلس، ولا بد هنا من الإشادة الواجبة بدور أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وحكومة الكويت خلال فترة رئاسة دولة الكويت الشقيقة مجلس التعاون في أصعب الظروف.
* رابعا: من الطبيعي أن بعض الأمور الاستراتيجية والسياسية والأمنية لن تعود إلى سابق عهدها في ظل العقوق القطري، ودعم قطر السياسات التدخلية والجماعات الإرهابية والمعارضات الخليجية، علما أن سجل قطر تاريخيا في القمة هو الأضعف، فقد عُرِفت الدوحة، عبر السنوات والعقود، بالتباس موقفها من المجلس وداخل المجلس، فكانت الدولة الأقل تنفيذا للقرارات المتعلقة بالمواطن الخليجي، فبينما كانت توافق في الاجتماعات على هذه القرارات، عُرِف أنها، تحت ذريعة المزيد من الدراسة والمراجعة، تحوّل نسبة تنفيذ القرارات إلى ضعيفة، وفي المجمل كانت الأسوأ ساعة التنفيذ، ويعود ذلك إلى عقلية حمائية صغيرة لم تستفد منها قطر واستفادت منها مجموعة صغيرة من شيوخها الذين يسيطرون على الاقتصاد.
كما أصبح أكيدا ومعروفا للعالم أن أزمة قطر الحالية ناتجة عن إرهاصات وتراكمات تُوِّجت بالتنصل القطري من اتفاقات «التعاون»، وفي مقدمتها اتفاق الرياض، واتفاق الرياض التكميلي، ومرئيات وقرارات قمة الدوحة (2014).
إننا في دولة الإمارات فخورون بديمومة وديناميكية مجلس التعاون، وبهذه القمة التي تنعقد في الرياض، برئاسة سلطنة عمان، وفي عام زايد ومئوية زايد، مع مشاركة إماراتية قوية عبر وفد رفيع برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. وغني عن القول إن هذا التمثيل الرفيع يدل على إيمان دولة الإمارات بمجلس التعاون وقوته وأنه أكبر من أي طارئ عارض، وأنه قادر على مزيد من العمل والفعل الإيجابي، خصوصا في حضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة. كما أن دولة الإمارات متفائلة برئاسة سلطنة عمان الشقيقة الدورة المقبلة لمجلس التعاون.
يبقى التأكيد على أن التعاون الثنائي المثالي بين أبوظبي والرياض يصب يقينا في بحر قوة مجلس التعاون، كونه اليوم أنموذجا يُحتذى للتعاون الخليجي والعربي.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة