سكرتير البابا فرنسيس لـ"العين الإخبارية": الإمارات نموذج لدولة التعايش
الأب يوأنس يرى الوصول للحظة توقيع "وثيقة الأخوة الإنسانية" التاريخية هو ثمرة جهود أبناء الإمارات الرائعين والمصريين المخلصين
"يرى الفاتيكان في الإمارات نموذجاً رائعاً لدولة استطاعت أن تحيا عملياً وواقعياً مبادئ الاحترام والتعايش وأفضل تعبير عن هذا هو اختيارها للتوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية في فبراير/شباط".
هذا ما أكده السكرتير الشخصي لقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، المونسنيور يوأنس لحظي جيد، أحد أعضاء اللجنة العليا لتحقيق أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية الموقَّعة بين الأزهر الشريف والفاتيكان، في حوار مع "العين الإخبارية"، بعد أيام قليلة من انعقاد الاجتماع الأول للجنة في المقر البابوي بالفاتيكان، الأربعاء الماضي.
ورأى الأب يوأنس الملقب بـ"مهندس جولات التسامح" بين الفاتيكان والعالم الإسلامي أنَّ "الوصول للحظة توقيع (وثيقة الأخوة الإنسانية) التاريخية هو ثمرة جهود أبناء الإمارات الرائعين والمصريين المخلصين والعاملين في دولة حاضرة الفاتيكان".
وقال سكرتير قداسة البابا فرنسيس: "إنَّ الوثيقة تعد من أهم الوثائق التي تمَّ توقيعها في التاريخ المعاصر"، مؤكداً أنَّ توقيعها بين بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف يُبطل أكاذيب من يتغنون بالخصومة والعداوة والمؤامرة الكونية".
الأب يؤانس، هو كاهن قبطي كاثوليكي من مواليد العاصمة المصرية القاهرة، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون الكنسي من الفاتيكان بروما، وأنهى دراسته في الأكاديمية الحبرية للخدمة في دبلوماسية الكرسي الرسولي (الفاتيكان) عام 2007، كثاني مصري يلتحق بالسلك الدبلوماسي لدولة الفاتيكان، ثم عُين في العام نفسه سكرتيراً دبلوماسياً للفاتيكان في الكونغو والجابون، ثم انتدب في 2012 للعمل في مقر سفارة الفاتيكان في الأردن والعراق.
وتقلَّد الدكتور المصري منصب السكرتير الشخصي لبابا الكنيسة الكاثوليكية في أبريل/نيسان عام 2014، كأول شرقي يتولى هذا المنصب الرفيع.
ما أهمية العمل بوثيقة الأخوة الإنسانية في سبيل تحقيق السلام؟
تؤسس الوثيقة لثقافة جديدة، ثقافة اليد الممدودة بالخير والقلب المفتوح لجميع الأخوة، ثقافة المحبة والسلام والعدل والمساواة والحرية وهي قيِّم عُليا وموجودة بالتأكيد قبل الوثيقة ولكن الوثيقة أكدت أنَّ هذه القيم لن تصير ملموسة إن حاولت كل ديانة أن تقتصرها على اتباعها فقط وتقصي الآخرين عنها.
وهنا أتذكر كلمة قداسة البابا فرنسيس قبل توقيع الوثيقة حين قال: "نقطة الانطلاق هي الاعتراف بأنَّ الله هو أصل العائلة البشريّة الواحدة، فهو، ولكونه خالق كلِّ شيء وخالق الجميع، يريد أن نعيش كأخوة وأخوات، وأن نقيم في البيت المشترك الذي منحنا هو إياه، هنا تتأسّس الأخوّة، عند جذور بشريّتنا المشتركة، ليس هناك من بديل آخر: إمّا نبني المستقبل معاً وإلّا فلن يكون هناك مستقبل".
وتعود أهمية الوثيقة إلى أنها تعبّر بشكل واضح عن أنَّ الأديان لا يمكن أن تبرر أعمال الكراهية أو الإرهاب أو الضغينة أو الاضطهاد، بل على العكس فالله قد أوجدها كي تساعد البشر على العيش بطريقة أفضل وعلى رؤية الآخر كأخ وليس كعدو، كرفيق طريق وليس كمنافس أو خصم، فمحبة الله لا يمكن أن تنفصل عن محبة الآخر، بل إن محبة الآخرين هي المقياس الأكيد لصدق محبتنا لله وإيماننا به.
ما أبرز الدلالات التي يحملها احتضان الإمارات للوثيقة؟
الدلالة الأهم هي أنَّ ما زرعه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، من محبة قد أثمر خيرًا في أولاده وأحفاده وأنَّ دار زايد ستُذكر دائماً على أنَّها دار اللقاء والإخاء والازدهار والرخاء.
الدلالة الأخرى هي أنَّ كل ظلام العالم لا يمكنه أن يخفي ضوء شمعة صغيرة؛ لأنَّ الأعمال الكبيرة تبدأ بفكر صغير يؤمن بها عدد قليل من الأشخاص، وفي كثير من الأحيان يؤمن بها شخص واحد، ويصاحب هذا الإيمان العزيمة والإرادة.
ومن الدلالات أيضاً أن الخيرين في الأرض هم أكثر من الأشرار، حتى وإن بدا ضجيج المخربين أقوى وأكثر تأثيراً، لأنَّ الله مصدر الحياة وكل خير، يعضد دائماً ويبارك في كل عمل يهدف لخير الناس وتقاربهم.
مَن يقف خلف الوصول للحظة توقيع الوثيقة ونجاح الزيارة التاريخية لشيخ الأزهر وقداسة البابا فرنسيس؟
إنَّ نجاح الزيارة التاريخية لدولة الإمارات الحبيبة، والوصول للحظة توقيع الوثيقة، التي ستظل محفورة في القلوب والعقول، هو ثمرة مجهود العديد من أبناء الإمارات الرائعين والعديد من أبناء مصر المخلصين وكذلك المجهود الجبار من قبل العاملين في دولة حاضرة الفاتيكان.
وهنا يشرفني ذكر اسم الأخ والصديق العزيز القاضي محمد عبدالسلام، المستشار السابق لشيخ الأزهر، وكذلك الأخ والصديق العزيز ياسر سعيد عبدالله حارب المهيري، الكاتب والإعلامي الإماراتي، وآخرين كثيرين ممن عملوا ليلاً نهاراً حتى يتحقق الحلم.
ما تعليقكم على الاجتماع الأول للجنة العليا لتحقيق أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية؟
إنَّ وجود اللجنة في حد ذاته يُعبّر عن الإرادة الصادقة والصالحة والمخلصة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وقادة وحكومة وشعب الإمارات، في دعم وثيقة الأخوة الإنسانية التي تمَّ توقيعها على الثرى الطيب لدولة الإمارات بين أهم رمزين دينيين في عالمنا، أي بين قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
ماذا عن مهام اللجنة العليا لتحقيق أهداف الوثيقة؟
يقع على عاتق اللجنة، كما هو واضح في قرار إنشائها، مهمة العمل على إعداد الخطط والبرامج والمبادرات اللازمة لتفعيل بنود وثيقة الأخوة الإنسانية، ومتابعة تنفيذها على جميع المستويات الإقليمية والدولية؛ وكذلك عقد اللقاءات الدولية مع القادة السياسيين والزعماء الدينيين ورؤساء المنظمات العالمية والشخصيات المعنية لرعاية ودعم ونشر ثقافة الأخوة الإنسانية؛ وأيضاً حث السلطات التشريعية على الاهتمام بتحويل محتوى الوثيقة إلى تشريعات عمليّة لترسيخ قيم الاحترام المتبادل والعيش المشترك والحرية الدينية والمساواة بين الخلق لكوننا جميعاً أخوة في ذات الإنسانية، وأخيراً الإشراف على البيت الإبراهيمي.
فضلاً عن أن القرارات التي جرى اتخاذها في الاجتماع الأول للجنة، الذي عقد في الفاتيكان يوم 11 سبتمبر/أيلول الجاري، تؤكد عزم أعضاء اللجنة الأكيد على المضي قُدماً لتحقيق كل هذه الأهداف النبيلة والمهمة.
وقرارات الاجتماع الأول للجنة ووسائل تفعيلها؟
جرى خلال الجلسة الأولى اختيار المطران ميغيل أنخيل أيوسو غويكسوت، رئيساً للجنة، والقاضي محمد محمود عبدالسلام، أميناً عاماً للجنة؛ كما تمَّ اختيار أعضاء المكتب التنفيذي وهم: الدكتور سلطان الرميثي، والإعلامي ياسر حارب المهيري، والأب يوأنس لحظي جيد، إضافة إلى الأمين العام للجنة، وتمَّ مناقشة نص النظام الأساسي الذي سينظم عمل اللجنة، وقمنا بإقرار مبدأ دعوة ممثلي الديانات الأخرى ليكونوا أعضاءً في اللجنة.
كما تم أيضاً الاتفاق على تقديم مقترح إلى الأمم المتحدة لتحديد موعد في الفترة بين 3 - 5 فبراير/شباط؛ لإعلانه يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية، كما اعتمدت اللجنة مجموعة من المبادرات والمشاريع المنبثقة من مبادئ وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي سيتم الإعلان عنها تباعاً.
وأهم مخرجات الاجتماع؟
قررت اللجنة الانعقاد، يوم الجمعة المقبل، في مدينة نيويورك الأمريكية لإطلاق مبادرة مهمة سيعلن عنها في اليوم نفسه، كما رشَّحت اللجنة بعض الأسماء الجديدة للانضمام للجنة تعبيراً عن رغبة الجميع في أن تعبر اللجنة بشكل ملموس عن الأخوة الإنسانية.
وقد أسعد جميع أعضاء اللجنة انضمام سيادة الحاخام م. بروس لوستيج، كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن لأكثر من 25 عاماً، والناشط الاجتماعي المؤثر الذي وصفته مجلة نيوزويك بأنه أحد الحاخامات الأكثر نفوذاً في أمريكا.
ماذا يعكس انضمام كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن للجنة العليا؟
يعد انضمام بروس لوستيج تأكيداً لكون اللجنة تجمع الأخوة ولا تستبعد أحداً، احتراماً وتنفيذاً لروح وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية التي وصفها كثيرون بأنها من أهم الوثائق التي تم توقيعها في التاريخ المعاصر.
كيف ترى شكل العلاقة بين الفاتيكان والإمارات؟
هي علاقة مميزة جداً؛ لأن الفاتيكان يرى في الإمارات نموذجاً رائعاً للأخوة ودولة استطاعت أن تحيا عملياً مبادئ الاحترام والتعايش، وأفضل تعبير عن هذا هو اختيار الإمارات لتوقيع الوثيقة وكذلك كلمات قداسة البابا فرنسيس عن هذه الأرض الطيبة، حين قال: "هنا، وخلال سنوات قليلة، وبفضل بُعد النظر والحكمة، تحوّلت الصحراء إلى مكان مزدهر ومضياف؛ الصحراء التي كانت حاجزاً عسيراً ومنيعاً، صارت مكاناً للقاء بين الثقافات والديانات".
لقد أزهرت الصحراء هنا، ليس فقط لأيام قليلة في السنة، إنما لسنوات كثيرة في المستقبل، إنَّ هذا البلد، الذي تعانقُ فيه الرمالُ ناطحات السحاب، يبقى تقاطعاً مهماً بين الشرق والغرب، بين شمال الأرض وجنوبها، يبقى مكاناً للنمو، هنا في الصحراء فُتِحَت درب خصبة للنموّ تقدّم، انطلاقاً من العمل، آمالاً لأشخاص كثيرين ينتمون إلى شعوب وثقافات ومعتقدات مختلفة.
كما أنَّ الإمارات ترى في الفاتيكان رمزاً للسلام وللأخوة، وعنصراً فعّالاً على المستوى الدولي ونموذجاً يحتاج عالمنا إليه.
ودور التعاون الكامل بين الأزهر والفاتيكان في تحقيق أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية؟
بمجرد أن نرى شيخ الأزهر الشريف بصحبة بابا الكنيسة الكاثوليكية يتصافحان ويتعانقان، يتقاسمان الحديث والخبز، فهذا في حد ذاته يؤسس لثقافة جديدة ولعصر جديد، إن لقاءهما وتوقيعهما للوثيقة يمنحنا الأمل في إمكانية العيش المشترك، ويُبطل، وقبل كل شيء، أكاذيب من يتغنون بالخصومة والعداوة والمؤامرة الكونية.
رفعت الكنيسة الكاثوليكية منذ أمد بعيد شعار "حوار الأديان"، فما الجديد في هذا الشأن؟
الحوار هو الأسلوب الوحيد للتقارب والتفاهم والتعايش والكنيسة الكاثوليكية تعمل جاهدة ومنذ عقود على الاستمرار في الحوار مهما كان الثمن لأن ثمن التباعد والجفاء هو أكبر بكثير، وقد أثمر الحوار عن التقارب بين الكنيسة الكاثوليكية والأديان الأخرى وعن تخطي الكثير من الأحكام المسبقة والخبرات التاريخية المؤلمة، فلا يجب أن يدفع أبناء اليوم ثمن أخطاء وخطايا الأمس، والخطأ الأكبر هو عدم التعلم من تلك الأخطاء لبناء مستقبل أفضل للجميع.
وصفك قداسة البابا فرنسيس بـ"الجندي المجهول" وراء تنفيذ جهود الفاتيكان لتحقيق السلام وتعزيز الحوار مع العالم الإسلامي، ما آخر تحركاتكم في هذا الشأن؟
لست جندياً ولا أستحق هذا اللقب، بل أنا ابن لهذه المنطقة، ولدت في أم الدنيا (مصر) وترعرعت على محبة الجميع، وتعلمت أن ما يجمعنا هو أكثر بكثير مما يفرقنا.
وقد ذكرت أم الدنيا؛ لأنها الأرض التي عليها يعيش المسيحيون والمسلمون منذ مئات السنين، ومن نيلها العظيم يرتوون الطيبة والرغبة في تحويل الصحراء لوديان خضراء، الأرض التي تقدم يومياً العديد من الأمثلة الرائعة للتعايش، وآخرها الافتتاح التاريخي من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي لأكبر جامع ولأكبر كاتدرائية في أفريقيا في اليوم نفسه؛ إنَّها أرض أحد أعرق الكنائس المسيحية، الكنيسة القبطية، وأرض الأزهر الشريف.
وأخيراً، أؤكد أنَّ الجنود بل الأبطال الحقيقيين لذلك الحدث ولهذا الأسلوب الجديد في التعامل هم جميع الأشخاص الذي يؤمنون بقيم الحوار واللقاء والأخوة والتعاون والمحبة، مثل قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، والشيخ محمد بن زيد آل نهيان، وشيوخ وقيادات دولة الإمارات، حفظهم الله لنا وأكثر من أمثالهم.
aXA6IDE4LjExOS4xMzMuMjA2IA== جزيرة ام اند امز