زيارة أمير الكويت للإمارات.. خريطة مستقبلية لتعزيز العلاقات التاريخية
تتوج زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الثلاثاء، إلى دولة الإمارات، العلاقات الأخوية التاريخية المتنامية بين البلدين.
وتأتي الزيارة، في إطار مساعٍ متواصلة من الدولتين الشقيقتين لتطوير وتعزيز العلاقات على المستويات كافة، التي يوليها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات أهمية كبيرة.
أهمية خاصة
وتحمل تلك الزيارة أهمية خاصة لأكثر من سبب، أبرزها أنها الزيارة الأولى له لدولة الإمارات بعد توليه مقاليد الحكم خلفا لأمير البلاد الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي وافته المنية في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
أيضا تعد القمة المرتقبة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح هي الأولى بين الزعيمين، بعد تولي الشيخ مشعل مقاليد الحكم.
ويرتقب أن تسفر المباحثات بين الجانبين عن رسم خارطة طريق لتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين ودفعها إلى آفاق أرحب، إضافة لبحث سبل تعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي والتضامن العربي بشكل عام.
كما يتوقع أن تتصدر أجندة مباحثات الزعيمين أبرز القضايا العربية والمستجدات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الوضع في غزة، في ضوء توافق رؤى البلدين على ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة، ودعم الجهود الإنسانية بالقطاع.
أيضا تحمل تلك الزيارة أهمية خاصة كونها تأتي في ختام أول جولة خليجية للشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح منذ توليه مقاليد الحكم.
وكان الشيخ مشعل قد أجرى جولة خليجية بدأها بزيارة السعودية ثم سلطنة عمان، فالبحرين وقطر ويختتمها الثلاثاء بزيارة الإمارات.
وأكد وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في البيان الختامي للاجتماع الوزاري الـ159 الذي عقد في الرياض، الأحد، أن زيارات أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح لدول مجلس التعاون بعد توليه مقاليد الحكم تعكس متانة العلاقات والروابط الوثيقة بين قادة دول المجلس.
وأعربوا عن الثقة بأن الشيخ مشعل سيعزز بحكمته المعهودة المشاركة الفاعلة لدولة الكويت في دعم مسيرة مجلس التعاون المباركة وتحقيق أهدافه السامية مع إخوانه قادة دول المجلس والحفاظ على أمن مجلس التعاون وتثبيت قواعده بما يحقق الاستقرار والازدهار لدول المجلس وشعوبها.
أيضا تحمل تلك الزيارة أهمية خاصة كونها تأتي بعد نحو أسبوع من احتفال الكويت بأعيادها الوطنية، والتي شهدت مشاركة إماراتية بارزة توجت علاقات المحبة والأخوة بين البلدين.
وتحتفي الكويت في 25 فبراير/شباط من كل عام بعيدها الوطني، وهو ذكرى استقلالها من الاستعمار البريطاني قبل 63 عاما، فيما تحتفل في 26 فبراير/شباط من كل عام بعيد التحرير بمناسبة ذكرى تحريرها عام 1991 من الغزو العراقي.
وتتحول المناسبات الوطنية في البلدين إلى احتفالية مشتركة تجسد أواصر الأخوة والمحبة والمصير المشترك الذي يجمع بين البلدين، والعلاقات الأخوية والروابط التاريخية التي تتوثق وتزداد تلاحما وقوة عاما تلو الآخر.
وظهر ذلك جليا في الاحتفال الذي أقيم في الإمارات، والذي نظمته سفارة دولة الكويت لدى الإمارات بتلك المناسبة، بحضور عدد من المسؤولين الإماراتيين رفيعي المستوى، تقدمهم الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش.
وأشاد سفير الكويت لدى دولة الإمارات جمال الغنيم بالعلاقات الوثيقة والتاريخية التي تجمع البلدين الشقيقين، على الصعد كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واصفا إياها بأنها "نموذج متميز".
وبعث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان برقية تهنئة إلى الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، بمناسبة اليوم الوطني وذكرى التحرير لبلاده.
كما غرد مهنئا عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، قائلا: "أبارك لأخي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح والشعب الكويتي الشقيق بمناسبة اليوم الوطني، داعياً الله تعالى للكويت وشعبها بالمزيد من التقدم والازدهار".
وأردف: "العلاقات الإماراتية-الكويتية أخوية وراسخة، وبالتعاون مع أخي الشيخ مشعل نواصل تعزيزها وتنميتها لمصلحة البلدين وشعبيهما".
شراكة وتعاون
وتواصل الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والكويت نموها المستمر بدعم ورعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت.
وضمن أحدث مستجدات التعاون بين البلدين، وقعت الإمارات والكويت، في 11 فبراير/شباط الماضي، اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي.
وأكد الدكتور أنور علي المضف، وزير المالية وزير دولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار في دولة الكويت، أهمية الاتفاقية فيما يتعلق بالضرائب على الدخل ورأس المال ولمنع التهرب والتجنب الضريبي.
وأوضح أن الاتفاقية تعد جزءا من مسيرة التكامل الاقتصادي والمالي وحرية انتقال رؤوس الأموال بين دولة الإمارات والكويت، متوقعاً أن تسهم بتأثيرات إيجابية على مواطني ومستثمري البلدين الشقيقين.
قمم ومباحثات
ويجسد المستوى العالي للتنسيق المتبادل بين الإمارات والكويت حيال جميع القضايا الثنائية والعربية والدولية، حجم التطور في العلاقات بين الدولتين بما يخدم مصلحة الجانبين، ويعزز وحدة وتماسك البيت الخليجي والعربي عموما، وظهر ذلك جليا في أكثر من مناسبة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي.
من بين تلك المناسبات مشاركة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في قمة مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول "آسيان" التي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض، وشارك فيها قادة ورؤساء وفود 16 دولة (دول مجلس التعاون الخليجي الست+ 10 دول من جنوب شرق آسيا تمثل رابطة الآسيان).كما شارك الزعيمان في الـ21 من الشهر نفسه في قمة القاهرة للسلام، لبحث التصعيد الإسرائيلي في غزة.
وتبذل الدولتان جهودا مشتركة لإغاثة غزة، ودعم جهود وقف إطلاق النار، والدفع بحل مستدام للقضية الفلسطينية عبر حل الدولتين.
تعاون إماراتي كويتي بناء لتعزيز التضامن الخليجي والعربي ودعم ازدهار ورخاء البلدين، ونشر السلام والاستقرار في المنطقة والعالم ومواجهة التحديات المشتركة.
كما سبق أن شارك الزعيمان في مناسبات عدة لتحقيق الأهداف نفسها، من بينها اجتماعهما على هامش قمة جدة للأمن والتنمية في مدينة جدة 16 يوليو/تموز 2022.
وتم خلال اللقاء بحث العلاقات الأخوية بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت وسبل تطويرها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، ويعزز العمل الخليجي المشترك.
زيارات ولقاءات
تتوثق عرى هذا التعاون يوما بعد يوم، لا سيما في ظل القمم والمباحثات المتواصلة بين قيادة البلدين، والزيارات المتبادلة بين مسؤوليهما، واتفاقيات التعاون والشراكة التي تربط البلدين.
واستقبل الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، في قصر بيان يوم 24 يناير/كانون الثاني الماضي، الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، خلال زيارته الرسمية لدولة الكويت.
ونقل حاكم رأس الخيمة خلال اللقاء تحيات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وتمنياته لأخيه أمير دولة الكويت بموفور الصحة ودوام العافية، ولشعب الكويت الشقيق بمزيد من التقدم والنماء والازدهار، ومن جانبه حمل أمير الكويت حاكم رأس الخيمة تحياته لأخيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وتمنياته لدولة الإمارات وشعبها بدوام التقدم والرخاء والازدهار.
وهنأ حاكم رأس الخيمة أمير دولة الكويت الشقيقة بمناسبة توليه مقاليد الحكم، متمنياً له التوفيق والسداد في مواصلة مسيرة النماء والتقدم والازدهار لدولة الكويت.
كما بحث الجانبان عدداً من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، واستعرضا العلاقات الثنائية التي تربط دولة الإمارات ودولة الكويت، وسبل تطويرها وتعزيزها بما يخدم مصالحهما المشتركة.
جاءت تلك الزيارة بعد نحو شهرين من لقاء جمع الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس دولة الإمارات نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح على هامش مشاركتهما في أعمال "القمة العربية-الإسلامية المشتركة غير العادية" بالسعودية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة.
وبحث الجانبان العلاقات الأخوية ومختلف جوانب التعاون والعمل المشترك بين البلدين في جميع المجالات، بما يخدم مصالحهما المتبادلة ويسهم في تعزيز العمل الخليجي المشترك.
وقبل أيام شارك وفد كويتي رفيع المستوى في القمة العالمية للحكومات التي استضافتها الإمارات خلال الفترة من 12 إلى 14 فبراير/شباط الماضي.
علاقات تاريخية
وتعود العلاقات الإماراتية-الكويتية إلى أكثر من 6 عقود، وقد تميزت منذ البداية بزخم كبير، حيث بدأت البعثة التعليمية الكويتية في دولة الإمارات خلال عام 1955 بإنشاء العديد من المدارس وتجهيزها قبل إعلان الاتحاد.
كما دشنت البعثة الطبية الكويتية عملها في دولة الإمارات في أوائل الستينيات من القرن الماضي، بإنشاء العديد من المراكز والمستشفيات.
وفي سبعينيات القرن الماضي تعمقت العلاقات الأخوية المستندة إلى روابط الدم والإرث والتاريخ المصير المشترك وزادت قوة ورسوخا بدعم المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ جابر الأحمد الصباح.
وترجمت دولة الإمارات حجم ومتانة العلاقات التي تربط البلدين الشقيقين بموقفها المشرف في أثناء احتلال الكويت، حيث استضافت الإمارات عشرات الآلاف من الأسر الكويتية على أرضها، بينما شاركت القوات المسلحة الإماراتية في حرب تحرير الكويت.
ولا تنسى الكويت وأهلها وقفة دولة الإمارات وجيشها الباسل إلى جانبهم في محنة الغزو العراقي عام 1990، والشهور التي تلتها وصولاً إلى تحريرها، حيث قدّمت دولة الإمارات 8 شهداء و21 جريحاً دفاعاً عن الحق والشرعية، ومبادئ حسن الجوار.
وتكريسا لمتانة العلاقات بين البلدين، والرغبة في الانطلاق بها نحو آفاق واسعة من التعاون والتنسيق، وقع البلدان على اتفاقية إنشاء "اللجنة المشتركة" للتعاون الثنائي عام 2006 في مدينة الكويت، وعقدت اللجنة عددا من الاجتماعات التي تم خلالها التوقيع على برامج واتفاقيات عدة لتعزيز التعاون بين البلدين.
ومنذ توقيع البلدين على اتفاقية إنشاء "اللجنة المشتركة" للتعاون الثنائي عام 2006، شهد البلدان خطوات أسهمت في ترسيخ العلاقات الثنائية بين الإمارات والكويت والانطلاق بها نحو آفاق واسعة من التعاون والتنسيق.
ووفقا لسفارة الإمارات في الكويت فقد بلغت الاستثمارات المتدفقة من دولة الإمارات إلى الكويت نحو 837.8 مليون دولار أمريكي (3.07 مليار درهم)، في الفترة من 2016-2020، فيما بلغت قيمة الاستثمارات الكويتية المتدفقة إلى دولة الإمارات 1.745 مليار دولار (6.4 مليار درهم).
ووصلت تجارة دولة الإمارات مع دولة الكويت خلال النصف الأول من عام 2023 إلى 22.3 مليار درهم، في حين كشفت الإحصائيات المجمعة من الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ عن أن إجمالي التبادل التجاري بين دولة الإمارات ودولة الكويت بلغ 44.8 مليار درهم خلال عام 2023، و44.1 مليار درهم التبادل التجاري بين البلدين خلال 2022 بنمو 15 % مقارنة مع 2021.
ويرتقب أن تسهم زيارة أمير الكويت للإمارات والمباحثات التي ستشهدها في دفع العمل المشترك على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في ظل الرغبة المشتركة للقيادة الرشيدة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في المحافظة على العلاقة التاريخية على متانتها وثباتها ودفعها إلى آفاق أرحب.
aXA6IDE4LjExOS4xOS4yMDUg
جزيرة ام اند امز