لافروف في الجزائر.. دلالات الزيارة وأهدافها
حطّ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بالجزائر، الثلاثاء، في زيارة هي الأولى له لبلد عربي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا
واستقبل، مساء الثلاثاء، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والذي يقوم بزيارة للجزائر لمدة يومين، سلمه دعوة رسمية من نظيره فلاديمير بوتين لزيارة روسيا.
- وزير الخارجية الروسي بالجزائر.. أوكرانيا والغاز في صلب الزيارة
- مصادر جزائرية تكشف لـ"العين الإخبارية" تفاصيل اتفاق الغاز مع إيطاليا
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، كشف لافروف عن موقف بلاده من وضع أسواق النفط والغاز ومن العقوبات الغربية على بلاده، وكذا عن مستقبل وأهمية علاقات موسكو بالجزائر.
الغاز والعقوبات
وأكد لافروف أن روسيا "كما الجزائر" "لديهما موقف واحد في إطار منتدى الدول المصدر للغاز الخاص بالوفاء بالاتفاقيات السابقة، وسوف يكون هو الحال في المستقبل"، في إشارة – بحسب متابعين – لأن تُبقي روسيا على إمداداتها النفطية والغازية مع الدول الغربية.
وزير الخارجية الروسي تحدث أيضا عن العقوبات المفروضة على بلاده من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن "تجميد الأصول المالية أمر تعودت عليه روسيا"
وقال: "مثلما فعلته أمريكا سابقا في أفغانستان، حيث إنهم لا يستعملون هذه الأموال لإعادة بناء أفغانستان المدمر نتيجة لأعمال حلف الناتو خلال 20 سنة الماضية، لكن هذه الأموال موجهة لتحقيق أهداف أخرى"، دون أن يوضح حقيقة هذه الأهداف.
وأكد وزير الخارجية الروسي أن موسكو "تعمل بجهد لعدم السماح بإقامة عالم أحادي القطب، تماشياً مع الأسس التي تم التشكيل على أساسها منظمة الأمم المتحدة".
من جانب آخر، قال وزير الخارجية الروسي إنه تم مناقشة آخر المستجدات على المستوى العالمي. والمزيد من التنسيق المشترك بينهما على مختلف المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة وكذلك منتدى الدول المصدرة للغاز.
وعن علاقات موسكو والجزائر، أشار الوزير الروسي إلى وجود "ميزة إضافية تميز العلاقات بين روسيا والجزائر، هي أن كلا البلدين عضوان في مجموعة الأصدقاء لميثاق الأمم المتحدة، ونحن نرى آفاقاً واعدة للعمل في هذا الإطار".
واستطرد قائلا: "وقبل كل شيء، يدور الحديث حول مبدأ المساواة في سيادة الدول المثبت من قبل ميثاق الأمم المتحدة، ونحن كما هو الحال مع الجزائر لصالح هذا، ولكن هذا العامل يتم تجاهله من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها".
دلالتان للزيارة
وفي حديث مع "العين الإخبارية"، كشف الدكتور حسين قادري، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، دلالات الزيارة وأهميتها.
وأوضح أن هناك هدفين، أولهما: تمتين العلاقات بين البلدين خاصة في هذا الظرف، بحيث تتواجد فيه الجزائر في وضع نستطيع القول إنه يحتاج لمساعدة حليف، وهو وضع تكالب على الجزائر".
أما الدلالة الثانية فهي "التحالف الجديد على أساس أن روسيا وجدت نفسها في وضع يشابه الجزائر إلى حد كبير، وهو التكالب الخارجي من محيطها القريب".
وأوضح: "أوروبا الغربية بمساندة الولايات المتحدة تحاول استنزاف القدرات الروسية فيما يتعلق بالنزاع الأوكراني عن طريق مساعدة الأوكرانيين بالأسلحة وغيرها، كما أن الجزائر وجدت نفسها تشبه إلى حد ما الوضع الروسي، وهو هذا التكالب الإقليمي".
وتابع قائلا: "لا بد من إرسال رسالة جديدة إلى العالم من المحيطين الجزائري والروسي، هو أن هذين البلدين على مستوى عالٍ من التنسيق والتعاون، والمساس بروسيا يعني المساس بالجزائر والعكس أيضا، لأنه عندنا تجربة مهمة، وهي أنه لولا الروس لكنا (الجزائر) بصدد نموذج سوري".
وأكد أن الجزائر "لا بد أن تؤكد على أنها ليست لوحدها، بل هناك حليف قوي يمكن أن يقف معها، كما أن الجزائر صوتت ضد تعليق عضوية روسيا من منظمة حقوق الإنسان الأممية، وامتنعت عن التصويت عن إدانة التدخل الروسي في أوكرانيا".
طموح دولي وإقليمي
وإن كانت زيارة وزير الخارجية الروسي بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي للجزائر تعكس التحول في مكانة الجزائر دولياً، يرى المحلل السياسي أن "للجزائر طموح لتحتل مكانة إقليمية متوسطية ومغاربية أفضل مما كانت عليه، ولكن ما زاد من أهمية الجزائر هي أزمة الطاقة العالمية".
واعتبر أن الزخم الدبلوماسي الذي شهدته الجزائر منذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا "وضع الجزائر بين المطرقة والسندان، والجزائر يمكن أن تكون بديلا، لكنها في الوقت ذاته تحاجج بأن إمكانياتها الطاقة لا تسمح بأن تكون بديلا على المدى القصير، وهذا ما يخدم وجهة النظر الروسية".
حرب الغاز
وفيما يتعلق بالاتفاق الغازي الجزائري – الإيطالي الذي قرأته أوساط إعلامية غربية بأنه "ضربة جزائرية لروسيا"، يرى الأكاديمي الجزائري الدكتور حسين قادري، أن "الأمر مرتبط باتفاقيات موقعة على المدى المتوسط والطويل، والجزائر لا تملك القدرات لتعوض الإمدادات الروسية".
واعتبر أنه "يجب التفريق بين بحث الجزائر عن شركاء جدد لفترة ما يمكن تسميته بالنزاع الأوكراني – الروسي، والجزائر حالياً ترد على كل الطلبات الغربية بأن قدراتها الطاقوية محدودة بسبب الاستثمارات المشوهة للغرب في السابق بالجزائر، وبالتالي فإن الجزائر تُحمل الدول الغربية المسؤولية في عدم التقدم بالاستثمار في قطاع النفط الجزائري، والغرب فهموا الآن جيدا أخطائهم".
وأشار إلى أن "الجزائر شهدت ربما للمرة الأولى مع الإيطاليين اكتشاف حقول للغاز والبترول، مستدركا :"صحيح أن الجزائر أعطت الأولوية للإيطاليين لكن ليس على المدى الحالي، وروسيا متأكدة أن الجزائر لا يمكن أن تشكل بديلا في تمويل أوروبا بالغاز، والجزائر ليس لها قدرات لتضخ مزيدا من إمدادات الغاز نحو أوروبا".
وتحدث قادري عن الاتفاق المرتقب بين الجزائر ونيجيريا لإمداد أوروبا بغاز هذه الدولة الأفريقية، ونبه إلى أن "هذه البدائل الطاقوية على المستوى البعيد، كما أن روسيا بإمكانها إيجاد بدائل أخرى لغازها".
علاقات استراتيجية
في السياق ذاته، يرى الدكتور علاوة خلوط أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر، أن العلاقات بين الجزائر وروسيا تحكمها "ارتباطات تاريخية واستراتيجية عميقة من صادرات السلاح إلى التعاون الدولي".
وأوضح في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "حجم العلاقة بين البلدين يبدأ من كون الجزائر ثالث أكبر زبون للسلاح الروسي بنحو 11 مليار دولار، والجزائر تبقى زبوناً كبيرا لروسيا".
أما الثاني – وفق الخبير الاقتصادي – فهو أن "الجزائر مركز جديد لبعض النفوذ الروسي الجديد في مالي وبوركينافاسو، وروسيا بدأت تخلف الدولة الاستعمارية بالمنطقة وهي فرنسا".
أما العنصر الثالث الذي يعكس أهمية زيارة وزير الخارجية الروسي للجزائر - وفقا لخلوط- هو "دور الجزائر في تمويل أوروبا بالغاز الطبيعي، وروسيا تحاول الحفاظ على سعر الغاز، لأن القضية مرتبطة بضرورة تنسيق روسيا مع الجزائر في حال خرجت أوروبا من تبعيتها للغاز الروسي أن يتم الحفاظ على السعر المرتفع للغاز".
واستبعد الخبير الاقتصادي أن يكون هناك خلاف بين الجزائر وروسيا حول ملف إمدادات الغاز نحو أوروبا.