"فاغنر" ليست وحدها.. تنظيمات عسكرية "شبه رسمية" تضم الآلاف في روسيا
لا يزال المراقبون يحاولون فهم وتحليل ما حدث في روسيا مؤخرا، والذي يعد أخطر تحد سياسي استراتيجي داخلي للبلاد منذ الحرب الأهلية في 1917.
وتسبب بهذا التحدي مجموعة فاغنر العسكرية، التي بدأت تمردا مسلحا خلال اليومين الماضيين، وأنهته ليل السبت، بعد وساطة من رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وعليه قرر زعيم المجموعة يفغيني بريغوجين إعادة القوات إلى مواقعها والانسحاب شخصيا إلى بيلاورسيا مقابل وعد بإسقاط الملاحقات القانونية ضده.
- حركة وسط ديناميكيات سياسية معقدة.. من يحمي فاغنر في روسيا؟
- رؤية واشنطن لـ"أحداث روسيا".. جولة أولى تحدث تصدعات
لكن القوة الكبيرة لفاغنر تثير أسئلة بشأن إمكانياتها الحقيقية وقدرتها على خوض معركة سياسية بذراع عسكرية، كما تلقي التطورات الضوء على القوات شبه العسكرية أو الجيوش غير النظامية بشكل عام وفي روسيا بشكل خاص.
وقبل 10 أعوام، كشف كتاب بعنوان "القوات الأمنية وشبه العسكرية الروسية منذ عام 1991" أن "القوات المسلحة غير النظامية في روسيا باتت تتضخم يوما بعد آخر وباتت شوكتها قوية على نحو متزايد، وأنها مرشحة لأن تكون الأداة العسكرية الأكثر نشاطا خلال المستقبل القريب التالي".
وكان تقرير سابق نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، قد تحدث عن دور كبير لعبته وكالة المخابرات العسكرية، المعروفة باسم "GRU"، في إنشاء فاغنر، حيث إنه عندما تولى سيرغي شويغو وزارة الدفاع عام 2012، خصص مزيدا من الموارد الجديدة للوكالة والتي قامت بتعيين موظفين جدد، وتم تجنيد العديد منهم لاحقا كقوات عسكرية خاصة كانت تقليديًا تحت إشراف المخابرات العسكرية الروسية.
والحقيقة أن الكتاب الذي سطره كل من "مارك جاليوتي" و"جوني شومات" ونشر عام 2013، كان يستشرف بالفعل الوضع اللاحق.
ازدهار الجيوش شبه الرسمية
وكتب جاليوتي وشومات في كتابهما أنه في حين تقلص حجم القوات النظامية الروسية في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، أصبحت عناصرها الأمنية وشبه العسكرية قوية على نحو متزايد.
وأضافا: "في الواقع، لقد انتشروا مؤخرًا - كما هو الحال مع الزي الرسمي الخاص بهم- وأصبحوا مهمين، حيث قادوا جميع العمليات الأخيرة.. ويبدو أنها ستظل أكثر الوكالات المسلحة نشاطا في روسيا في المستقبل القريب".
وكان الجيش الروسي في ذلك الوقت منخرطًا بشكل كبير في الصراع بسوريا، وكذلك في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، وكانت المخابرات العسكرية الروسية تحول تركيزها إلى ما سمته العمل الميداني بدلاً من التجسس التقليدي. وتم الحديث عن وجود فاغنر لأول مرة في وسائل الإعلام الروسية بعدما لعبت دورا بارزا في أوكرانيا عام 2014.
لكن فاغنر ليست القوة الوحيدة فى روسيا. ففي موازاة ذلك، يعمل عدد من "الجيوش الخاصة" شبه العسكرية كحراس أهليين، إما بتسامح أو موافقة من الحكومة.
وقدم الكتاب لمحة موجزة عن الهيئات الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية التي تسعى إلى أن تعمل فى إطار حكومي وشبه حكومي بوسائل مسلحة، بدءًا من القوات الداخلية التي يبلغ قوامها 200 ألف جندي، ومرورًا بالشرطة وقوات الإدارات المستقلة الأخرى، وانتهاءً بشركات الأمن الخاصة.
وقال الكاتبان إنه في موسكو وحدها، تمتلك أكبر 4 شركات أمنية حوالي 8000 عنصر مسلح. في حين تم ضم بعض العناصر استجابة لتحديات الإرهاب والجريمة المنظمة، وتدين مجموعات خاصة أخرى أكثر إلى "أمراء حرب" بالوزارات الأخرى.
حروب الشيشان ومعارك أخرى
وقال الكاتبان إن "من بين أسباب ظهور القوات الأمنية الخاصة كانت الحروب في الشيشان وأماكن أخرى في القوقاز. كما أدى القتال الطويل ضد (المافيا) إلى ولادة الشرطة الخاصة ووحدات وزارة العدل الأخرى. ويوجد على هامش هذه الأنشطة مسعفون قتاليون مدربون بالمظلات، وضباط إغاثة في حالات الكوارث ومكافحة الحرائق بوزارة حالات الطوارئ".
وفي مواجهة الفوضى التي ولدت في سنوات عهد بوريس يلتسين في التسعينيات، كان هناك أيضًا تسامح مع مجموعات الأمن الأهلية المسلحة في القوقاز والشرق الأقصى الروسي، مع عودة ظهور دوريات القوزاق والمجموعات الأخرى، والتي يتم تزويدها بالأسلحة والزي الرسمي مقابل تولي الأمن المحلي.
وركز الكتاب على جهاز القوات الخاصة الغامض، والذي ينشط في مجموعة من حروب مكافحة الإرهاب والمافيا منذ عام 1991، ومن أهم فروعه قوات سبيتسناز.
سبيتسناز
وسبيتسناز هو مصطلح يعني "قوة الأغراض الخاصة من القوات الخاصة"، أى وحدات النخبة في إطار أي جهاز أمني خاص وكانت المهمة الرئيسية لقوات سبيتسناز في وقت الحرب هو التسلل وراء خطوط العدو.
ويوجد نحو 20 لواء "سبيتسناز" في أكثر من 41 شركات مستقلة. وهكذا، فإن مجموع قوام القوات سبيتسناز قد وصل فى بعض الأوقات إلى حوالي 30 ألف جندي.
وترجع إرهاصات إنشاء "سبيتسناز" إلى الحرب الأهلية الروسية، وكانت مهمتهم العمل ضد العمال والمزارعين المناهضين للشيوعية، حيث أنشأ النظام السوفياتي ما يسمى بـ"وحدات للاستخدام الخاص (Tschasti Osobogo Nasatschenia)" في عام 1918.
وفي العام التالي تم توسيعها إلى ما يسمى بـ"اللجنة الاستثنائية لعموم روسيا (Cheka)"، والقتال ضد الثورة المضادة والتخريب.
وبعد 3 أعوام، شاركوا في تمرد كرونشتاد عام 1921، ووضعوا بنادق آلية خلف وحدات من الجيش الأحمر، من أجل "زيادة دوافعهم".
وشارك هؤلاء في الحرب الأهلية الإسبانية في محاربة الفاشيين خلف خطوطهم باستخدام استراتيجيات حرب العصابات والإرهاب.
وفي قتال ألمانيا واليابان وفنلندا في الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء وحدات جديدة من رواد العواصف والمظليين وبذلك دمج السوفيات الخبرات الموجودة وبدأوا في توحيد الفروع العسكرية المختلفة.
وشاركت القوات السوفيتية سبيتسناز في الحرب السوفيتية الأفغانية 1979-1989 في أفغانستان، وتم تنفيذ أشهر عملياتهم، عملية العاصفة 333، في 27 ديسمبر/كانون الأول 1979 والتي شهدت اقتحام القوات السوفيتية لقصر تاجبيغ في أفغانستان وقتل الرئيس الأفغاني حافظ الله أمين وابنه وأكثر من 300 من حراسه الشخصيين في 40 دقيقة.
وشارك في العملية ما يقرب من 660 عميلًا سوفياتيًا يرتدون الزي الرسمي الأفغاني، بينهم ضباط من القوات الرسمية من "كي جي بي" وآخرون من وكالة المخابرات العسكرية (GRU) ومن "ألفا جروب (Alpha Group)" و"زينيث جروب (Zenith Group)" شبه الرسمية.
aXA6IDMuMTQ0LjI5LjIxMyA= جزيرة ام اند امز