حركة وسط ديناميكيات سياسية معقدة.. من يحمي فاغنر في روسيا؟
قبل الأزمة الحالية، حظيت "فاغنر" برعاية وحماية شخصية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأسباب تتعلق بتوازن القوى السياسية داخل روسيا.
وأكد تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، أنه لهذا السبب فإن "مجموعة فاغنر مكروهة على المستوى الشعبي والسياسي".
وحلل التقرير الذي كتبه كل من أندري سولداتوف وإيرينا بورغان، وهما زميلان في مركز تحليل السياسة الأوروبية، عدة تطورات جرت على الساحة الأوكرانية خلال الأشهر الماضية.
وقال التقرير إنه لأشهر لعب جنود فاغنر دورا رئيسيا في حصار باخموت في شرق أوكرانيا. وفي مقطع فيديو مثير للقلق نشره زعيم فاغنر، وقف يفغيني بريغوجين محاطا بجثث جنود فاغنر في باخموت، وألقى الشتائم على سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي، وكذلك على رئيس هيئة الأركان العامة وقائد القوات الروسية في أوكرانيا. وهدد بريغوجين بسحب قواته من باخموت إذا لم يتم تزويدهم على الفور بالمزيد من الذخيرة.
وبالنسبة للعديد من المراقبين، بدا أن صدعا كبيرا ينشأ بين فاغنر والكرملين، لكن بعد يومين تراجع بريغوجين عن تهديده فيما وصفه مراقبون بمحاولة يائسة من قبل بريغوجين لإنقاذ سمعة فاغنر باعتبارها الوحدة الروسية الوحيدة القادرة على شن عمليات هجومية، رغم خسائرها في باخموت.
ومع ذلك، فإن اللافت هنا هو سبب تسامح الرئيس فلاديمير بوتين مع تصرفات بريغوجين الغريبة، ويعتقد الكاتبان أنه بالنسبة لبوتين أصبحت فاغنر وسيلة مهمة أيضا لكبح جماح الجيش، الذي لطالما اعتبره تهديدا محتملا لحكمه، ومن ثم فإنه على عكس الافتراضات الغربية فإن دور فاغنر البارز في الحرب له علاقة بديناميكيات القوة في موسكو بقدر ما يتعلق بما يحدث في ساحة المعركة في أوكرانيا.
بين الماضي والحاضر
وبحسب التقرير، فإنه من الناحية الظاهرية يتناسب استخدام الشركات العسكرية الخاصة مع نمط جديد من حرب القرن الحادي والعشرين.
واستخدمت الولايات المتحدة شركة "بلاك ووتر" في العراق، لكن بالنسبة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، فقد كانت فاغنر أيضًا استمرارًا لتقليد أقدم بكثير يعود إلى الحقبة السوفياتية، عندما استخدم الكرملين قوات بالوكالة للتدخل في النزاعات في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أن الحكومة السوفياتية لم تؤكد رسميًا تدخلها مطلقًا، فمن الثابت أن ستالين أرسل مستشارين عسكريين لدعم القوات الجمهورية في إسبانيا في الثلاثينيات، وهو ما اعتبرته المخابرات الروسية مبررًا مناسبًا لاحتضانها قوات فاغنر في أوكرانيا، حيث أصر الكرملين على أنه يحارب الفاشيين مرة أخرى.
الدعم الداخلى بروسيا
ومع ذلك، فإن السؤال الأكثر تعقيدًا هو مدى دعم فاغنر داخل الجيش، ففي السنوات التي تلت ظهورها في عام 2015، خاصة منذ بداية العملية العسكرية الروسية الحالية في أوكرانيا، تطورت طبيعة العمليات العسكرية لفاغنر إلى حد كبير.
بدأت فاغنر كقوة "مرتزقة سرية ومُنكرة"، وتطورت تدريجياً إلى وحدة عسكرية كبيرة لها عمليات في العديد من البلدان، ولها مدفعية خاصة وقوات جوية، كما لها لوحات إعلانية ضخمة للتجنيد في شوارع المدن الروسية، وتنتج أفلاما سينمائية لتمجيد أفعالها، ولها أيضا برج لامع كبير في سانت بطرسبرغ لمقر الشركة. كما أصبحت تُعرف أيضًا باسم القوة الأكثر وحشية في الجيش الروسي، حيث تباهت صراحة بقتل "الخونة" بأبشع الطرق.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2022، عندما خسرت روسيا قدرا كبيرا من الأراضي في الهجوم الأوكراني في الشمال الشرقي، كان بريغوجين يهاجم علنًا سلسلة القيادة العسكرية الروسية. ومع ذلك فإن وسائل الإعلام الروسية الخاضعة للسيطرة الشديدة، بما في ذلك ما يسمى voenkors مراسلو الحرب الروس المرتبطون بالجيش- صدرت أوامر لهم بالمساعدة في الترويج لفاغنر وأنشطتها في أوكرانيا. نتيجة لذلك استمرت الصحف الموالية للكرملين في نشر المقابلات مع ضباط فاغنر التي تمجد الروح القتالية للجماعة.
دعم شخصي من بوتين
ومع ذلك، فإن العامل الأكثر أهمية في دور بريغوجين المستمر في أوكرانيا كان بوتين نفسه، ففي الواقع تبدو هجمات بريغوجين المتكررة على 2 من كبار قادة الجيش قد تعدت الحدود، إلى حد يعتبر أن الدعم الشخصي من بوتين هو فقط السبب وراء حماية زعيم فاغنر، لكن لماذا يعتبر بريغوجين ذا قيمة بالنسبة لبوتين؟
اعتبر تحليل "فرين أفيرز" أن التفسير يكمن في علاقة بوتين المعقدة بالجيش الروسي. فخلال سنواته الأولى في السلطة كان أحد أكبر التحديات التي واجهها بوتين هو إبقاء الجيش تحت السيطرة كواحد من أكبر الجيوش في العالم في بلد شاسع.
وخلال العقد الأول من توليه المنصب سعى بوتين إلى إحكام قبضته على الجيش من خلال تعيين الجنرال السابق في "كي جي بي" وصديقه الموثوق به سيرجي إيفانوف وزيراً للدفاع. لكن بوتين اضطر إلى استبداله في عام 2007 عندما أصبح من الواضح أن جهود إيفانوف لإطلاق إصلاح عسكري أكبر قد باءت بالفشل، وفي وقت لاحق مع شويغو، وهو شخص غريب آخر عن الجيش، حاول بوتين مرة أخرى كسب المزيد من النفوذ.
ولكن الآن، بعد أكثر من عام من الحرب في أوكرانيا، هناك القليل من الأدلة على أن بوتين قد نجح مع شويغو أكثر مما نجح مع إيفانوف. علاوة على ذلك يدرك بوتين أن الجيش يميل في زمن الحرب إلى اكتساب المزيد من القوة داخل الدولة، ومن ثم فإن القوة النسبية للجيش هي أمر يثير القلق السياسي، في بعض النواحي أكثر من أداء الجيش في ساحة المعركة.
ونتيجة لذلك، لجأ بوتين بشكل متزايد إلى أساليب غير تقليدية لكبح جماح الجنرالات، فكان دور فاغنر قوة موازنة للجيش.
بالنسبة لبريغوجين، على الرغم من الخسائر غير العادية التي تكبدها جنوده فإن هذا وضع مربح للجانبين، إنه يدرك أنه لن يشكل تهديدًا سياسيًا لبوتين أبدًا لأنه لا يتمتع بأي دعم آخر داخل النخبة الحاكمة الروسية باستثناء رعاية بوتين الخاصة. أما بوتين فكان هو الآخر حريصا على إبقاء الأمر على هذا النحو.