وحيد الطويلة لـ"العين": المتعة هي المشترك بين الرواية وكرة القدم
مقاربة بين عالم الرواية وشخوصها وعالم كرة القدم ولاعبيها يقدمها الروائي المصري وحيد الطويلة صاحب رواية "حذاء فيلليني".
كرة القدم ليست مجرد رياضة عادية، لكنها خلقت عوالم إبداعية أخرى ترتبط بها، ونسجت حولها أبيات وسطورا ومقاطع غنائية وشعرية وروائية من وحي المستطيل الأخضر وشباكه، حتى كونت أنطولوجيا أدبية خاصة بها دونا عن باقي الألعاب الرياضية، فقد كان الشاعر الفلسطيني محمود درويش يشير إلى أن تلك اللعبة "أشرف الحروب"، وكتب عنها مقالا مطولا عن علاقته بها، بينما قال عنها الأديب الكبير توفيق الحكيم"بدأ عصر القدم.. انتهى عصر القلم!".
- الأدباء وكرة القدم.. الخيال كرة طائرة في الرياح
بينما رأى الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا الحائز على جائزة نوبل في الأدب فلديه 11 قصة عن كرة القدم، وضع خلالها حكمين في النار، لأنهما لم يقرآ فولتير، أما سارتر فكان يرى أن "كرة القدم هي مجاز الحياة"، في حين أن البريطاني جورج أورويل كان يؤكد أن "الرياضة الجدية لا علاقة لها باللعب النزيه، فهي محكومة بالغيرة والكراهية والتبجح، وتجاهل القواعد، والمتعة السادية المتمثلة في مشاهدة العنف، وبكلمات أخرى إنها الحرب بدون إطلاق الرصاص".
في حديثه لـ"العين الإخبارية" يرى الروائي المصري وحيد الطويلة أن القاسم بين الرواية وكرة القدم هو المتعة، ويقول: "هناك من يريد النتيجة بالطبع وهؤلاء من خلقوا فكرة التعصب لفريق أو لكاتب.. هذا التعصب المقيت هو الذي أنتج كتابًا مهما فازوا فستظل نصوصهم في الغالب تنقصها المتعة، وكما هناك حكام أغبياء جهلة هناك نقاد أغبياء.. ربما تمرُّ على حَكَمٍ هفوةٌ لم يرها أو أساء تقديرها في لحظة وهذا طبيعي، لكن ذلك يجب ألّا يكون في حالة ناقد.."
وفي مقاربة بين عالم الروائي وعالم لاعب كرة القدم، يقول صاحب "حذاء فيلليني" : "على أية حال هناك خطة ما واضحة لفريق ما قد تتغير بتغير ظروف اللعب مع مدرب ذكي.. هناك أيضًا خطة في ذهن الروائي.. تتغير أيضًا بطبيعة مباراة الرواية وبما توده الشخصية رغمًا عن أنفك.. يحدث هذا أيضًا في الكرة، لكنه يستلزم مهاجمًا من عيار روماريو لا يعرف مدربه، ماذا سيفعل وهو ربما لا يعرف ذلك إلا في خياله العارم".
يضيف الطويلة: "معظم المدافعين في الملعب حتى مهما كانت إجادتهم لن تجد خيالًا منهم إلا في حالات نادرة.. باريزي ممتاز لكنه بلا خيال حتى باكينباور.. أكره المدافعين لا أستثني منهم أحدًا إلا حالات نادرة مثل الضلمي والبياز في المغرب".
ويوضح: "المدافع مثله مثل من يكتب ثلاثين رواية.. لكنه لم يبدع يومًا.. حاضر في كل شيء عدا الإبداع. الإبداع يحتاج إلى خيال.. فان باستن مبدع رغم أنه أنتج رواية واحدة.. نحتاج إلى روائيين من عينة كرويف وبيتجا الإيطالي الذي كان موهوبًا لكنه لم يحصل على جائزة.. فنسوه… إنه صبري موسى الرواية".
ويتابع صاحب "باب الليل" عن نهج الرواية الحديثة وكرة القدم: هناك بناء مشترك وخطة وتوزيع للأدوار.. الرواية الحديثة أخذت نهج الكرة. أصبح المدافعون يهاجمون، والشخصيات الثانوية في رواية ما ربما هي من تبقى في ذهنك، وتتراجع الشخصية الرئيسية لحساب الثانوية.. تكتيك اللعب وتكنيك الرواية. في الكرة لا تستطيع أن تلعب من دون مدافعين.. في الرواية يمكنك أن تفعل هذا.. تلعب طوال الوقت مهاجمًا.. في الكرة لا تستطيع أن تلعب من دون حارس مرمى.. في الرواية يمكنك أن تفعل هذا، لتترك للنقاد بابًا يهاجمونك منه.. في الكرة يمكنك أن تفعل مثل إيطاليا تدافع في الأدوار الأولي ثم تهاجم حين تصل لربع النهائي.. في الرواية هذا مؤلم حتى لو ربحت إيطاليا وأبدعت في الدفاع.. في الكرة هناك جمهور مجنون ينسى البداية السيئة طالما سيربح في النهاية.. في الرواية لن ينتظرك جمهورك ولن يغفر لك حتى لو غفر لفوكنر".
وفي مقاربة بين جمهور الراوية وجمهور الساحرة المستديرة، يقول الطويلة: "شيء واحد قد يريح جمهورك إذا فزت بجائزة حتى لو كانت رديئة وهذا أسوأ ما يحدث.. والمتعصبون والجهلة ينسون المتعة ويتذكرون النتائج. الكرة والكتابة يشتركان في متعة الهجوم بحساب حتى لا تنكشف الخطة باكرًا… الدفاع والهجوم حسب الحالة.. هناك روايات تلعب بطريقة دفاع المنطقة، ثم تهاجم في النهاية لكن الدفاع يحتاج إلى المتعة؛ حتى لا يهرب القارئ وحتى لا يموت المتفرج.. الهجمة المرتدّة تحتاج إلى شخصيات ذكية تنفذها لتحرز الهدف ثم تعود لقواعدها".