كيف تُزيد الحرب من وطأة التحديات المناخية؟.. المنطقة العربية نموذجاً
سعت رئاسة COP28 إلى إقرار قضايا الصراع على أجندة فعاليات مؤتمر المناخ، وتم إصدار إعلان "المناخ والإغاثة والتعافي والسلام".
وقد وقع على إعلان "المناخ والإغاثة والتعافي والسلام" ممثلون عن 74 دولة و40 منظمة دولية.
وبينما أكد هذا الإعلان للمرة الأولى على أحقية دول الصراع في تمويل التكيف المناخي، فإن كيفية تنفيذ ذلك، تمثل تحديا كبيرا، في ظل عدم الاستقرار الذي تعاني منه تلك الدول، وهو ما يظهر جليا في حالة دول الصرع بمنطقة الشرق الأوسط.
وتوصف الكثير من مناطق إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأنها من بين أكثر 25 منطقة في العالم حساسية للتغيرات المناخية، وفقاً لمبادرة نوتردام للتكيف العالمي، مما يقتضي الحصول على تمويل لتنفيذ إجراءات التكيف المناخي، ولكن مع الحروب والصراعات التي لا تزال مستمرة في دول مثل سوريا واليمن وليبيا والسودان وفلسطين، يرى الممولون أنه سيكون من الصعب إعطاء الأولوية لقضايا التكيف، حيث توجد احتياجات أكثر إلحاحا يجب تلبيتها، مثل الأمن والحصول على الغذاء والمياه النظيفة والكهرباء.
والتكيف المناخي، كما تعرفه الأمم المتحدة، هو إكساب الاقتصاديات والمجتمعات، القدرة على الصمود في مواجهة التأثيرات المناخية، عن طريق إجراءات مثل بناء الطرق والجسور المكيّفة لتحمل درجات الحرارة المرتفعة والعواصف الأكثر قوة، أو قيام بعض المدن الواقعة على السواحل بإنشاء أنظمة لمنع الفيضانات في الشوارع وفي منشآت النقل تحت الأرض، وقد تتطلب المناطق الجبلية إيجاد سبل للحد من الانهيارات الأرضية والفيضانات الناجمة عن ذوبان الأنهار الجليدية، وقد تحتاج بعض المجتمعات إلى الانتقال إلى مواقع جديدة لأنه سيكون من الصعب عليها جدا التكيف مع هذه الظواهر.
استراتيجيات التكيف بقطاع غزة
ووفق هذا التعريف فإن دول الصراعات بالمنطقة التي عانت مؤخرا من ظواهر مناخية قاسية زادت من حدة أزماتها، ستحتاج مجموعة من التدخلات للتكيف المناخي تختلف باختلاف موقعها، ولكن لن يكون بالإمكان تنفيذ هذه التدخلات، وفق ما ترى الجهات الممولة، لأن مثل هذه التدخلات ستتراجع على سلم الأولويات، أمام توفير الاحتياجات الأساسية.
وإذا أخذنا قطاع غزة على سبيل المثال، المطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فهو يحتاج إلى مجموعة من التدخلات للتكيف المناخي بعد أن كشف تقرير نشره معهد دراسات الأمن القومي في يونيو/حزيران الماضي، أن تغيرات المناخ ألقت بظلالها على القطاع متجسدة في ارتفاع منسوب مياه البحر، وارتفاع كبير بدرجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، والمزيد من الظواهر الجوية المتطرفة المتكررة، مثل الفيضانات التي ضربت القطاع بأكمله في يناير/كانون الثاني 2022.
وإحدى إستراتيجيات التكيف المناخي التي يجب تنفيذها في القطاع هي التحرك، بحثا عن أرض مرتفعة عن سطح البحر، وهذا ليس خيارا متاحا للناس في غزة، الذين لا يمكنهم الفرار من تداعيات المناخ، ولا القصف الإسرائيلي.
وعبرت هديل خميس، خبيرة المناخ لدى السلطة الفلسطينية عن هذا المعنى وقالت لوكالة فرانس برس: "إن خطط مكافحة التغير المناخي في غزة وُضعت على أساس ما هو موجود على الأرض"، ولكن منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول لم يبق شيء".
وقال روبرت مارديني، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن جميع مشاريع منظمته المتعلقة بالمناخ في غزة توقفت.
وأوضح لوكالة فرانس برس إن "قطاع غزة مكان يشكل فيه تضاؤل موارد المياه وانخفاض جودة المياه والظواهر الجوية التي لا يمكن التنبؤ بها تحديا بالفعل".
وأضاف: "لقد ساعدت بعض المشاريع الصغيرة التي كانت اللجنة الدولية تدعمها على مدى السنوات الماضية المجتمعات المحلية على مواجهة عواقب تغير المناخ"، مضيفًا أنه "للأسف، توقفت هذه المشاريع الآن".
الحالة الليبية
ومن الحالة الفلسطينية إلى ليبيا التي تحتاج على سبيل المثال، بعد الفيضانات التي وقعت وتسببت في انهيار سدود مدينة درنة، إلى إعادة بناء السدود بطريقة أكثر حداثة للمساعدة على تحمل الظواهر المناخية القاسية، غير أن الصراع السياسي بين النخب في ليبيا، والذي أخر تنفيذ إصلاحات حيوية كان يجب أن تجرى في السدود قبل انهيارهما، هو ذاته الذي سيعطل إجراءات إعادة تشييدهما، كما يوضح حسن أبو النجا، المدير التنفيذي للشبكة العربية للتنمية المستدامة.
ويقول أبو النجا لـ"العين الإخبارية": "إذا كان من حق ليبيا الحصول على تمويل لبناء السدود، كأحد أدوات التكيف المناخي، فمع من ستتعامل الجهات الممولة في هذا المشروع، هل مع الحكومة المركزية أم مع حكومة شرق ليبيا، حيث توجد السدود".
وكان تقرير لمؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي قد حذر من تأثيرات الخلاف السياسي في ليبيا على تنفيذ إجراءات التكيف المناخي، ولفت التقرير إلى إجراءات عاجلة ينبغي اتخاذها للتعامل مع مشكلة ارتفاع مستويات البحر على طول الخط الساحلي بما يصل إلى ثلاثة ملليمترات سنويا، مما يهدد بغرق مدينة بنغازي الساحلية في نهاية المطاف أو إلحاق أضرار جسيمة بها.
مشروعات توقفت
وبينما كانت دولة أخرى، وهي السودان، تخطو خطوات في التكيف المناخي عبر مشروع ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جاء الصراع الذي اشتعل في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ليعطل هذا المشروع.
ويعاني السودان مثل كثير من دول المنطقة من ندرة المياه والجفاف، ويحتاج إلى تدابير تكيف مبتكرة، مثل احتجاز المياه، والري من الآبار، وإعادة إدخال السلالات وأصناف المحاصيل الأكثر مقاومة للإجهاد، وتثبيت الرمال وغيرها من تقنيات إدارة الأراضي والتقنيات الزراعية، وحاول مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نشر هذا التدابير، غير أن الحرب جاءت لتؤدي إلى وأد هذه الجهود، مع مغادرة كافة خبراء الأمم المتحدة للسودان.
والوضع ليس بأفضل حالاً في اليمن وسوريا، حيث تواجه اليمن، انعدام في الأمن الغذائي الذي تفاقم بسبب الصراع، ويضيف تغير المناخ إلى هذه الضغوط من خلال التأثير على الإنتاجية الزراعية من خلال أنماط هطول الأمطار غير المنتظمة، والجفاف، حيث يصنف اليمن ضمن البلدان الأكثر عرضة للتأثُّر بتغير المناخ، ومما يجعل هذه المشكلة أكثر تعقيداً أنه من بين الدول الأقل استعدادا للصدمات المناخية، واحتل المرتبة 174 (من 185 دولة) في مؤشر الضعف المناخي الصادر عن جامعة نوتردام، الذي يُصنِّف الدول حسب استعدادها وقدرتها على مواجهة التغيرات المناخية.
ويقول علي أبو سبع مدير المركز الدولي للبحوث في المناطق الجافة والقاحلة (إيكاردا) لـ"العين الإخبارية": " تحتاج اليمن للتعامل مع هذا الوضع، تنفيذ ممارسات زراعية مقاومة للمناخ ، مثل أصناف المحاصيل المقاومة للجفاف، وتنفيذ تقنيات الحفاظ على التربة، وتحسين إدارة المياه في الزراعة، لتعزيز الأمن الغذائي، غير أن ذلك يصبح أكثر صعوبة وسط اضطراب عمل المؤسسات الناجم عن الصراع".
ويكتسب الوضع في سوريا خصوصية، لأنها كانت تمتلك الخبرات القادرة على دعم مشروعات التكيف المناخي، ولكن أدى الصراع إلى هجرة الأدمغة وفقدان الموظفين المهرة، مما يجعل من الصعب تخطيط وتنفيذ ودعم مشروعات التكيف مع المناخ، كما يوضح أبو سبع.
كما أن الصراع الدائر في سوريا، غالبا ما يسيطر على الاهتمام العالمي بسبب تشعب المواقف الدولية منه، وحضور أطراف متعددة داخل الصراع ، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تحويل التركيز والموارد بعيدا عن مبادرات التكيف مع تغير المناخ، وغالبا ما يتم توجيه المساعدات والدعم الدوليين نحو الاحتياجات الإنسانية الفورية، بدلاً من استراتيجيات التكيف مع المناخ طويلة المدى.
وعلى ذلك، فإنه لس المهم في حالة دول الصراع توفر التمويل الدولي لمشروعات التكيف المناخي، ولكن الأهم هو إنهاء الصراع وأن تكون هناك مؤسسات مستقرة قادرة على إدارة هذا التمويل، وهذا غير متحقق حتى الآن، كما يقول أبو سبع.
aXA6IDMuMTM5LjIzNS4xNzcg جزيرة ام اند امز